سنعود يوما يا غزّة.. حنين وحلم نازحي الشمال في جنوب القطاع الفلسطيني ووسطه
الطفلة الفلسطينية النازحة أريج تُطالع عبارة "سنعود يوما يا غزة" المكتوبة على خيمة في شارع الرشيد بدير البلح وسط قطاع غزة. الجمعة، 7 يونيو حزيران 2024
  • غزة

  • السبت، ٨ يونيو ٢٠٢٤ في ١٢:١٩ م
    آخر تحديث : السبت، ٨ يونيو ٢٠٢٤ في ١٢:١٩ م

سنعود يوما يا غزّة.. حنين وحلم نازحي الشمال في جنوب القطاع الفلسطيني ووسطه

(وكالة أنباء العالم العربي) - لا تملّ الفلسطينية أريج بنت العشرة أعوام من تكرار قراءة عبارات وكلمات خطّتها أيادي النازحين على خيامهم وعُرُشهم ليجسّدوا بها حلم العودة إلى منازلهم بعد رحلة نزوح مستمرة منذ أن نشبت الحرب في القطاع قبل أكثر من ثمانية أشهر.

على أحد العُرُش الصغيرة قبالة شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة، كتب صاحبه عبارة "سنعود يوما يا غزّة" وهي أشهر العبارات المنتشرة في مناطق النزوح في جنوب القطاع ووسطه، والتي تعبر عن آمال مئات آلاف الفلسطينيين النازحين من مدينة غزة وشمال القطاع.

في رحلة بحثها عن مياه الشرب التي كُلّفت بتوفيرها ضمن المهام الموزعة بين أفراد العائلة السبعة، تمرّ أريج يوميّا أمام هذه العبارة وتظل تتأمّلها طويلا وتُطلق العنان لحلم العودة إلى منزلها في بيت حانون أقصى شمال القطاع، والذي يروادها منذ بداية مرّات النزوح الست مع عائلتها حتى حطّت رحالهم في دير البلح.

في المكان ذاته، تلهو الطفلة الصغيرة مع قريناتها من العصر حتّى غروب الشمس بعد أن يتجمّعن قبالة خيامهن هربا من حرارة الجوّ في الخيام والعُرُش. تردّد أريج وصديقاتها كلمات العودة التي يحفظنها، سواء تلك التي كان يهتف بها الفلسطينيون في مسيراتهم وفعالياتهم الشعبية، أو المرتبطة بأغان وطنية تتحدث عن العودة إلى الديار والبلاد.

تشتاق ذات الأنامل الصغيرة إلى غرفة نومها وسريرها وملابسها ودفاترها وكلّ زاوية في منزل العائلة، وحتّى الحي الذي كانت تلعب في شوارعه وأزقّته مع أطفال الجيران الذين تبدّلوا خلال فترة النزوح ولم تلتقيهم منذ أن نزحت من الشمال؛ لكنّها تدرك أن غالبيّة الأشياء التي تحلم بها وتشتاق إليها قد تكون أصبحت أثرا بعد عين.

"حلمٌ مغروسٌ في القلوب"

بلغة الكبار، تقول أريج "العودة إلى الشمال ليست مجرّد كتابات على الخيام، هي أملٌ وحلمٌ مغروسٌ في قلوبنا وعقولنا يرافقنا ليل نهار في نومنا واستيقاظنا؛ قد لا تنطق به ألسنتنا باستمرار، لكنّنا لا نتوقف عن التفكير فيه".

ترى الطفلة الصغيرة أنّ مجرّد الحلم والاشتياق يبقيا لها الأمل في إمكانية أن يتحقّق هذا الحلم؛ وتتساءل "أفلا أحلم وأشتاق وأتمنّى العودة إلى حياتنا قبل الحرب؟"

وتقول "في كلّ حركة وسكنة، نقارن بين ما نحن فيه من معاناة وما كنّا نعيشه قبل الحرب؛ عندما ننام ونستيقظ ونعدّ الطعام ونوفّر الماء ونأكل ونشرب، وفي كل تفاصيل حياتنا نقول ماذا لو كنّا في بيوتنا هناك في الشمال".

