زهور الفُلّ ما زالت تتفتّح في ربوع اليمن وعبيرها يصل إلى أسواق جديدة رغم الحرب
بائع فُلّ يمنيّ في مدينة كريتر بالعاصمة اليمنيّة المؤقتة عدن أثناء تشكيل عقود الفُل اللحجي لزبائنة. الثلاثاء، 28 مايو أيار 2024 - المصدر: AWP
  • عدن

  • الخميس، ٣٠ مايو ٢٠٢٤ في ٥:٥٤ ص
    آخر تحديث : الخميس، ٣٠ مايو ٢٠٢٤ في ٥:٥٤ ص

زهور الفُلّ ما زالت تتفتّح في ربوع اليمن وعبيرها يصل إلى أسواق جديدة رغم الحرب

(وكالة أنباء العالم العربي) - تتفتّح زهور الفُل اليمنيّ، فتنشر عبيرها المحمّل بآمال السلام في أنحاء بلد أنهكته حرب تدور رحاها منذ تسع سنوات وتُثقل تبعاتها كاهل أهله؛ فمنذ زمن بعيد، ارتبط هذا البلد برائحة الفُلّ الفريدة، الحاضرة دوما في كل مناسبة سعيدة وفي كل بيت كرمز للحبّ والفرح.

وتعدّ محافظتا لحج، الواقعة جنوب اليمن، والحديدة الواقعة غربها، عاصمتيّ زراعة الفُلّ، بحسب اليمنيّ فضل سالم، الذي ورث عن جدّه الأول مزرعة لإنتاج هذه الزهور في منطقة الحسيني المشهورة بزراعتها مُنذ القدم في لحج.

0db7fd80-c231-420c-ab80-33aee75650cc.jpg

تاجر الفُلّ التهامي اليمني محمد شوقي يستعرض عقود الفُلّ في محلّه التجاري، وهو الوحيد لبيع الفلّ في محافظة مأرب. الثلاثاء، 28 مايو أيار 2024 - المصدر: AWP

بالنسبة لسالم، فإن رائحة الفُلّ في مزرعته تذكّره بقصّة صموده وإصراره على الحياة في ظلّ الحرب؛ لكنّها لا تنسيه المصاعب الجمّة التي يواجهها المزارعون في لحج من نقص المياه والوقود وارتفاع أسعار مستلزمات الزراعة جرّاء الحرب، فضلا عن الخوف الذي أصاب السكّان وقت اجتياح جماعة الحوثي محافظات عدّة في البلاد مطلع عام 2016.

في لقاء مع وكالة أنباء العالم العربي (AWP)، أشار سالم إلى أنّ مزرعته كان قد أصابها الجفاف وأتلف محصول عام كامل عندما كانت رحى الحرب تدور في لحج؛ وقال "لم نتمكّن من جني زهور الفل؛ ومن استطاع أن يجنيه، لم يتمكّن من بيعه في الأسواق... ما زلنا حتّى اليوم نُعاني من آثار هذه الحرب؛ لكنّا لم نستسلم".

في مواجهة تلك التحديات، لجأ زُرّاع الفُلّ إلى طرق تقليديّة للريّ، مثل حفر الآبار واستخدام الجرّارات، وحافظوا على أساليب الزراعة القديمة التي توارثوها عن آبائهم وأجدادهم. وعلى الرغم من تأثّر صادرات الفُلّ إلى الخارج، فإن أسواقا جديدة داخل البلاد فتحت أبوابها له.

تحديات الفُلّ في زمن الحرب

ووفقا لسالم، الذي كان يعمل في السابق مُعلّما بوزارة التربية، فإنّ لحج تزرع أفضل أنواع الفُلّ اليمنيّ، ومنها الفُلّ الشاميّ والفُلّ الهنديّ؛ ويكون لكلّ نوع رائحته المميزة عن غيرة وجماله الخاص؛ لكنّ تحديات ومصاعب تسويقه واحدة بسبب الحرب وانعدام الأمن.

0ac45090-d3b6-4e13-b1d0-3397e4208d19.jpg

بسطات بيع الفُلّ في مدينة كريتر بالعاصمة اليمنية المؤقتة عدن. الثلاثاء، 28 مايو أيار 2024 - المصدر: AWP

وقال "الفلّ تنتعش سوقه وتجارته كلّما استتبّ الأمن والأمان لدى المواطن، الذي يبحث عن السعادة والتدليل فيجدها في زهور الفُلّ كهديّة لزوجته أو صديقه" مشيرا إلى أنّه كان يزرع قبل الحرب نحو ستّ مزارع للفُلّ لكن هذا العدد تقلّص إلى مزرعة واحدة للفُلّ والريحان وزهور أخرى بسبب عدم الاستقرار وتوقّف التصدير إلى دول الجوار.

