• بيروت

  • الأربعاء، ٨ مايو ٢٠٢٤ في ١٢:٣٢:٤١ م
    آخر تحديث : الأربعاء، ٨ مايو ٢٠٢٤ في ١٢:٣٢ م

قلق في لبنان.. ثغرات أمنية واجتماعية تستغل الأطفال عبر التطبيقات الإلكترونية

(وكالة أنباء العالم العربي) - بعدما تكَشَّف أمر عصابة بلبنان تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي في استدراج أطفال وقُصَّر وارتكاب جرائم جنسية بحقهم، ومع انتشار حالة من القلق بين المواطنين على أبنائهم، نبَّه باحثون وعلماء نفس إلى ضرورة توعية الأهالي والأبناء بكيفية تجنب مثل هذه الجرائم وغيرها وطريقة التعامل معها في حال وقوعها.

جاء هذا بعد أن أعلنت الأجهزة الأمنية اللبنانية الأسبوع الماضي عبر صفحتها الرسمية على موقع إكس عن توقيف أشخاص "مشتبه بضلوعهم بقضايا ابتزاز واعتداءات جنسية على قُصَّر من قبل مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتيّة بمؤازرة المجموعة الخاصة في وحدة الشرطة القضائية".

وأوقفت السلطات الأمنية ثمانية من المتهمين، وأظهرت التحقيقات أن المسؤول عن الشبكة مصفف شعر شهير بجبل لبنان يملك حسابا على تطبيق (تيك توك) يستدرج عبره الأطفال إلى فنادق وشاليهات حيث يتم استغلالهم جنسيا وتصويرهم وابتزازهم بالمقاطع المصورة، وذلك بالشراكة مع عدد من المتورطين من مهن وجنسيات مختلفة.

ويحذر الباحث في الأمن الرقمي، جهاد خوري، من إساءة استخدام مثل هذه التطبيقات وخطورتها، ويقول "في لبنان ومختلف دول العالم، الأطفال معرضون للوقوع ضحايا للتطبيقات، فنشهد مثلا على تطبيق تيك توك ما يُعرف بألعاب التحديات والتي أدى بعضها لموت منفذيها".

ويشير إلى أن العديد من ألعاب التحديات تطلب من المشاركين فيها الإقدام على أفعال مؤذية على الهواء مباشرة.

ويواصل حديثه لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) قائلا "في العام الماضي تُوفي الطفل محمد اسطنبولي في أثناء تجوله في المنطقة الأثرية بصور جنوب لبنان نتيجة صدمته بعدما باغتته مجموعة شبان بملابس سوداء وأقنعة، هدفهم إرعاب المارة ونشر المقاطع على الإنترنت. توقفت عضلة قلب الطفل توا من الخوف".

* شراء المقاطع المصورة

يؤكد خوري أن مثل هذا المحتوى "يشوّه نفسية المتلقي، إذ أصبح القدوة بالنسبة للفتيان والفتيات هم أصحاب العضلات المفتولة أو الأجساد اللافتة أو الحياة المترفة، فاعتقدوا أن حياتهم الشخصية والعائلية ناقصة ولن تكتمل إلا بالوصول إلى هذه المرحلة".

ويشير أن هذا يدفع بعض أصحاب الصفحات لعرض أموال وهدايا مقابل تقديم خدمات أو تنفيذ طلبات معينة يستدرجون بها الضحية إلى أن "تقع في مصيدة لا تستطيع الفكاك منها".

ويلفت أن المقاطع المصورة للأطفال تباع عبر مواقع إلكترونية مهمتها شراء أفلام جنسية من مختلف دول العالم وعرضها على شبكتها، ويرى أن التشريعات القانونية ضرورية لحماية الأطفال رقميًّا مع التطور السريع في التطبيقات الإلكترونية.

ويقول "في الإتحاد الأوروبي يفرضون غرامات على تطبيق تيك توك لانتهاكه بيانات لمواطنيه، وفي أميركا يحظرون استخدامه بشكل كامل، ولكن تبقى هذه التشريعات مرتبطة في جانب منها بالصراع السياسي بين الدول، أما ضبط مواقع التواصل الاجتماعي.. فلو تم إغلاق واحد منها سينشئ المطورون تطبيقات أخرى".

