• غزة

  • السبت، ٦ يوليو ٢٠٢٤ في ٩:٢٠ ص
    آخر تحديث : السبت، ٦ يوليو ٢٠٢٤ في ٩:٢٠ ص

مرافق سياحيّة بغزّة تتحوّل لمراكز إيواء وعاملون في القطاع يشكون شظف العيش مع النزوح المتكرر

(وكالة أنباء العالم العربي) - على مدار 17 عاماً، لم يُغادر الفلسطيني عبد العظيم القدرة استراحته البحريّة على شاطئ مواصي خان يونس جنوب قطاع غزّة إلا فيما ندر ولأسباب قاهرة؛ لكنّ ظروف الحرب المستمرة منذ أكثر من تسعة أشهر أرغمته على التوقف عن تقديم خدمات لم تنقطع لعقود من الزمن.

في حديث لوكالة أنباء العالم العربي (AWP)، قال القدرة إنّ روحه كانت معلّقة دوما بالبحر وخدمة المصطافين على الشاطئ في فصل الصيف حيث "كان يشهد لهذا المكان بجماله وجودة الخدمة فيه كلُّ من يزوره؛ لكن الأوضاع المستجدة هذا العام حرمتنا من تشغيله".

الاستراحة التي كانت قبل الحرب مقصدا للاستجمام، تحوّلت إلى مركز لإيواء النازحين الذين تقطّعت بهم السبل، حتّى أصبح المكان بواجهته البحرية يعجّ بخيام تحول دون إمكانية استضافة زوّار حتّى إن وجدوا؛ فلا أحد يملك القدرة على تجاوز مشاعر الحزن بسبب الفقد ودمار البيوت وتشوّه المرافق العامة.

وبينما تحوّلت عدّة منشآت سياحية مثل استراحة القدرة إلى مراكز إيواء في ظلّ استمرار الحرب، فإنّ بعض من كانوا يعملون في تلك المرافق ومن بينهم محمد بدح (35 عاما) يشكون شظف العيش مع فقدهم مصدر دخلهم وعدم توفير أماكن لنزوحهم مع أسرهم أو حتّى تكلفة الانتقال إلى أماكن نزوح جديدة.

بدح، الذي كان مسؤولا عن قسم الضيافة في أحد مطاعم مدينة غزة وظل يعمل في مجال الخدمات السياحية منذ 16 عاما، لم يجد بدّا من نشر مناشدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي يطلب فيها مساعدته في توفير تكاليف نقل أسرته من مناطق القتال على مشارف مدينة رفح إلى المنطقة الآمنة في مواصي خان يونس مع ارتفاع وصفه بالجنوني في أسعار المواصلات.

معضلة النزوح وتكلفته

كان بدح قد نزح من معسكر الشاطئ بمدينة غزة إلى المحافظة الوسطى، حيث مكث رفقة أسرته قرابة الشهرين في منطقة مخيّم البريج قبل أن ينتقل إلى محافظة رفح مع بدء العمليّات العسكريّة البريّة في المخيّم.

في ذلك الوقت، كان التحدي الأوّل أمامه بعد توفير وسيلة انتقال هو إيجاد مكان يكفي لنصب خيمة صغيرة تؤويه وأسرته؛ إلا أنه لم يجد سوى طرف أحد الأرصفة يمر بجواره خط من مياه الصرف الصحي الجارية على سطح الأسفلت.

تأقلم الشاب مع الوضع؛ لكن مع بدء الجيش الإسرائيلي عملياته البريّة داخل مدينة رفح الفلسطينية، بدأ وأسرته رحلة نزوح جديدة كانت المعاناة فيها مضاعفة، حيث لا مكان جديد يؤويه ولا مال لديه ليدفع أجرة الانتقال.

قال بدح في حديثه "لم أكن أملك ما يكفي من المال لنزوحي وأسرتي في المرّة الأولى من غزّة، فقمت بالاتصال بصاحب المطعم الذي أعمل لديه وطالبته بمساعدتي في توفير تكلفة النزوح إلى منطقة جنوب وادي غزة، وإذ به يتهرّب منّي بذريعة الانشغال في تجهيز عائلته للنزوح أيضا دون أن يوافيني ولو بمبلغ بسيط يعينني على مصاريف الانتقال".

أضاف "حاولت الاتصال برئيس نقابة العاملين في الخدمات السياحيّة فلم يُجب في البداية، ثم قام بإغلاق الهاتف. تواصلت بعد ذلك مع عدد من الزملاء في النقابة وآخرين يعملون في المجال، ولكن للأسف كان حالهم نسخة عن حالي، وقد تخلى عنهم الجميع أيضاً من أصحاب المطاعم ومجلس إدارة النقابة".

