مهنة حياكة صوف الخراف تنسج حكايات يمنية في سقطرى
حليمة حسن تعمل في إحدى زوايا منزلها في حديبو عاصمة جزيرة سقطرى اليمنية على نسج قطعة قماش من صوف الخراف على مصنع خشبي بسيط (23 يونيو حزيران 2024) - المصدر: AWP
  • سقطرى

  • السبت، ٢٩ يونيو ٢٠٢٤ في ١٢:٥٢ م
    آخر تحديث : السبت، ٢٩ يونيو ٢٠٢٤ في ١٢:٥٢ م

مهنة حياكة صوف الخراف تنسج حكايات يمنية في سقطرى

(وكالة أنباء العالم العربي) - ترتدي حليمة حسن الزي التقليدي لجزيرة سقطرى اليمنية وهي تجلس على دكة مرتفعة عن الأرض وتجر بيديها خيوط الصوف الأبيض لتصنع قطعة قماش طويلة من الريش بطريقة تدل على خبرة في التعامل مع الصوف وتشكيله من خيوط متعددة إلى ملابس تقليدية وأقمشة.

تقول حليمة (40 عاما) لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) وهي تتكئ على مصنعها الخشبي البسيط "نقص ريش (شعر) الخراف ثم نغزله ونربطه ببعضه بعضا (لنصنع) خيوطا طويلة، ثم نبدأ في حياكة الأقمشة".

ويمر عمل حليمة بمراحل متعددة حتى يصبح الريش جاهزا للغزل والنسيج، ففي البداية يتم تربية ريش الخراف وقصه في الموسم المحدد، ثم غسله وتسخينه على نار الحطب ثلاث مرات، ثم تجفيفه والبدء في نسيج خيوطه.

الأغطية المعروفة باسم "الدفاء والفراش" هي أغلب ما تقوم حليمة بإنتاجه من صوف الخراف، إذ تقول إن معظم مراقد أبناء سقطرى لا تخلو من هذه الأقمشة التي تحافظ على اعتدال الحرارة شتاء وصيفا.

وانضمت سقطرى في 2008 إلى قائمة مواقع التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) لأهميتها الكبيرة في الحفاظ على التنوع البيولوجي.

ويقع الأرخبيل في شمال غرب المحيط الهندي، بالقرب من خليج عدن، ويمتد على مساحة 250 كيلومترا، ويضم أربع جزر وجزيرتين صخريتين صغيرتين ويبدو كأنه امتداد للقرن الأفريقي.

وتعرف سقطرى بمناظرها الطبيعية الخلابة وتنوعها البيولوجي الفريد، وتقول اليونسكو إن 37 بالمئة من أنواع النباتات و90 بالمئة من أنواع الزواحف و95 بالمئة من أنواع الحلزونيات البرية الموجودة هناك غير موجودة في أي مناطق أخرى من العالم.

وخلف هذا الجمال الطبيعي، تخفي سقطرى قصصا إنسانية ملهمة تجسد صمود النساء اليمنيات في مواجهة الظروف المعيشية الصعبة، ومنهن حليمة.

فمن بين جذوع شجرة دم الأخوين أشهر معالم سقطرى، تبرز مهنة حياكة الصوف التي توارثتها الأجيال هناك، وتقوم النساء السقطريات، باستخدام أدوات خشبية بسيطة، بتحويل خيوط الصوف إلى تحف فنية من السجاد والملابس والأغطية.

وتشكل مهنة حياكة الصوف مصدر دخل أساسيا للعديد من الأسر في سقطرى، وتساهم في توفير احتياجات العيش في ظل أوضاع اقتصادية صعبة تمر بها جميع مناطق اليمن بفعل الحرب الدائرة منذ 2014 بين القوات الحكومية وجماعة الحوثي التي تسيطر على أجزاء كبيرة من البلاد بما في ذلك العاصمة صنعاء.

