بعد 200 يوم من الحرب على غزة.. ملف التهجير من بوابة "التجويع" يقلق الفلسطينيين
أطفال فلسطينيون أجبرهم الجوع على تناول علف الحيوانات والحشائش البرية داخل خيمة للنازحين في دير البلح (29 فبراير شباط 2024)
  • غزة

  • الثلاثاء، ٢٣ أبريل ٢٠٢٤ في ١٠:٠٤:٠٤ م
    آخر تحديث : الثلاثاء، ٢٣ أبريل ٢٠٢٤ في ١٠:٠٤ م

بعد 200 يوم من الحرب على غزة.. ملف التهجير من بوابة "التجويع" يقلق الفلسطينيين

(وكالة أنباء العالم العربي) - بعد مرور 200 يوم من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تتصاعد مخاوف الفلسطينيين أمام مشاهد دمار مروعة تجعل القطاع غير قابل للحياة وتُجدد الحديث عن قضية "التهجير" مع صعوبة العيش في ظروف بالغة التعقيد.

في بداية الحرب، دعا وزراء إسرائيليون من بينهم وزير التراث عميحاي إلياهو، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، صراحة إلى توجه سكان غزة إلى سيناء في مصر أو إلى أي مكان آخر في العالم.

وانطلقت حينها تصريحات عربية رافضة للفكرة، تصدرها الرفض المصري لأي مخططات من هذا القبيل.

غير أن الوزراء الثلاثة كرروا دعوتهم في أكثر من مناسبة، وتواصلت هذه الدعوة حتى وقت قريب.

وربما يكون هذا النوع من الأحاديث التي كان يرددها المسؤولون الإسرائيليون قد توقف في الآونة الأخيرة، لكن ما يثير القلق على المستوى الفلسطيني الرسمي أن تحدث هجرة طوعية على غرار ما دعا إليه الوزيران سموتريتش وبن غفير مطلع العام الجاري عندما طالبا بتشجيع سكان غزة على الخروج من القطاع "بمحض إرادتهم".

* "حرب تجويع"

يؤكد نائب رئيس حركة فتح، محمود العالول أن خطر التهجير ما زال قائما، مشيرا إلى أن القيادة الفلسطينية لديها ثلاث أولويات بشأن غزة، هي وقف الحرب وإغاثة السكان ومنع التهجير. وقال في تصريحات لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) إن القيادة الفلسطينية بذلت جهودا مكثفة مع مصر والأردن لإزالة ذلك الخطر.

أما سكان القطاع، فيرون أن هناك "حرب تجويع" هدفها دفعهم للفرار في نهاية المطاف بحثا عن لقمة العيش.

إبراهيم عبد القادر، الذي نزح مع عائلته إلى مدينة رفح، يؤكد صمود أهالي غزة ورفضهم فكرة التهجير، لكنه يرى أنهم سيبحثون في النهاية عن "مقومات الحياة" بأي طريقة كانت.

وأضاف قائلا لوكالة أنباء العالم العربي "الأوضاع هنا مأساوية للغاية ولا يمكن تصورها. نعم المواد الغذائية باتت تدخل بشكل أكبر من السابق حتى إلى شمال قطاع غزة، لكنها مواد للبيع وليست إغاثية، أي مطلوب منا دفع ثمنها للحصول عليها، والناس لا تملك المال لشراء شيء في ظل الحرب وتوقف الأعمال".

وتابع "بتنا نسمع من نازحين أنهم يتمنون الخروج من غزة في ظل هذه التعقيدات وعدم القدرة على شراء المواد الغذائية والاحتياجات الرئيسة. طال الانتظار في هذه الخيام البالية، ولا بد من تدخلات عاجلة تُبقي السكان صامدين في أرضهم بدلا من خيار التفكير في الخروج من غزة في أقرب فرصة متاحة".

وتقول نازحة أخرى، اكتفت بتعريف نفسها باسم آمنة، إن ما يحصل عليه النازحون من مواد غذائية لا يسد جوعهم وإنهم لا يملكون المال لشراء ما هو متاح في ظل ارتفاع كبير في الأسعار.

وتضيف "حديث البعض عن الصمود بدأ يتغير. نعم الأغلبية تريد البقاء في غزة، لكنهم يريدون أيضا مقومات الحياة التي لم تعد موجودة".

وتتساءل "لا مكان للسكن ولا طعام ولا مياه نظيفة ولا خدمات صحية، فكيف سيبقى الناس هنا؟".

* حتى الصمود.. له احتمال

يؤكد مصدر مطلع لوكالة أنباء العالم العربي أن أعدادا كبيرة من الفلسطينيين تسعى لمغادرة قطاع غزة بالفعل.

وقال المصدر الذي طلب عدم نشره اسمه إن كثيرين يضطرون لدفع أموال طائلة للسفر من خلال معبر رفح الحدودي تحت ذريعة العلاج أو غيره، لكن الهدف في النهاية هو البحث عن مكان آمن تتوفر فيه مقومات الحياة.

