• الخرطوم

  • الأحد، ٩ يونيو ٢٠٢٤ في ٨:٥٢ ص
    آخر تحديث : الأحد، ٩ يونيو ٢٠٢٤ في ١٠:٥٥ ص

تصاعد الخلافات بين زعماء حزب الأمة القومي ينذر بانشقاقات جديدة داخل أكبر الأحزاب السودانية

(وكالة أنباء العالم العربي) - تصاعدت الخلافات بين زعماء حزب الأمة القومي السوداني، أكبر الأحزاب السياسية في البلاد، بشأن اتخاذ القرارات المتعلقة بالصراع الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع، ومشاركة الحزب في تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم).

ويرى مراقبون أن شبح حدوث انشقاقات جديدة في صفوف التنظيم السياسي الأكبر في البلاد، والذي عانى من الانقسامات كغيره من الأحزاب السياسية، يخيم على الحزب الذي انشطر بالفعل إلى أكثر من سبع تيارات في السنوات الماضية أغلبها شارك في حكومة الرئيس السابق عمر البشير في حين بقي حزب الأمة القومي في صفوف المعارضة حتى سقوط نظام البشير عبر انتفاضة شعبية.

واتسعت حدة الخلافات في الأيام القليلة الماضية بين مؤسسة الرئاسة بالحزب ومجلس التنسيق من جهة، ورئيس الحزب المكلف فضل الله برمة والأمانة العامة من جهة أخرى، وذلك حول انخراط الحزب في أعمال المؤتمر التأسيسي لتنسيقية (تقدم) التي تدعو إلى وقف الحرب وتلتزم الحياد في الصراع، الشهر الماضي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

فبعد أن شارك برمة، رئيس الحزب المكلف، والواثق البرير الأمين العام للحزب، وزينب الصاق المهدي عضو المكتب السياسي وآخرين، في مؤتمر (تقدم) التأسيسي، الذي انتخب البرير أمينا عاما، أعلن رئيس الحزب المكلف بالإنابة، محمد عبد الله الدومة، أن قيادات حزب الأمة القومي التي شاركت في المؤتمر التأسيسي لتنسيقية (تقدم) خالفت قرارا مؤسسيا، وقال إن الحزب ليس ملزما بما يستتبع ذلك من قرارات.

وقال الدومة في بيان إن مؤسسة الرئاسة تأسف للمراشقات الإعلامية بين قيادات الحزب، لافتا إلى أنها سوف تعمل على معالجة الخلافات السياسية والتنظيمية عبر الوسائل المؤسسية السليمة وبما يحافظ على وحدة الحزب.

وذكر أن مؤسسة الرئاسة كانت قد توافقت في اجتماعات مارس آذار 2024 بإجماع حضورها على "عهد وميثاق" ملزم للجميع وعلى رأسهم برمة، الرئيس المكلف للحزب، الذي كان أول من وقع على الميثاق.

وقال إن مؤتمر المائدة المستديرة المقترح هو المحفل الأولى بقيادة العملية السياسية لوقف الحرب، مشيرا إلى أن حزب الأمة سوف يسعى بكل جدية لمخاطبة جميع الأطراف المعنية بالمشاركة في المؤتمر، وكذلك الأطراف الإقليمية والدولية على أن يقتصر دور الأشقاء والأصدقاء على المراقبة وتقديم التسهيلات لإنجاحه، مع التأكيد على ضرورة جعل عملية السلام شاملة ومستدامة عبر ذلك المنبر وحده.

"مخالفة للوائح"

من جانبه، قال برمة إن اجتماع مؤسسة الرئاسة الذي عقدته مجموعة من نواب الرئيس ومساعديه مخالف للوائح والدستور، مشيرا إلى أن المجتمعين أصدروا بيانا باسم المؤسسة دون أن يمر عبر الرئيس المكلف.

وأضاف برمة في بيان يوم الخميس أن الحزب اتخذ موقفا واضحا من الحرب باجماع أعضاء مجلس التنسيق "صاحب القرارات في غياب المكتب السياسي"، مشيرا إلى أن الموقف الذي أكدت عليه كل مؤسسات الحزب وتدعمه كل جماهيره هو الوقوف ضد الحرب دون الانحياز لأي طرف.

وأوضح أن مشاركة الحزب ضمن تحالف تنسيقية (تقدم) تم نقاشها في اجتماعات مجلس التنسيق في مارس آذار وصدر عنها مذكرة الحزب الإصلاحية التي عرضت على الهيئة القيادية لتقدم في اجتماعها الذي انعقد قبل المؤتمر وتمت الاستجابة لمعظم ما ورد في المذكرة.

وقال برمة إن مشاركة الحزب في المؤتمر التأسيسي لتنسيقية (تقدم) تستند إلى قرار مجلس التنسيق في اجتماعات مارس الماضي والذي قضى بإصدار الرؤية الإصلاحية ومواصلة النشاط إلى حين البت في الأمر عبر المكتب السياسي.

وأكد أن مؤسسة الرئاسة تتبع لرئيس الحزب وأن قراراتها تتخذ بموافقة الرئيس وبوجوده، وليس من صلاحياتها إصدار أي قرار خاص بالحزب منفردة، بل فقط التوصية لمجلس التنسيق.