وفتح الاتحاد الأوروبي في فبراير شباط الماضي تحقيقا يستهدف شبكة تيك توك ومدى تقصيرها في حماية القاصرين، في حين تقول واشنطن المتحدة إن التطبيق يسمح للصين بالتجسس على المستخدمين في الولايات المتحدة. من جانبه قدّم تطبيق تيك توك وشركة (بايتدانس) الصينية المالكة له شكوى ضد الولايات المتحدة، معتبرَين أن القانون الذي يفرض إنذارا نهائيا على المنصة ويهدد بحظرها في البلاد العام المقبل غير دستوري.

وينصح الباحث اللبناني خوري بإصدار التشريعات المعنية بالأمر بسرعة تواكب سرعة تطور التكنولوجيا، وبالمتابعة من جانب المنظمات ذات الصلة بالتعاون مع المسؤولين في الدولة لملاحقة شبكات الاتجار في البشر باستخدام التطبيقات الإلكترونية.

* الواقع الاجتماعي

ويرى كارلوس داغر، الاختصاصي في علم النفس، أن الحادثة الأخيرة تكشف عن ثغرات خطيرة في المجتمع. وقال لوكالة أنباء العالم العربي "المنطقة التي يعيش فيها مصفف الشعر كانت على علم مسبق منذ سنوات بأن لديه ميولا غير سويّة تجاه الأطفال، ولكن لم تُتخذ خطوة جماعية للحدّ من تصرفاته".

وتابع "حتى حين تم توقيفه قبل سنوات من قبل الأجهزة الأمنية، أُفرج عنه لاحقا بكفالة مالية".

وأضاف "السلوك الأخطر هو طريقة تعاطي العائلات مع الحدث؛ فمن جهة عائلة مرتكب الجرم، هناك استغراب من حق الدولة بإيقاف ابنهم وهناك حديث عن أن السلطة لا يحق لها التدخل في الحياة الشخصية. ومن جهة أسر الضحايا، فالقسم الأكبر منها يرفض تقديم شكوى وعرض القضية خوفا من نظرة المجتمع".

ويلفت داغر إلى أن الأطفال يكونون في هذه الحالات ضحايا المجتمع والحالة الاقتصادية، ويقول "حين يكون اليافع يعيش أوضاعا مالية صعبة، ويظن أن هناك فرصة أمامه لتحقيق أموال بسهولة عبر مقاطع فيديو على يوتيوب أو تيك توك، حينها تصبح هذه التطبيقات بالنسبة له مصدر رزق، دون أن يعرف أن هذا مجرد وهم".

ويلقي جانبا من المسؤولية على الإعلام قائلا "هناك استباحة لتقديم صانعي المحتوى والترويج لهم دون ضوابط. وإن كان هناك من يقدم أفكارا مفيدة عبر صفحاته، بالمقابل هناك العديد ممن يستغل التطبيقات للتحريض واستغلال الهشاشة المجتمعية، فتستضيفهم المحطات بقصد الحصول على نسب مشاهدة عالية".

ويواصل حديثه "إننا أمام حالة من الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي. الخطر موجود في كل مكان، ففي أثناء القيادة نحمل هواتفنا لتتبع الأخبار والتصوير، وفي المحاضرات الدراسية يستغل الطلاب والأساتذة الوقت في متابعة صفحاتهم؛ وحين يرى الطفل أن حياة كل من حوله مرتبطة بالهاتف فكيف يمكن إقناعه بالتخلي عنه؟".

* الخطر الكامن

المعالِجة النفسية راشيل خويري ترى أن القضية أعادت فتح ملف أهمية توعية الأهالي والأطفال بالخطر الداهم وضرورة الرقابة على المحتوى المنشور على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقالت لوكالة أنباء العالم العربي "الأهل يستسهلون ترك أولادهم دون رقابة على المواقع الإلكترونية بغية قضاء وقت من الهدوء بعيدا عن الإزعاج خلال اليوم".