28606679-b3f3-4c69-9d22-6354dda7c77b.jpg

حليمة حسن تعمل في إحدى زوايا منزلها في حديبو عاصمة جزيرة سقطرى اليمنية على نسج قطعة قماش من صوف الخراف على مصنع خشبي بسيط (23 يونيو حزيران 2024) - المصدر: AWP

حياكة صوف الخراف

(خبهر) هو اسم مصنع أقمشة الصوف الخشبي باللغة السقطرية، وتقول حليمة إنها تعمل بمهنة حياكة الصوف في مصنعها البسيط منذ أكثر من 20 عاما، وهو مصدر الدخل الرئيسي لها ولأسرتها الصغيرة، وتبيع من خلاله إنتاجها للسياح القادمين إلى الجزيرة والسكان في أسواق حديبو عاصمة الجزيرة.

قالت حليمة إن هذه الحرفة صعبة على الأجيال الجديدة في الجزيرة، مضيفة أنها لم تستطع تعليم بناتها الثلاث حرفة حياكة الصوف. وتعمل حليمة على جمع الصوف من زرائب تربية الخراف في مناطق مختلفة من الجزيرة.

وأضافت حليمة التي لم تلتحق بالتعليم مطلقا لكنها تجيد حرفا يدوية مثل دباغة الجلود وصناعة الفخار الطيني وحياكة شباك صيد الأسماك وصناعة القوارب الخشبية "تعلمت على يد والدتي قديما حياكة الصوف وأعجبت بها ولم أتركها منذ أن تعلمتها وعمري 15 عاما".

ويقول محمد محيميد، نائب مدير مكتب الثقافة بمحافظة سقطرى، لوكالة أنباء العالم العربي إن الجزيرة تتمتع بإرث ثقافي يمارسه المجتمع من خلال عاداته وتقاليده، وأبرزها اللغة السقطرية غير المكتوبة، وهي لغة قديمة لا تكتب وما زال يتحدث بها السقطريون.

وأوضح محيميد قائلا إن الحرف اليدوية في سقطرى تعد جزءا لا يتجزأ من الإرث الثقافي في الجزيرة في مجالات متعددة.

وأضاف "كانت حياة السقطري قائمة ومعتمدة على الحرف اليدوية في توفير أواني الطعام والطبخ وملابس الناس وأدوات الصيد البحرية وغيرها من احتياجات الحياة والمعيشة اليومية، وما زال جزء كبير من تلك الحرف مستمرا وإن كان إنتاجها محدودا ويقتصر في الغالب على الاستهلاك المنزلي".

وبحسب المسؤول الحكومي، يمارس الحرف اليدوية المختلفة في سقطرى باستمرار أو بصورة متقطعة نحو 80 بالمئة من السكان، وغالبيتهم من الصيادين والنساء "وبذلك تعد سقطرى أبرز المحافظات اليمنية التي ما زالت تعتمد بشكل أساسي على بعض الحرف اليدوية".

وقال محيميد إن مكتب الثقافة بالمحافظة يعمل على إقامة معارض خاصة بالحرف اليدوية ضمن الفعاليات المختلفة التي تقام في الجزيرة بهدف تشجيع وتحفيز الإنتاج وترويج المنتجات.

ومضى يقول "على الرغم من اندفاع وإقبال السقطريين على العمل والتعليم والتدريب في الحرف اليدوية، فإن أبرز التحديات التي تواجه هذا القطاع عادة ما تكون الجانب المادي، حيث يحد شح الإمكانيات المالية من تكثيف الجهود وتطويرها في ما يخص الجوانب الثقافية والتراثية".

وبفعل الحرب الدائرة في اليمن، قال برنامج الإنذار المبكر بالمجاعة التابع للوكالة الأميركية للتنمية الدولية في تقرير صدر الشهر الماضي إن "خيارات كسب العيش وفرص كسب الدخل في اليمن محدودة للغاية بعد سنوات من الصراع".

وأضاف التقرير "باتت ملايين الأسر الفقيرة تواجه الفقر وفجوات في استهلاك الغذاء في جميع أنحاء البلاد، إضافة إلى توقف برنامج الأغذية العالمي عن تقديم المساعدات الغذائية".