وعن ظروف العيش، قال بدح إنه نتيجة لعدم وجود أي مصدر للدخل بسبب توقف قطاع الخدمة السياحية، اقتصر غذاء أسرته وشرابها على ما تُقدّمه المؤسّسات الدوليّة ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) من مساعدات طارئة للنازحين، بينما باءت محاولاته لإيجاد فرصة عمل أو تدشين مشروع صغير بالفشل.

يرى بدح أنّ "حجم الخذلان من قبل أصحاب المطاعم والمنشآت السياحية والنقابة كان كبيرا وغير متوقع" في هذه الظروف؛ ويشاركه الرأي محمد الفران (31 عاما)، الذي وجّه لومه لوزارة العمل والنقابة "على تقصيرهم الواضح تجاه العاملين في مجال الخدمة السياحية وتركهم لقمة سائغة لأرباب العمل الذين تخلوا عنهم".

الفران، الذي كان يعمل في تجهيز الطلبات داخل أحد المنتجعات الشهيرة بشمال غزة، كان قد نزح إلى المحافظة الوسطى ثم إلى جنوب وادي غزة وأقام مع أسرته في بيت أقارب لهم في مخيّم النصيرات، قبل أن يتسبّب قصف لبيت ملاصق في إصابة عدد من أفراد أسرته، ومن بينهم نجله وليد (14 عاما) الذي كانت إصابته حرجة وابنته سارة التي كانت إصابتها متوسطة.

اضطرت العائلة إلى مغادرة المنزل نحو مواصي خان يونس، وكان عليه بالضرورة أن يوفّر أجرة الانتقال وتكلفة تجهيز خيمة للنزوح؛ لكنه قال إنه مثل جميع العاملين في الخدمة السياحية "يعيش كل يوم بيومه، بمعنى أن أغلبنا يعمل بنظام اليومية، وأجرنا بالكاد يكفي لشراء الطعام والشراب، حتى إذا انقطع أحدنا عن العمل يوما جاعت أسرته".

أمّا وسام عليان (25 عاما)، الذي كان يعمل طبّاخا لأربع سنوات في أحد مطاعم مدينة غزة رغم تخرجه من كلية الهندسة، فاستثمر هوايته في تصوير مقاطع الفيديو وامتلاكه هاتفا جيّدا في الحصول على وظيفة شبه تطوّعية كمصوّر وموثّق ضمن إحدى المبادرات الشبابيّة الخاصة بالتمثيل المسرحي للأطفال في مواصي خان يونس.

وقال عليان لوكالة أنباء العالم العربي "بعد خروج المطاعم عن الخدمة بسبب الحرب، وانقطاع المواد اللازمة لتحضير فطائر البيتزا التي احترف إعدادها، بات التصوير وظيفتي الأساسية... لمحاولة الحصول على أيّ مبلغ من المال يساعدني في إعالة نفسي والمساهمة في مصروف أسرتي".

الشريحة "المنسية"

يصف جميل أبو منصور، رئيس نقابة العاملين في الخدمات السياحيّة الفلسطينيّة، العاملين في القطاع بأنّهم "الشريحة المنسية" في زمن الحرب؛ ويعزو أسباب العجز عن تقديم أيّ مساعدة لهم إلى "تنصّل جميع الجهات الحكوميّة وغيرها من التزاماتها تجاه النقابة وأعضاءها من العاملين".

وقال أبو منصور "مع بداية الحرب، حاول مجلس إدارة نقابة العاملين في الخدمات السياحيّة التواصل مع مختلف الجهات، خاصة وزارة التنمية بصفتها الجهة الحكوميّة المسؤولة عن تقديم المساعدات الإغاثية خلال الحرب، وكذلك وزارتي العمل والسياحة".

أضاف "لم يعترف أي منهم بنا من الأساس، على الرغم من كوننا نقابة مرخصة من وزارتي العمل والعدل في الضفة وغزة... حصلنا على التراخيص اللازمة لمباشرة أعمالنا في الضفة الغربية عام 2006، بينما تأخّر استصدار ترخيص العمل في قطاع غزّة إلى عام 2022؛ لكن كلاهما تنصّلا من التزامهما تجاهنا وكأننا فئة منفية إلى الهوامش وخارج إطار الذاكرة".

وأشار أبو منصور إلى عدم امتلاك النقابة صندوقا ماليا تستطيع اللجوء إليه في مثل هذه الظروف الصعبة لتقديم أيّ شيء لأعضائها، موضّحا أنّه جرى في السابق تشكيل حاضنة للنقابة من رجال الأعمال وأصحاب المنشآت السياحيّة والمطاعم لدعم النقابة في وقت الأزمات "إلا أنّ جميعهم تهربوا أيضا من هذا الالتزام".

ويعمل في هذا القطاع نحو 5700 شخص داخل قطاع غزة، بحسب إحصائية لنقابة العاملين في الخدمات السياحية عام 2022، وفقا لما قاله أبو منصور في حديثه لوكالة أنباء العالم العربي.