تعرفة ركوب سيّارات الأجرة في لبنان تُلهب جيب الراكب ولا تُرضي السائق
سيارات أجرة متوقفة وسط بيروت حيث يتحج سائقوها على تعريفة النقل الجديدة ويهددون بإغلاق كل طرقات بيروت (31 مايو أيار 2024)
  • بيروت

  • السبت، ١ يونيو ٢٠٢٤ في ٨:٥٥ ص
    آخر تحديث : الأحد، ٢ يونيو ٢٠٢٤ في ٨:١٩ ص

تعرفة ركوب سيّارات الأجرة في لبنان تُلهب جيب الراكب ولا تُرضي السائق

(وكالة أنباء العالم العربي) - في الطريق من دوّار العدليّة إلى ساحة الشهداء في العاصمة اللبنانيّة بيروت، اللذين تبعد المسافة بينهما نحو ستة كيلومترات، ظلّ سائق سيّارة الأجرة محمد الصواف يشكو ما يصفه بعدم الإنصاف في تحديد تعرفة الركوب.

يقول الصواف إن سعر غالون البنزين (20 ليترا) يصل إلى حوالي 600 ألف ليرة (حوالي 40 دولارا أميركيا بسعر الصرف الرسمي) بينما كان 22 ألف ليرة فقط قبل نحو خمسة أعوم، وهو جزء من تكلفة النقل التي يضاف إليها أيضا استهلاك قطع الغيار وأعمال الصيانة وإصلاح الأعطال وبنود أخرى من بينها حصة مالك السيارة إذا كان السائق يعمل عليها.

وخلال السنوات الماضية، ارتفعت تعرفة استقلال وسائل النقل أيضا؛ فعام 2019، كانت تكلفة ركوب سيّارة الأجرة (التاكسي) 2000 ليرة ووصلت هذا العام إلى 200 ألف؛ أما استقلال حافلة صغيرة، فبات يكلّف الفرد الواحد 100 ألف ليرة بدلا من ألف فقط قبل خمسة أعوام.

ويوم الخميس، حدّدت وزارة النقل والأشغال العامة تعرفة جديدة للنقل في جميع الأراضي اللبنانية بعد اجتماع مع وفد من نقابات مالكي وسائقي السيّارات العامة واتحاد نقابات السائقين وعمال النقل؛ وبحسب الجداول الجديدة، فقد أصبحت تعرفة استقلال سيارة الأجرة ضمن مدينة بيروت 150 ألف ليرة للراكب الواحد والحافلة الصغيرة 75 ألفا.

لكن هذه التعرفة الجديدة أغضبت فيما يبدو الكثير من سائقي سيارات الأجرة، ومن بينهم الصواف، الذي قال في حوار أجرته معه وكالة أنباء العالم العربي (AWP) إنّ "المطلوب بقاء التعرفة عند حدّها الحالي 200 ألف ليرة، وليس تراجعها إلى 150 ألفا".

أما محمد جعفر، الذي يملك حافلة صغيرة تتسع لنقل 14 راكبا علّق بداخلها قبل أسابيع ورقة تحدد تعرفة الراكب بقيمة 100 ألف ليرة، فقال "الأزمة أنّ السائقين قرروا منذ شهرين رفع التعرفة دون قرار رسمي، ولن يتراجع أحد حاليا عنها... المواطن يُعبّر عن انزعاجه من رفع قيمة التعرفة، وهذا حقه؛ لكن من حقّنا أيضا أن نتقاضى قيمة أتعابنا".

التعرفة ضروريّة ولكن

ويرى بسّام طليس، رئيس اتحادات ونقابات قطاع النقل البري في لبنان، أن هناك أهمية لإصدار تعرفة جديدة للنقل، حيث يشير إلى وجود 35 ألف سيارة أجرة (4 ركاب) مسجلة بشكل قانوني، بالإضافة إلى 4250 حافلة صغيرة (14 راكبا) و2200 حافلة كبيرة (24 راكبا)، فضلا عن "أعداد مضاعفة" من سيارات الأجرة غير المسجلة بشكل شرعيّ.

وقال في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إنّ "التعرفة الجديدة صدرت بعد خمس سنوات من الانقطاع نتيجة للظروف الاقتصادية والماليّة وتقلّبات سعر صرف الدولار؛ فتحديد التعرفة يصدر عن وزارة الأشغالة العامة والنقل وليس النقابات"؛ لكنه اعتبر أن هذا الإجراء غير كاف لحل مشكلة العاملين في القطاع.

أضاف "اجتمعت مع وزير الداخلية والبلديات (بسام المولوي) عشية إعلان التعرفة، وأبلغته بأنّ صدور التعرفة وحده لا يكفي؛ فنحن بحاجة إلى اتخاذ إجراءات لحماية القطاع وتنظيمه، مثل المكاتب الخصوصيّة ومركبات التوك توك (ذات الثلاث إطارات) فهي حالات مخالفة للقانون".

وتابع "بعد جلستنا مع الوزير (وزير الأشغال العامة والنقل علي حميّة)، طلب أن نعطي أنفسنا فرصة ثلاثة أشهر، ومن الممكن إعادة النظر فيها صعودا أو انخفاضا حسب مقتضيات مصلحة اللبنانيين". وكان حميّة قال في منشور عبر منصة (إكس) إن التعرفة الجديدة تحددت وفقا لقاعدة التوازن بين حقوق السائقين ومعيشتهم من جهة، ومستويات الدخل من جهة أخرى.

