• عمّان

  • السبت، ٦ يوليو ٢٠٢٤ في ٩:٢١ ص
    آخر تحديث : السبت، ٦ يوليو ٢٠٢٤ في ٩:٢١ ص

خُبراء يخشون تداعيات رفع أجور أطباء القطاع الخاص على المرضى في الأردن والبعض يرونه إنصافا واجبا

(وكالة أنباء العالم العربي) - لا يُعاني الأربعينيّ الأردنيّ سهيل من أمراض مزمنة؛ لكنّه أصبح يتخوّف من ألا يتمكّن من تغطية تكاليف العلاج في المستقبل بعد بدء تطبيق لائحة الأجور الجديدة للعيادات الطبيّة الخاصة، في وقت يشهد فيه القطاع الصحيّ الحكوميّ ضغطا كبيرا على المرافق والخدمات.

سهيل، الذي يعمل بنظام المياومة، لم يعُد بوسعه مراجعة طبيب خاص إلا للضرورة القصوى بعد تطبيق هذه اللائحة، مع عدم حصوله على تغطية تأمينيّة لتغطية تكاليف العلاج المرتفعة مقارنة مع الدخل المحدود الذي يحقّقه من عمله، شأنه في ذلك شأن غالبيّة عمّال المياومة الذين لا يملكون أيّ نوعٍ من التأمين الصحيّ.

ويحصل الأربعينيّ الأردنيّ على أجر يوميّ يبلغ 20 دينارا (حوالي 28 دولارا أميركيّا) مقابل عمله في قطاعات مختلفة، مثل البناء ونقل البضائع. وفي بعض الأحيان، يضطرّ إلى المكوث في المنزل لأيّام دون دخل بسبب طبيعة عمله غير المنتظم.

ورفعت الحكومة قبل أيّام لائحة أجور الأطباء لسنة 2024، بزيادة نسبتها 60% على جميع الإجراءات الواردة في لائحة عام 2008، على أن تُطبّق اللائحة الجديدة على مدى ثلاث سنوات بواقع 20% لكلّ سنة.

الأردنيّة هيفاء، التي تعمل في مؤسسة كبرى تضمّ 500 موظف، أشارت في حوار أجرته معها وكالة أنباء العالم العربي إلى أنّ شركة التأمين التي تتعاقد معها مؤسّستها أبلغت الإدارة بأنّها تنوي رفع قيمة التأمين الصحيّ بنسبة 50%.

وترى هيفاء أنّ هذه النسبة "كبيرة للغاية بالنسبة للشركة والموظفين" الذين سيتأثّرون من وجهة نظرها بصورة مباشرة لأنّهم يتحمّلون جزءا من قيمة التأمين الذي تلتزم به المؤسسة، فضلا عن تأجيل المؤسسة رفع الرواتب بسبب تحمّلها الجزء الآخر من تكاليف التأمين الصحي لموظّفيها.

زيادة مُبالغ فيها

خبير التأمينات موسى الصبيحي اعتبر بدوره أنّ زيادة أجور الأطباء في اللائحة الجديدة "مُبالغ فيها بشكل كبير" بالنظر إلى ضعف الرواتب في الأردن.

وقال الصبيحي في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إنّه "بالرجوع إلى قاعدة البيانات الأكبر للمشتغلين في الأردن، وهي مؤسسة الضمان الاجتماعي، فإنّ متوسّط أجور العاملين يبلغ 570 دينارا؛ وهذه الأجور ضعيفة لا تتحمّل أيّ عبء إضافيّ".

في المقابل، يرى أمين عام رابطة أطبّاء الصدريّة العرب والناطق باسم تجمّع أطباء القطاع الخاص محمد حسن الطراونة أنّ اللائحة الجديدة وضعت حدّا أدنى وأعلى لأجر الطبيب من أجل "منع التغوّل على أيّ طرف، مع وضوح الإجراءات الطبيّة التي يسمح لكلّ طبيب بإجرائها حسب تخصصه".

وأوضح أنّ نظام لائحة الأجور من اختصاص نقابة الأطباء وفقا للدستور الأردنيّ، الذي يتيح للنقابة تعديل لائحة الأجور؛ لكنه أردف قائلا إنّ "كلمة لائحة أجور لا تعني رفع الأسعار، بل تعني تنظيم عمليّة الحصول على الأجور وتحصيل الحقوق".