وتابعت "الملف كشف هذه العصابة، ولكن من متابعتنا مع العائلات والأطفال هناك حالات تحرش جنسي تسجل من قِبل أفراد وليس عصابات، وقد لا يتم الحديث عنها بالإعلام، إنما هي موجودة في مجتمعنا".

وتشير إلى أن رقابة الأهل على حسابات أطفالهم ليست تعديا على حرية الأبناء وليست أمرا يمكن التغاضي عنه. وتقول "على الأب والأم متابعة هواتف أبنائهم بشكل شبه يومي لتتبع المواقع التي يتابعونها والرسائل المتبادلة مع الأصدقاء، إلى جانب التعامل معهم من منطق الحرص والإصغاء لا التضييق والإكراه".

ولفتت كذلك إلى ضرورة المعالجة النفسية سواء مع الأهالي أو الضحايا. وقالت "بحسب المعطيات المتوفرة، أبلغ أحد الضحايا عائلته بتعرضه للتحرش، ولكن الأهل أنَّبوه واتهموه بالضعف وعدم القدرة على الدفاع عن النفس، وطلبوا منه السكوت منعا للفضيحة".

واستطردت قائلة "متابعة الحالة النفسية للضحايا ضرورية جدا وخاصة أن نظرة المجتمع قد لا ترحمهم. من الضروري تقديم جلسات دعم نفسي لهم لتمكينهم من تجاوز الأزمة الخطيرة ومنعهم من إيذاء أنفسهم او غيرهم في مراحل عمرية متقدمة".

وتضيف "ندرك بعد جلسات التحليل النفسي مع مغتصبي الأطفال أن الكثيرين منهم تعرضوا للتحرش من قبل أحد أفراد عائلاتهم أو أي شخص آخر وهم في مرحلة عمرية صغيرة".

وتؤكد أن العنف المنتشر بين اللبنانيين والواضح من خلال المواقف السياسية والعنصرية عبر موقع التواصل الاجتماعي يشكل بدوره خطرا على الأطفال واليافعين الذين يتلقون رسائل قاسية تؤثر على موقفهم من الأطفال الآخرين المختلفين عنهم دينيا أو طائفيا أو لو كانوا من جنسيات أخرى.

* القانون

تحدث أيضا المحامي جورج معراوي لوكالة أنباء العالم العربي معبرا عن تخوفه إزاء تحول ملف استغلال الأطفال والقُصَّر "إلى فوضى إعلامية وقضائية".

قال "هناك سباق بين بعض الصحفيين للحصول على المعلومات ونشرها على الإعلام، وهو ما قد يؤثر على مجرى التحقيقات، كما قد ينطوي على نشر أسماء بقصد التشهير فقط".

وأشار إلى أن السلطة القضائية كثيرا ما تطلب من الوسائل الإعلامية عدم تسريب أسماء الضحايا حفاظا على خصوصيتهم ومنعا لتعرضهم للأذى النفسي حاليا أو مستقبلا.

ويعتبر القانون التحرش الجنسي هو "كل فعل أو مسعى يستخدم أي نوع من الضغط النفسي أو المعنوي أو المادي أو العنصري ويهدف فعليا للحصول على منفعة ذات طبيعة جنسية". وتختلف مدة العقوبة والغرامة باختلاف الفعل.

وقال معراوي "يعاقب القانون التحرش الجنسي بالسجن حتى عام وبغرامة تصل إلى عشرة أضعاف الحد الأدنى للأجور. ويعاقب بالحبس من سنتين إلى أربع سنوات وبغرامة تتراوح من 30 إلى 50 ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور ضمن حالات معينة".

وفي فبراير شباط الماضي، أقر مجلس الوزراء اللبناني رفع الحد الأدنى لرواتب موظفي القطاع العام من 150 دولارا إلى 400 دولار شهريا على أن يكون الحد الأقصى 1200 دولار.

ويرى كثيرون أن العقوبات غير رادعة بما يكفي لمنع مثل هذه الجرائم.