ويمرّ النازحون كبارا وصغارا أمام عبارة "سنعود يوما يا غزة" وهم يُمعنون النظر إليها ويعيد بعضهم قراءتها مرارا وتكرارا، بينما يتعجّب آخرون من الحال الذي وصلوا إليه حتى أصبحت العودة إلى منازلهم مجرّد حلم معلّق لم يتحقق ولا أفق قريب لتحقيقه".

وتتعدّد العبارات التي يخطّها النازحون، ومنها "نحن إلى بيت حانون" و"إذا كان العدو جبلا فنحن أبناء جباليا" و"غزة.. عائدون حتما" و"الشجاعيّة نشتاق إليك" و"بيت لاهيا قربت العودة".

ويزيد البعض من حنينه للعودة إلى مدينة غزة وشمال القطاع بالوصول يوميّا إلى أحد الجسور الثلاثة الصغيرة الممتدة على وادي غزّة باعتباره آخر نقطة تفصل بين الجنوب والشمال، علّه يظفر بإمكانية العودة في أيّ لحظة؛ بل قد دفع البعض حياتهم ثمنا في محاولة اختراق القوات الإسرائيلية والعودة إلى الشمال.

fa8dfd10-2c8d-422c-b0a7-2e87675c2cc9.jpg

خيام النازحين في شارع الرشيد بدير البلح وسط قطاع غزة. الجمعة، 7 يونيو حزيران 2024

حنين يدفع إلى المخاطرة

رغم مخاطر الاقتراب من النقاط العسكريّة الفاصلة بين الجنوب والشمال، لا يتردّد الشاب معتصم عبد الوهاب (32 عاما) في الوصول إليها وتجاوز جسر وادي غزة على الطريق الساحلية، محاولا عدة مرات البحث عن أيّ ممرّ أو طريق يجتازه للعودة إلى مسقط رأسه في حيّ الزيتون شرق مدينة غزة؛ لكنّه عادة ما يجابَه بإطلاق الرصاص فيعود أدراجه من حيث أتي.

عبد الوهاب، النازح مع والديه وأشقائه دون زوجته وطفليه الذين فضّل إبقائهم عند أصهاره خشية تعرّضهم للأذى عند النزوح من مدينة غزة عبر الحاجز العسكري الذي نصبه الجيش الإسرائيلي في بداية الحرب، قال إنه لا يتمنّى أكثر من العودة لعائلته ومساندتها خلال نزوحها المستمرّ ومواجهتها الجوع أغلب الفترة الماضية.

يُعبّر الشاب عن حنينه الكبير وتفكيره المستمرّ في العودة إلى مدينة غزّة، حتى أنه يستعيد ذكريات حياته السابقة عبر الصور ومقاطع الفيديو التي يحتفظ بها على هاتفه المحمول؛ ويؤكد أنّه ندم أشدّ الندم على نزوحه إلى الجنوب، كون الحال لم يتغيّر كثيرا من حيث القصف والخوف والرعب وحالة النزوح المستمرة، بحسب وصفه.

وقال "اعتقدنا أنّنا سنكون في مأمن من القصف والنزوح؛ لكنّنا انتقلنا من مكان إلى آخر. وحتى رفح التي أجبرنا الجيش الإسرائيلي على النزوح إليها باعتبارها منطقة آمنة، نزحنا منها قسرا قبل أسبوعين إلى المواصي... الموت لدينا في الجنوب وهناك في الشمال هو ذاته؛ والحرمان من الغذاء والماء والدواء بذات الوتيرة، فلماذا يُجبرنا الجيش على ترك منازلنا؟"

ويرى الشاب أنّ نازحي الشمال في الجنوب عموما لا يشغل بالهم خلال هذه المرحلة سوى العودة إلى أماكن سكنهم التي نزوحوا منها "بأيّ طريقة وبأيّ ثمن" معتبرا أنّ النازحين يلخّصون أيّ اتفاق لوقف إطلاق النار في تمكينهم من العودة "وإلا فالأمور الأخرى مهمّة ولكنّها ليست الأساس بالنسبة إليهم" وفق تقديره.