اليمني محمد شوقي، الذي يعمل في تجارة الفُلّ منذ نعومة أظافره بمحافظة الحديدة، أوضح بدوره أنّ الحرب عقّدت عمليّة تجارة الفُلّ في اليمن بسبب إغلاق الطرق الرئيسة والانقسام الجغرافي بين مناطق سيطرة جماعة الحوثي المسلّحة ومناطق سيطرة قوات الحكومة المعترف بها دوليّا.

وقال "يتطلّب نقل الفُلّ من غرب البلاد إلى شرقها يومين متتاليين ويمرّ بمرحلتيْن، الأولى من الحُديْدة إلى صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، والثانية عبر مركبة أجرة من صنعاء إلى مأرب عبر طرق رمليّة صحراويّة بديلة".

أضاف "الطُرق البديلة تكبّد تجّار الفلّ خسائر دائمة، بسبب تلف بعض عقود الفُلّ أثناء النقل؛ وذلك يعود للمسافات البعيدة والساعات الطويلة التي يقطعها الفُلّ أثناء نقله، بالإضافة إلى أنّ نقل الفُلّ يمرّ بطرق وعرة وغير معبّدة وهو من المنتجات الحسّاسة التي تحتاج عناية فائقة أثناء النقل".

وتابع "نواجه معاناة متعدّدة وتحديات كبيرة، حيث يُثقل كاهلنا أيضا الانقسام النقديّ واختلاف قيمة الريال اليمنيّ بين المناطق اليمنيّة. يكون علينا أن نُرسل مبلغ 50 ألف ريال يمنيّ (حوالي 29 دولارا أميركيّا) إلى الحديدة من مأرب؛ لكن لكيّ يتسلّمها مُزارع الفلّ في الحديدة، يكون علينا أن ندفع 166 ألف ريال يمنيّ بسبب فارق سعر الريال في مناطق الحوثيين".

وأشار إلى أن الفلّ مصدر أساسيّ لكثير من مزارعي الحديدة "حيث إن نحو 60% من الزراعة في المحافظة هي زراعة الفّلّ".

أسواق جديدة تفتح أبوابها

شوقي، الذي يملك خبرة طويلة في إنتاج الفل التُهامي وتسويقه، أوضح أنّ أسواق الفُلّ اليمنيّ في الخارج أغلقت أبوابها أمامه بعد اندلاع الحرب، مشيرا إلى أنّ هذا أثّر على زراعته كثيرا.

ee1b1859-089b-4e94-a5a2-b388e906b050.jpg

تاجر الفُلّ التهامي اليمني محمد شوقي يستعرض عقود الفُلّ في محلّه التجاري، وهو الوحيد لبيع الفلّ في محافظة مأرب. الثلاثاء، 28 مايو أيار 2024 - المصدر: AWP

أشار أيضا إلى أنّ حجم إنتاج الفلّ قلّ بسبب نقص الوقود والمبيدات الحشريّة المناسبة والآمنة "فضلا عن انشغال اليمنيّين بالحرب والغلاء وملاحقة لقمة العيش بدلا من صرف المال على الفُلّ الذي يعدّ من الكماليّات، ما أثّر على تجارة الفُلّ حاليا".

وقال "كلُّ أبناء تهامة يعتمدون على الفُلّ كمصدر رزق أساسيّ، بما فيهم النساء الآتي يقُمن بمهمّة نظم حبّات الفلّ في عقود وجني الزهور من الأشجار، فيما يقوم الرجال أيضا بالتسويق والبيع والشراء؛ وكذا هناك من يعمل في النقل وغيرهم يعملون في الترويج والبيع الإلكتروني وإن كان عددا محدودا، إلا أنّ هناك من دخل في هذا المجال".

في المقابل، ذكر شوقي أنّه على الرغم من أثر الحرب على صادرات الفُلّ، فقد أسهم هذا الوضع في فتح أسواق جديدة له في البلاد لم يكن قد وصل إليها من قبل على الإطلاق، مثل محافظة مأرب، التي شهدت نزوحا واسعا لليمنيّين من محافظات أخرى.

وقال "بذلك وجد تجّار الفل سوقا جيّدة وجديدة لبيع الفل الحُدَيْدي منذ سبع سنوات فقط". غير أنه أوضح أن تكلفة نقل ألف عقد من عقود الفُلّ أسبوعيّا إلى مأرب تصل إلى نحو 150 ألف ريال يمنيّ، يضاف إليها تكاليف استئجار محلّ تجاريّ لبيع الفُلّ، الذي يعد شوقي مورّده الوحيد في مأرب، وفارق سعر الصرف بين مناطق سيطرة الحكومة والحوثيين.