وقال إنّ "إجراءات طبيّة حديثة ظهرت بعد عام 2008 نتيجةً للتطوّر الحاصل في المجال، ما يستوجب وضع أجر محدّد لها".

في المقابل، يصف الصبيحي منظومة التأمين الصحيّ في الأردن بأنّها "مشوّهة، حيث إنّ ثلث الأردنيّين لديهم تأمين صحيّ واحد، والثلث الآخر لديهم أكثر من تأمين صحيّ، بينما لا يملك قرابة 28-29% من الأردنيين أيّ نوع من التأمين الصحيّ".

الأكثر تضرّرا

ويرى خبير التأمينات أنّ هذه الفئة الثالثة التي لا تملك أيّ تغطية تأمينيّة "هي الأكثر تأثّرا بقرار رفع أجور الأطباء... وهي الفئة التي تضمّ العاملين في الحرف البسيطة والقطاعات غير المنظّمة، وسيواجهون مبالغ كبيرة عند زيارة العيادات الطبيّة الخاصّة".

وقال "سيؤدّي ذلك إلى عزوف عدد كبير منهم عن مراجعة العيادات الطبيّة... هذا سيؤثّر على الأطباء أنفسهم أيضا؛ وسيكتفي من لا يملك تأمينا صحيّا بالذهاب للصيدليّة للحصول على دواء دون استشارة طبيّة".

أمّا فيما يتعلّق بالمؤمّن عليهم، فيرى الصبيحي أنّهم سيتأثّرون أيضا، حيث ستضطر شركات التأمين إلى زيادة الاشتراكات السنويّة لتغطية الزيادة في أجور الأطباء.

وتابع "الشركات الكبرى التي تؤمّن موظفيها تأمينا صحيّا ممتازا ستعيد هي الأخرى النظر في المزايا الممنوحة لموظّفيها في التأمين الصحيّ والزيارات الصحيّة المُتاحة في ضوء الارتفاع في الأجور الطبية؛ وقد تدرس التخلي تدريجيا عن التأمين الصحي... أمّا الشركات المتوسطة، فستفكّر في التخلّي عن التأمين الصحيّ أو تحميل الموظفين نسبا أكبر على مزايا التأمين الصحيّ".

ويرى الصبيحي أنّ القرار "كان يجب أن يُدرس بشكل موسّع، وألّا تتفرد نقابة الأطباء بوضعه وإقراره" مُبديا استغرابه من موافقة الحكومة على القرار "دون دراسة تداعياته". كما توقّع أن يشهد القطاع الصحيّ الحكوميّ ضغطا إضافيا في المستقبل نتيجة رفع أجور العيادات الخاصة.

إنصاف الطبيب

على الجانب الآخر، يدافع الطراونة عن اللائحة الجديدة، حيث قال إنّ "من غير المنطقيّ أن تبقى أجور الأطباء على حالها منذ عام 2008" واتهم شركات التأمين بممارسة ضغوط كبيرة لعدم تعديل لائحة الأجور "رغم أنّها رفعت الأقساط على المؤمّنِين 14 مرة منذ عام 2008".

واعتبر ان هذا "أدّى إلى التغوّل على حقوق الأطباء؛ فبعض الاستشاريين قد يحصلون على كشفية بمبلغ أربعة دنانير من شركة التأمين بعد خصومات تصل إلى 30%" بحسب وصفه.

أضاف "كشفيات (أجور الفحص) الأطباء الأردنيين من أقل الكشفيات في الوطن العربي، ما تسبب في هجرة كبيرة للأطباء إلى الخارج... الأطباء جزء من المجتمع ولديهم التزامات ماليّة كبيرة حالهم حال المواطن، فضلا عن خطورة العمل الطبي الذي قد يعرّضهم للأشعة والأمراض والعدوى".

ووفقا للطراونة، فإنّ عدد الأطباء المنتسبين للنقابة يبلغ 45 ألف طبيب، يعاني قرابة خمسة آلاف منهم من البطالة.

وقال إن القرار نشر "بعد أن توافقت عليها عدّة جهات مسؤولة رأت أن من الحقّ إنصاف الطبيب الأردني أسوة بالأطباء العرب".

(الدولار الأميركي يُساوي 0.71 دينار أردنيّ)