• الأبيض

  • الأربعاء، ٥ يونيو ٢٠٢٤ في ٩:٥٥ ص
    آخر تحديث : الأربعاء، ٥ يونيو ٢٠٢٤ في ٩:٥٥ ص

مدينة الأبيض.. عروس الرمال السودانيّة تشكو ضعف الخدمات وغلاء الأسعار مع استمرار الحصار

(وكالة أنباء العالم العربي) - يشكو السودانيّ حسين عصام، المقيم في مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان وسط البلاد، من تدنّي مستوى الخدمات الأساسيّة وغلاء أسعار السلع في ظلّ استمرار القتال بين الجيش وقوّات الدعم السريع في المدينة الملقّبة بعروس الرمال.

يقول عصام إنّ سعر رغيف الخبز ارتفع إلى 150 جنيها (حوالي 0.11 دولار أميركي) بدلا من 100 جنيه، ويصل سعره في بعض الأحياء إلى 250 جنيها، فضلا عن نقص وزنه؛ ويشير أيضا إلى أنّ بعض المخابز أغلقت أبوابها بسبب عدم توفّر الطحين (الدقيق) وانقطاع التيّار الكهربائي منذ ثلاثة أسابيع.

أما عن تكاليف الانتقال، فيقول الرجل إن تعرفة استقلال الحافلات الداخليّة ارتفعت إلى 500 جنيه بدلا من 400، بينما وصلت تعرفة استقلال سيّارات الأجرة الصغيرة إلى 700 جنيه بعد أن كانت 500، مشيرا إلى أنّ عدم توفّر الوقود أدّى إلى تضاعف التعرفة أربع مرّات خلال عام واحد.

وشدّدت قوّات الدعم السريع الشهر الماضي الحصار الذي كانت تفرضه على المدينة منذ بدء القتال في منتصف أبريل نيسان من العام الماضي، وذلك في أعقاب المعارك التي شهدتها عندما تحرّك الجيش من ولاية النيل الأبيض ووسط المدينة لفكّ الحصار عنها، وهو ما تسبّب في "ندرة" السلع وتضاعف أسعارها بحسب السكّان.

ويحاول الجيش فكّ الحصار عن المدينة من الجهتين الشرقيّة والجنوبيّة من المدينة، حيث خاض معركة كبرى ضد قوّات الدعم السريع في الثامن من مايو أيار الماضي؛ غير أنّ قوّات الدعم تمكّنت من التصدّي لقوّات الجيش عند محور أمّ روابة شرق ولاية شمال كردفان ومنطقة جبل كردفان إلى الجنوب. وتشهد الولاية مناوشات بين الحين والآخر بين الطرفين.

أزمة مياه

لم تسلم المياه من متلازمة الأزمات التي تُعاني منها المدينة بسبب الاشتباكات والحصار، حيث توقّفت بعض المضخّات والمحطّات بسبب نقص الوقود أيضا وارتفاع سعره في السوق السوداء.

دفعت تلك الأزمة مبادرات طوعيّة إلى توفير مياه الشرب للسكّان؛ ومن بين تلك المبادرات مبادرة (خطوة خير) التّي أطلقت مشروع سُقيا الماء مستهدفة به مراكز إيواء النازحين، كونهم من أكثر الفئات المتضرّرة جرّاء استمرار القتال.

وسام حسن، عضو مبادرة (خطوة خير)، قالت في حديث لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) إنّ المبادرة تمكّنت من تغطية 36 مركز إيواء في مدينة الأبيض وتسعى لتغطية أكبر عدد من المراكز بمساعدة فاعلي الخير الذين يقدّمون تبرّعات للمبادرة.

أكّد سكّان في المدينة أيضا أنّ بعض التجّار تمكّنوا من إدخال شاحنات بضائع عبر الطُرُق الترابيّة، وهو ما ساهم في توفير بعض السلع وإن كانت هناك شكوى من غلاء أسعارها.

غير أنّ جمعة خضر، وهو أحد سكّان الأبيض، قال بدوره إنّ الحياة كانت تعود إلى المدينة بعد كلّ اشتباكات تحدُث بين الجيش وقوّات الدعم السريع؛ لكنه أشار إلى أنّ تشديد قوّات الدعم السريع الحصار على المدينة بعد المعارك الأخيرة تسبّب في تكدّس عدد كبير من شاحنات البضائع في العديد من المُدُن المحيطة بولاية شمال كردفان.

أشار خضر أيضا إلى تضرّر الخدمات الصحيّة في المدينة، حيث توقّف عدد من المستشفيات بسبب القصف الجويّ والمدفعيّ ونقص المستلزمات الطبيّة ونزوح الكوادر الطبيّة.

أهميّة اقتصاديّة

تتميّز مدينة الأبيض بوجودها في موقع جغرافيّ يربُط إقليم دارفور غربا بالعاصمة الخرطوم والنيل الأبيض في الوسط وجنوب وغرب كردفان المجاورتين؛ وتضمّ المدينة مطارا للرحلات الداخليّة ومصفاة لتكرير البترول؛ كما أنّها من أكبر مُنتجِي الصمغ العربي في البلاد.