وأضاف "تظل هذه القضية محدودة، ولا يملك كثيرون المال اللازم دفعه للسفر، وبالتالي نتحدث عن بضعة آلاف من بين 2.3 مليون يعيشون في قطاع غزة".

وكشف مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان (بتسيلم) هذا الأسبوع معطيات جديدة حول انعدام سبل الحياة في قطاع غزة.

وأكد المركز في تقريره أنه رغم الضغوط الدولية لإغاثة سكان غزة، وبخاصة بعد مقتل عاملين من منظمة (وورلد سنترال كيتشن) العالمية في قصف إسرائيلي مطلع الشهر الجاري، وتعهُّد إسرائيل بزيادة الإمدادات لقطاع غزة، لم يحدث تغير ملحوظ.

وحمَّل المركز إسرائيل المسؤولية الأساسية عن الأزمة الإنسانية التي تفاقمت منذ اندلاع الحرب، وقال "حتى عندما وافقت إسرائيل بعد ضغوط دولية على السماح بإدخال المساعدات من أراضيها، فقد فعلت ذلك بطريقة بخيلة، وعلى نطاق بعيد كل البعد عن تلبية احتياجات السكان".

وأضاف "التغيير الحالي في السياسة لا يمكن أن يعفي إسرائيل من مسؤوليتها عن أزمة الجوع في قطاع غزة، ومجموعة التقارير الصادرة عن الهيئات الدولية حول ما يحدث في قطاع غزة والشهادات التي جمعها محققو بتسيلم الميدانيون تقودنا إلى الاستنتاج المؤسف بأن إسرائيل ترتكب جريمة التجويع خلافا لما ينص عليه القانون الدولي".

وأكد أن أحدث التقارير الدولية تظهر أن الوضع في قطاع غزة يقع عند الدرجة الخامسة في التصنيف العالمي لمؤشرات الجوع، وهو الأكثر خطورة في العالم.

وقال المركز "يعاني نصف سكان قطاع غزة نقصا كارثيا في الأمن الغذائي. ووفقا للمعايير الدولية المقبولة، تكون المنطقة في حالة ‘مجاعة‘ عندما يواجه ما لا يقل عن 20% من الأسر هناك نقصا حادا في الغذاء ويعاني ما لا يقل عن 30% من الأطفال هناك من سوء التغذية الحاد".

وتابع "في شهري فبراير ومارس 2024، كان قطاع غزة بأكمله في المستوى 4 من 5 في مؤشر الجوع".

* حساب السعرات الحرارية

وفقا لتقرير أصدره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في مارس آذار الماضي، فإن 2.2 مليون شخص من سكان قطاع غزة، أي ما يقرب من 100% من السكان، يعانون نقص الأمن الغذائي عند المستوى 3 أو أعلى، منهم 1.17 مليون عند المستوى 4 أو أعلى، في حين يعاني ما يقرب من نصف مليون منهم من انعدام الأمن الغذائي عند الدرجة 5 أو أعلى.

وقال مركز بتسيلم إن قطاع غزة لم يعد بالفعل قابلا للحياة، "فالمدن تحولت إلى أنقاض، وعدد القتلى لا يمكن تصوره، والنظام الصحي لا يعمل، والمستقبل غير واضح".

وأضاف أن إسرائيل "تتصرف بطريقة تتجاهل أي معيار أخلاقي أساسي وتنتهك بشكل صارخ التزاماتها بموجب القانون الدولي"، انطلاقا من رغبتها في الانتقام من الهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر تشرين الأول .

وأكد المركز في تقريره أن إسرائيل تستخدم التجويع بطريقة مدروسة، حتى أنها حسبت عدد السعرات الحرارية التي يحتاجها أهالي القطاع لتُبقي الحد المتاح أقل من ذلك، تزامنا مع تدمير إمكانية إنتاج الغذاء داخل القطاع من خلال الزراعة أو صيد الأسماك والحد من شحنات المساعدات.

وأضاف "حالة الجوع الشديدة التي تطورت في الأشهر الأخيرة في قطاع غزة ليست بحكم القدر، بل هي نتاج سياسة إسرائيلية متعمدة وواعية، أعلنها بالكامل صناع السياسة الإسرائيليون".

وتابع مركز بتسيلم "قامت إسرائيل بدراسة متعمقة لكمية الغذاء التي يحتاجها سكان قطاع غزة من أجل البقاء، وابتكرت صيغا رياضية وقامت بتجميع جداول السعرات الحرارية. وهذا يعني أن إسرائيل دخلت الحرب وهي على قدر كبير من المعرفة باحتياجات السكان في قطاع غزة، واختارت بوعي ومعرفة عدم تلبية هذه الاحتياجات".

اقرأ أيضا