مجازفة بالموت فرارا من الموت: قصف إسرائيلي يدفع نازحين لموقع عسكري سابق
خيام مدنيين فلسطينيين لم يجدوا بديلا عن النزوح إلى موقع (الحشاشين) العسكري في مدينة رفح بأقصى جنوب قطاع غزة رغم الخطر (24 مارس آذار 2024)
  • رفح

  • الثلاثاء، ٢٦ مارس ٢٠٢٤ في ٢:٤١:١٣ م
    آخر تحديث : الأربعاء، ٢٧ مارس ٢٠٢٤ في ١١:٠٠ ص

مجازفة بالموت فرارا من الموت: قصف إسرائيلي يدفع نازحين لموقع عسكري سابق

(وكالة أنباء العالم العربي) - يجتهد الفلسطيني عبد النجار في تنظيف محيط خيمة نزح إليها مع أبنائه وأحفاده بموقع عسكري كان تابعا للفصائل الفلسطينية في رفح بجنوب قطاع غزة، ليضفي على موقع الخيمة أسفل تلة صغيرة لمسة من النظافة والترتيب ومشهدا يخلو من الحجارة والقاذورات بل ومن الأعشاب.

يحاول الرجل (62 عاما) أن يُزيل بنفسه كل ما يمكن أن يُلحق أذى بالصغار الذين يلهون أمام الخيمة أحيانا، وفي محيطها وخلفها أحيانا أخرى، خشية بقاء بعض من مخلفات الفصائل المسلحة في المكان رغم إخلائه منذ الأيام الأولى للحرب.

الأب والجد النازح من منطقة قيزان النجار بخان يونس إلى موقع يسمى (الحشاشين) شمال رفح، لم يجد مكانا متسعا سوى هذا الموقع العسكري السابق بعد أن أُوصدت أمامه كل الأبواب الأخرى عند نزوحه القسري قبل ثلاثة أشهر، فاتفق مع بعض أقاربه على إقامة خيامهم وعُرُشهم بالموقع رغم أنه معرض للقصف الإسرائيلي المتكرر.

في البداية، تردد الرجل بالنزوح إلى هذا الموقع، لكن القصف الإسرائيلي كان يلاحقه وعائلته ولم تكن هناك وسيلة تنقله لأماكن أخرى غرب خان يونس أو رفح، فقرر المكوث مبدئيا في ساحة التدريب على أن يبحث عن مكان آخر لاحقا. لكن ذلك لم يتحقق ذلك واستمر نزوحه بالمكان ذاته حتى الآن.

وبعد أيام معدودات، بدأ المكان يكتظ بالنازحين. وبعدما كان يضم بضع عائلات نازحة، باتت مئات العائلات تنتشر في أماكن متعددة داخل أراضي الموقع العسكري، في حين تتنقل المركبات بين مواصي خان يونس ورفح من خلال طريقين داخل الموقع ويؤديان إلى طريق آخر بمحاذاته تماما.

ويصف الرجل في حديثه لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) كيف كان الخوف يسيطر عليهم في الأيام الأولى للنزوح  بعدما فوجئوا بأن المكان الذي نزحوا إليه هو الموقع ذاته الذي كان يتردد في الأخبار أنه يتعرض لقصف الطائرات الإسرائيلية. لكن حالة الخوف بدأت تتراجع شيئا فشيئا مع زيادة أعداد النازحين وكثافة التنقل والحركة داخله.

* لا بديل

رغم أن عبد النجار بقر وجود خطورة عالية في بقائهم بالمكان تصل حد تهديد حياتهم بشكل مباشر مع احتمال تعرض الموقع للقصف الإسرائيلي بأي لحظة، فإنه يؤكد أنه لم يكن بالإمكان توفير أي مكان آخر، وأن وجود أعداد كبيرة من النازحين شجعه أيضا على القدوم.

يقول "فررنا من خان يونس إلى رفح بحثا عن النجاة، لنجد أنفسنا في المكان الأكثر عرضة للقصف. لكن لا بدائل أخرى أمامنا وسنضطر للمكوث هنا طالما لم نُجبر على إخلائه".