كما ذكر أن البيان الذي أصدره الدومة، نائب الرئيس، تمت كتابته وصياغته وإجازته بواسطة خمسة أعضاء ووقع عليه الدومة دون تكليف من الرئيس، وتم نشره رغم تحفظ عدد من أعضاء مؤسسة الرئاسة عليه. وتوعد بإحالة الأعضاء "الذين اختطفوا اسم مؤسسة الرئاسة وخالفوا الدستور إلى هيئة الرقابة والضبط عبر مذكرة قانونية بواسطة لجنة قانونية سيتم تشكيلها بواسطة الرئيس".

"إغلاق الثغرات"

وبدوره، دعا الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار، الجناح الديني لحزب الأمة القومي، عبد المحمود أبّو، قادة الحزب إلى "إغلاق الثغرات التي تعمق الخلافات واعتبار ما جرى تمرينا للممارسة الديمقراطية، وفتح صفحة جديدة".

كما ناشد في بيانه الأسبوع الماضي، قادة الحزب اعتماد منهج الشورى في التعامل مع مستجدات الأحداث، مع إعطاء مساحة لقادة التنظيم للتحرك في حدود التفويض، وطالب بإسناد الملفات إلى الكوادر المتخصصة لمساعدة المؤسسات على إنجاز مهامها.

من ناحية أخرى، وصف الأمين العام للحزب، الواثق البرير، حزب الأمة القومي الذي تأسس قبل 80 عاما بأنه عريق وله تاريخ طويل في العمل التنظيمي والمؤسسي، مطمئنا أنصاره بأنه محفوظ بمؤسساته ودستوره.

وأضاف في تصريح لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "خلال هذه الفترة الطويلة، اكتسب الحزب خبرة طويلة من خلال الممارسة والتجارب الحميد منها والخبيث"، مشيرا إلى أن هذا الكيان تعرض سابقا إلى "مثل الأزمات التي تدور الآن ولكن حزب الأمة له دستور ولوائح حاكمة، ومؤسسات فاعلة تركها الحبيب الحقاني (الإمام الصادق المهدي رئيس الحزب الراحل وإمام طائفة الأنصار) كأهم إرث من آثار حياته العامرة وهي قادرة على اتخاذ القرار".

وقال البرير "صحيح أن اندلاع الحرب تسبب في تعطيل اجتماعات الحزب وتداخلت عوامل خارجية وداخلية أغلبها موضوعي، ولكن من يظن أنه يستطيع شق صفوف الحزب سوف يكتشف أنه سوف يلحق بمن اعتقدوا ذلك من قبل وأصبحوا يغردون خارج السرب".

وأردف قائلا "أنا مطمئن أن هذا الكيان محفوظ بمؤسساته ودستوره والعناية الإلهية قبل ذلك، فليطمئن الأحباب في الكيان".

مغامرة غير محسوبة

ويرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي، كمبال عبد الواحد، أن الخلافات داخل أروقة حزب الأمة تندرج ضمن تباين وجهات النظر فيما يتعلق بالتعاطي مع ملف إيقاف الحرب، ومدى القدرة على الوصول إلى صيغة توافقية بين تيارات الحزب في جزئية التعامل مع الشق العسكري بالتحديد في العملية السياسية المقبلة.

وأضاف لوكالة أنباء العالم العربي "ما يدور داخل أروقة حزب الأمة القومي في تقديري هو أساس الأزمة الحالية من جهة ظهور كيانات جديدة وانسلاخ أفراد واستنساخ تجربة وصناعة كيانات جديدة على غرار تجربة مبارك الفاضل"، رئيس حزب الأمة الذي انشق عن حزب الأمة القومي في العام 2002.

وحذر عبد الواحد من أن الصراعات في ظل الظروف الحالية مغامرة غير محسوبة العواقب نظرا لعدم وجود مرجعية عقدية حاليا في المشهد تُكسب الكيانات الجديدة إذا قررت الانشقاق الشرعية والتأثير في المشهد العام، وعدم وجود قواعد وكوادر تؤيد فكرة الانقسام في هذا التوقيت، وعدم وجود دافع كبير لخوض تجربة سياسية سوف تواجه بالتجريم والتخوين من قبل الشارع في ظل اتهامات للحزب بمناصرة قوات الدعم السريع في الحرب الدائرة الآن مع الجيش.

وأشار إلى أن التيارات داخل حزب الأمة القومي منقسمة حاليا إلى ثلاثة: الأول بقيادة برمة والبرير، والثاني بقيادة الصديق الصادق المهدي، والثالث بقيادة عبد الرحمن الصادق وهو داعم بشكل مباشر للجيش، مضيفا أن الجناح الأكثر تأثيرا في الحزب يقوده برمة والبرير، ويميل إلى الوصول إلى شكل توافقي يقود لإنهاء الحرب.

وتحدث المحلل السياسي عن جهود داخلية لرأب الصدع وعقد مؤتمر جامع من أجل لملمة شمل الحزب.

واستبعد في الوقت نفسه أن يكون للخلافات الداخلية انعكاس بشكل مباشر على تنسيقية (تقدم) نظرا لأنها قدمت أوراق اعتمادها دوليا وهي تستند إلى أشخاص وليس تيارات حزبية.