ويوضّح الخبير الاستراتيجيّ الفريق أول ركن محمد بشير سليمان أنّ ولاية شمال كردفان تقع في ما يصفه بالوسط الاستراتيجيّ للسودان، مشيرا إلى أنّها تجاور ست ولايات؛ الشمالية والخرطوم والنيل الأبيض، الممتدة من الشمال إلى الجنوب بمحاذاة النيل الأبيض؛ وجنوب وغرب كردفان المجاورتين لجنوب السودان، وشمال دارفور المتداخلة حدوديّا وعِرقيّا مع إقليم دارفور.

سليمان، وهو نائب رئيس هيئة الأركان الأسبق للجيش السوداني وكان أيضا واليا لشمال كردفان، قال في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إنّ ولاية شمال كردفان "بهذا التداخل مع المكوّن الديموغرافيّ المُسالم الذي يعيش فيها، مثّلت خطّا أمنيّا استراتيجيّا وسطيّا فاصلا بين شرق السودان وغربه".

أضاف "ولاية شمال كردفان تمثّل أيضا أهميّة استراتيجيّة اقتصاديّة على المستوى القوميّ الوطنيّ لا تماثلها فيها معظم – إن لم يكُن كلّ – ولايات السودان كرافد لخزينة الدولة بالعُملات الحرّة، من خلال ما تُنتجه من محاصيل اقتصادية على رأسها الصمغ العربي بقيمته العالميّة والثروة الحيوانية بتنوّعها المعلوم والحبوب الزيتيّة والكركديه".

وأشار أيضا إلى مصفاة البترول بمدينة الأبيض والخطّ الناقل للخام من ولاية غرب كردفان عبر أراضي ولاية شمال كردفان وصولا إلى مصفاة الجيلي حيث محطّة التكرير الرئيسة.

وقال سليمان "ولاية شمال كردفان، بالحالة الأمنيّة التي تعيشها الآن، والتي إن لم يتمّ الانتباه والالتفات لها وبأسرع ما يُمكِن، تكون قد فقدت كلّ المميّزات الأمنيّة بأبعادها الاستراتيجيّة القوميّة والولائية (ما يُمثّل) تأثيرا مباشرا على الأمن القوميّ السودانيّ الكليّ بأبعاده الأمنيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة".

بُعدٌ استراتيجي

ويرى سليمان أنّ مدينة الأبيض تمثّل بُعدا استراتيجيّا يتجاوز حدودها إلى السودان كله وأنّ محافظة الجيش عليها كمسرح عمليّات كامل عبر حدود الولاية يمثّل تأمينا للدولة السودانيّة واحتواءً لمهدّداتها الأمنيّة في الاتجاه الغربيّ. وتضمّ المدينة أيضا أكبر حامية للجيش في إقليم كردفان، وهي الفرقة الخامسة مشاة.

وقال إن محافظة الجيش على مدينة الأبيض "تُمثّل ضرورة قصوى... لتكون حزاما أمنيّا على الامتداد من جنوبها إلى شمالها، تأمينا للعاصمة القوميّة كهدف استراتيجي أول، ومن ثم لبقيّة النصف الشرقيّ للسودان حتّى بورتسودان".

أضاف "هذا مع العمل على عدم وصول كافّة التعزيزات من القوّة البشريّة ومواد تموين القتال لقوّات الدعم السريع، التي تدير حربها في الخرطوم وبعض ولايات السودان الأخرى، وذلك ما كان سيؤدّي إلى عدم إطالة أمد الحرب؛ لكنّ هذا ما لم تُحقّقه الولاية، ربما لأسباب منها عدم التوقّع أو عدم التخطيط العسكريّ المبكّر تحسّبا لمهدّدات الدعم السريع المستقبليّة".

وذكر أنّ عدم منع وصول تعزيزات قوّات الدعم السريع "منح تلك القوّات فرصة لتأمين نفسها ماديّا على مستوى مناطق القتال داخل السودان، وقبل ذلك لحصار الولاية كلّها وليس الأبيض فقط، حيث بدأت تظهر سلبيّات الحصار اقتصاديا؛ وما يُخشى منه هو أن تزداد التأثيرات السلبيّة والخطيرة على الأمن الغذائي في الولاية".

وقال "هذه الحالة الأمنيّة ستحرم مواطني الولاية من الزراعة هذا العام، مع الانعكاسات السلبية الأخرى على الولاية في كافة المجالات، والتي تؤثّر على حياة الناس وعيشتهم واستقرارهم، وستؤدّي إلى نزوح وهجرة مع تدمير البنى التحتيّة والخدمات".

وحذّر من أنّ "الحصار الخانق لمدينة الأبيض، المرتبط بالسيطرة على كافة الطرق المُعبّدة والترابيّة الرابطة بين المركز والولاية والعابرة من خلالها إلى ولايات الغرب السودانيّ، سيؤدّي إلى الفصل بين غرب البلاد وشرقها".

أضاف "يُمكن لقوّات الدعم السريع (من خلال هذا الحصار) تحقيق التواصُل مع قوّاتها في الشرق السودانيّ وإمدادها بكافّة متطلبات القتال، بما يؤدي إلى إطالة أمد الحرب وإنهاك الجيش".

(الدولار الأميركي يُساوي 1323 جنيها سودانيّا في السوق الرسمية)
(الدولار الأميركي يُساوي 1553 جنيها سودانيّا في السوق الموازية)