ويضيف "حاولت وأقاربي والنازحون بالموقع العمل من أجل ضمان خلوه من أي وسائل أو أدوات قد تؤذي أبناءنا، فضلا عن تيقننا بأن المسلحين الذين كانوا بالمكان أخلوه تماما كما هو معتاد بكل الحروب السابقة".

df0350c7-315c-44b1-9edb-0afb4a350831.jpg

المصدر: AWP - خيام مدنيين فلسطينيين لم يجدوا بديلا عن النزوح إلى موقع (الحشاشين) العسكري في مدينة رفح بأقصى جنوب قطاع غزة رغم الخطر (24 مارس آذار 2024)

بيد أن القلق المحدود البادي على عبد النجار وأقاربه ليس هو ذاته لدى كثير من العائلات النازحة التي تحبس أنفاسها مع دوي أي انفجارات خشية أن تكون هي الهدف القادم، خصوصا أن المنطقة مفتوحة وأصوات القصف فيها وبمحيطها قوية ولا سيما في ساعات الليل.

فحالة الرعب تتملك عائلة نبيل أبو دية (52 عاما) التي نزحت من بيت لاهيا بشمال غزة إلى الموقع العسكري ذاته بعد رحلة نزوح بدأت منذ الأيام الأولى للحرب وتنقلت خلالها العائلة سبع مرات من مدينة إلى أخرى ومن مكان إلى آخر حتى ضاقت الدنيا أمامها ولم تجد سوى هذا الموقع.

أقام الرجل عريشة من ألواح الخشب والنايلون وبعض قطع القماش البالية ليؤوي عائلته وعائلات أبنائه الثلاثة. يصف نزوحهم بأنه "انتقال من موت إلى موت"، فهذا المكان المعرض للقصف الإسرائيلي يصيبه بالرعب وبالكاد يستطيع التماسك كلما حدث قصف قريب حتى لا ينتقل رعبه إلى الصغار.

* "أهون من الشارع"

ظل أبو دية لثلاثة أيام يبيت في الشوارع لا يجد أي مكان ينزح إليه مع 23 فردا من عائلته حتى أبلغه صديق بوجود مساحة أرض واسعة فارغة بالإمكان النزوح إليها. وتوجه إلى المكان مباشرة دون السؤال عن ماهيته أو تبعيته حتى فوجئ في اليوم التالي بأن الأرض كانت جزءا من موقع عسكري للفصائل.

لم تكن أمامه أي فرصة للانتقال لمكان آخر خصوصا أنه كان يصر على النزوح لرفح كونها الأكثر أمنا وفق ما يردده الجيش الإسرائيلي، فضلا عن خطورة وصعوبة التنقل والحركة برفقة عائلته وأمتعتها وبعض مستلزمات عريشته، ناهيك عن الكلفة المالية التي سيتكبدها.

آثر نبيل البقاء في الموقع ذاته، لكنه بحث عن مكان على أطرافه بعيدا عن أي من المباني المقامة داخله، أملا بأن يكون أكثر أمنا. واعترضت زوجته بشدة على البقاء به، وأصرت على الرحيل منه حتى لو عادت للمبيت على أطراف الشوارع بعريشة أو حتى في العراء.

لكن تجربة الرجل مع النزوح على جوانب الطرقات كانت قاسية للغاية، نظرا للأخطار الكبيرة المتعلقة بحوادث السيارات والازدحام الشديد فضلا عن افتقادهم أيا من مقومات الحياة كوجود مرحاض أو أي خصوصية داخل العريشة.

يقول "الخيارات أمامنا محدودة وكلها أسوأ من بعضها، لذلك اتخذت قراري بالنزوح بهذا الموقع باعتباره في رفح من جهة، وأهون من الشارع من جهة أخرى، إضافة إلى وجود مئات العائلات بالمكان".

ويضيف "ما كتبه الله سيكون. مللنا عذابات النزوح والتنقل وتكاليفها التي لا تتوفر لدينا. الآن نتأقلم مع المكان وتسير الأمور بالحد الأدنى للحياة؛ ولا نغفل وجود مساحات واسعة أمامنا للعب الأطفال، وهو غير متوفر بأي مخيمات نزوح أخرى".