وقال طليس "من الطبيعي بعد فترة الانقطاع لسنوات أن يكون هناك بعض الخلل، والذي يعتبر إجحافا بحقّ السائقين أو المواطنين؛ فكلّ الجداول قابلة للتعديل. لكن صدور تعرفة أفضل من عدم وجودها، لأن غيابها أدّى لحدوث مشاكل على الطرقات بين السائقين والموطنين، وأصبح لكلّ شارع وكلّ منطقة تعرفة خاصة".

معيشة صعبة

في المقابل، شدّد طليس على أهميّة إحداث توازن في تحديد التعرفة، قائلا إن "زبائن السائقين ليسوا مدراء شركات ولا وزراء، إنهم المواطنون العاديون الذين يشبهونهم بالحالة المعيشيّة؛ فيجب علينا مراعاة ظروف الطرفين (السائق والمواطن) حتّى يستمر القطاع بالعمل، وإلا سيبحث المواطن عن بدائل أقلّ تكلفة مثل مركبات التوك توك".

وقدّرت المؤسسة (الدولية للمعلومات)، وهي شركة دراسات وأبحاث وإحصاءات علمية مستقلّة تأسّست في بيروت عام 1995، في فبراير شباط الماضي الحدّ الأدنى لتكلفة المعيشة للأسرة اللبنانية المؤلفة من أربعة أفراد بنحو 582 دولارا شهريا إن كانت العائلة تعيش في قرية؛ أما في المدينة، فالتكلفة تصل إلى 794 دولارا دون احتساب الرعاية الصحيّة.

ويشير شادي الجميّل، أستاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية، إلى أن السنوات التي تلت الأزمة الاقتصادية عام 2019 شهدت زيادة في عدد مستخدمي الحافلات الصغيرة على حساب تقلّص عدد مسخدمي سيارات الأجرة.

وقال في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إن "تكلفة المعيشة المرتفعة دفعت المواطنين إلى التوجّه نحو استخدام الحافلات الصغيرة، كونها أقلّ تكلفة بالنسبة لهم، وهو ما انعكس أثره على قطاع النقل؛ فانخفاض زبائن سيّارات الأجرة أدى إلى تراجع دخل أصحاب السيارات. ومن جهة الحافلات الصغيرة، فقد زاد عددها بشكل كبير وشكّل ضغطا على الخطوط وخاصة داخل مدينة بيروت".

أضاف "المشاكل التي يُعاني منها قطاع النقل متعدّدة؛ فمنها وجود لوحة أرقام لسيارات أجرة مزوّرة تعمل في مختلف المناطق اللبنانية، ووجود تطبيقات إلكترونية غير شرعيّة تعمل على تلبية الطلبات بأسعار تكون منخفضة قليلا، إضافة لكونها تعدّ منافسا للسائق الذي لا يستخدمها".

واعتبر أن التكلفة الأكبر يتحمّلها المواطن الذي يتنقّل خارج المدن، مشيرا إلى أنّ العديد من الموظفين في بيروت يعيشون خارج العاصمة.

وقال "حين تكون تعرفة سيارة الأجرة إلى صيدا ذهابا وإيابا 600 ألف ليرة في اليوم، فهذا يكلّف الشخص شهريا حوالي 13 مليون و200 ألف ليرة (في 22 يوم عمل)، في حين أنّ الحدّ الأدنى للأجور للقطاع الخاص الصادر من قبل وزارة العمل في شهر أبريل نيسان يعادل 18 مليون ليرة".

وفي فبراير شباط رفعت الحكومة الحدّ الأدنى لرواتب موظّفي القطاع العام من 150 دولارا إلى 400 دولار بسعر الصرف الرسمي.

غياب النقل العام

وحول أسباب غياب حافلات النقل المشترك وتنظيم قطاع النقل، قال الجميّل "هناك مصالح مشتركة بين السياسيين وأصحاب شركات المحروقات؛ فتقدّر الأرقام أنّ عدد السيارات والآليات في لبنان حوالي 1.8 مليون مركبة".

وأوضح أن بيروت تعتبر الأكثر ازدحاما في أوقات الذروة وقت النهار "حيث يدخلها بين 400 ألف و500 ألف سيارة يوميا، فيكون استهلاك المحروقات مرتفعا، ويقدّر يوميا بحوالي 300 ألف صفيحة بنزين، في حين عدد المحطات نحو 3200 محطة في مختلف المناطق".

ويرى أنه "في حالة تفعيل النقل المشترك، المتمثل في الحافلات الكبيرة التي تتسع لأكثر من 24 راكبا، سينخفض استهلاك المحروقات... كون قسم من المواطنين سيستخدمونها بدلا من سياراتهم الشخصية أو سيارات الأجرة".

وقال "غياب النقل العام يتوازى مع ثقافة مجتمعية؛ فهناك عائلات تملك ثلاث سيارات لعائلة مؤلفة من أربعة أفراد، وهو ما يزيد ضغط على الطرق واستهلاك المحروقات، يضاف إليها أنّ بعض العائلات لا تشجّع أولادها على ركوب الحافلات الصغيرة، التي تعتبرها مصنّفة فقط للعمّال الأجانب والموظّفين العاديين".

وفي مايو أيار 2022، تسلّم لبنان 50 حافلة على سبيل الهِبة من فرنسا، بينما عملت مصحلة السكك الحديدية والنقل في مرحلة لاحقة على تأهيل 45 حافلة محلية؛ لكن تلك الحافلات لم يعمل منها إلّا 10 فقط لأيّام قليلة وعادت للتوقّف بسبب نقص الأموال اللازمة للصيانة وعدم وجود عدد كاف من السائقين، فتم تأجيل دخولها الخدمة على أن تتم دراسة خطة سيرها وتشغليها.

(الدولار الأميركي يُساوي نحو 15 ألف ليرة في السوق الرسمية وحوالي 89 ألف ليرة في السوق الموازية)