• القاهرة

  • الخميس، ٣٠ مايو ٢٠٢٤ في ٥:٤٣ ص
    آخر تحديث : الخميس، ٣٠ مايو ٢٠٢٤ في ٥:٤٣ ص

خُبراء يخشَوْن تأثّر الفقراء بقرار زيادة أسعار الخبز المدعم في مصر والبعض يرونه خطوة تأخّرت كثيرا

(وكالة أنباء العالم العربي) - يُبدي خبراء مصريّون تخوّفهم من تأثّر الفئات الأكثر فقرا في البلاد بقرار زيادة أسعار الخبز المدعم وما قد يلحقه من زيادة في أسعار سلع وخدمات أخرى مدعمة، في وقت ما زال فيه التضخم عند مستويات مرتفعة؛ لكنّ آخرين يعتبرون أنّ القرار كان ضروريا، بل وتأخّر كثيرا.

وفي وقت سابق من يوم الأربعاء، أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي زيادة سعر رغيف الخبز المدعم، الذي يعتمد عليه نحو 70 مليون مصريّ في سلّة غذائهم، بنسبة بلغت 300% إلى 20 قرشا للرغيف الواحد، بدلا من خمسة قروش، على أن يصبح القرار ساريا في الأول من يونيو حزيران المقبل.

مدبولي، الذي أشار في مؤتمر صحفي إلى أنّ سعر الخبز المدعم لم يتحرّك منذ أكثر من 30 عاما بينما تضاعفت تكلفته عدة مرات خلال عقود شهدت موجات هبوط في قيمة العملة المحلية، قال إن رغيف الخبز أصبح يكلّف الدولة 1.25 جنيه في الوقت الذي كان يُباع فيه مقابل 0.05 قرش فقط.

ودعا رئيس وزراء مصر أيضا إلى إطلاق مناقشات جادّة من أجل وضع خطة للتحوّل إلى الدعم النقديّ بدلا من العيني، كسبيل وحيد لتوفير مبالغ ماديّة مناسبة لدعم الأسر المستحقّة، وهو ما اعتبره محللون مؤشرا على توجّه الدولة إلى التخارج من دعم السلع والخدمات، وإن كان حتّى جزئيّا في المرحلة الراهنة.

ووفقا لمدبولي، فإنّ فاتورة الدعم للسنة الماليّة المُقبّلة ستبلغ 636 مليار جنيه (حوالي 13.45 مليار دولار أميركيّ)، بزيادة 20% عن هذه السنة المالية، التي تنتهي آخر يونيو حزيران المقبل. وتتحمل الحكومة الفرق بين سعر الخبز المدعم وتكلفة إنتاجه، والذي وصلت فاتورته وحده إلى نحو 91 مليار جنيه هذا العام، وفقا لبياناتها.

وتعدّ مصر إحدى أكبر الدول المستوردة للقمح في العالم، حيث بلغت وارداتها خلال العام الماضي نحو 10 ملايين طن، مقارنة مع نحو 8.7 مليون طن في العام السابق، وفقا للبيانات الحكوميّة.

توقيت "غير مناسب"

ووصف مصطفى كامل السيّد، المدير التنفيذيّ لمركز شركاء التنمية للبحوث والدراسات، توقيت قرار رفع سعر الخبز المدعم بأنّه "غير مناسب في ظلّ ارتفاع معدّلات التضخّم خلال الشهور الماضية، وكذلك ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه في البنوك".

وسجّلت معدّلات التضخّم الإجمالي خلال أبريل نيسان الماضي 31.8%، مقارنة مع 33.1% في الشهر السابق، وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر.

وقال السيد في حديث لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) إن "عددا كبيرا من المواطنين، غالبيتهم لا يعملون في الجهاز الإداريّ للدولة، يعتمدون بشكلٍ أساسيّ على الخبز المدعّم؛ ورفع سعره أربعة أضعاف سوف يسبب لهم مشكلة دون شك".

أضاف "الحكومة تتّسم بقدرٍ كبيرٍ من الجرأة في اتخاذ قرارات تمسّ حياة ومعيشة ملايين المواطنين، وقد تتسبّب في جرّهم إلى المزيد من الفقر"، معتبرا أنّ الحكومة المصريّة اتّخذت هذا القرار من أجل تقليل عجز الموازنة "تنفيذا لاشتراطات صندوق النقد الدوليّ".

وأردف قائلا "الحكومة تسعى لزيادة الإيرادات وخفض المصروفات من خلال خفض الدعم على الخبز ورفع أسعار الكهرباء والوقود؛ وهذا يمسّ شريحة المواطنين البسطاء... لا أظنّ أنّ صندوق النقد قد طلبَ رفع أسعار الخبز على وجه التحديد؛ لكن أعتقد أنّ هذه الخطوة جاءت من جانب الحكومة".

ويرى السيد أنّ هناك "اختلالا" في أولويّات الحكومة في الإنفاق، حيث قال "لا أظنّ أنّ إنشاء القطار السريع أولويّة للمواطنين البسطاء؛ كان من الأفضل تجميد بعض المشروعات بدلا من رفع الأسعار".

وكانت الحكومة المصريّة قد اتفقت مع صندوق النقد الدولي في مارس آذار الماضي على استئناف برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي جرى التوافق بشأنه في ديسمبر كانون الأول 2022 وتوقف لعدّة أشهر بسبب تأجيل تنفيذ بعض الشروط التي جرى التوافق عليها، وفي مقدمتها اعتماد سعر صرف مرن للجنيه.

وأشارت تقارير إعلاميّة إلى أنّ بعثة صندوق النقد الدولي بصدد إجراء المراجعة الثالثة لبرنامج القرض المقدم إلى مصر في يونيو حزيران المقبل، بما سيسمح للبلاد بالحصول على شريحة بقيمة 820 مليون دولار، على أن تحصل على شريحة أخرى بقيمة 1.3 مليار دولار في وقت لاحق من العام.

وأوضحت يفانكا فلادكوفا هولار، رئيسة بعثة الصندوق إلى مصر، الشهر الماضي أنّ الصندوق استكمل المراجعتين الأولى والثانية المؤجلتين لبرنامج إقراض الحكومة المصرية وقرر خلالهما زيادة حجم التمويل من ثلاثة مليارات إلى ثمانية مليارات دولار.

التحول للدعم النقديّ

كان عدد المستفيدين من منظومة الخبز المدعم في مصر قد انخفض خلال السنوات الست الماضية بنحو 11 مليون مستفيد إلى نحو 70 مليونا في موازنة السنة الماليّة الحالية من نحو 81 مليونا في موازنة 2018-2019، وفقا لبيانات وزارة المالية.

وأعلن مدبولي خلال المؤتمر الصحفي أنّ حكومته تدرس تحويل الدعم العيني إلى نقدي للأسر المستحقّة؛ لكنّه أكّد أنّ الدولة ستظل ملتزمة بالدعم، لاسيّما دعم السلع الأساسيّة، واصفا ما يجري اتخاذه من إجراءات بأنّه محاولة لترشيد ذلك الدعم فحسب.

وقال مدبولي إن الدعم النقدي لن يكون رقما ثابتا، بل سيرتبط بمعدّل التضخّم والأسعار العالميّة، مشيرا إلى أنّ الحكومة تستهدف وضع تصوّر لتحويل الدعم إلى نقديّ قبل نهاية هذا العام ومن ثم وضع خطّة وبدء التطبيق اعتبارا من موازنة السنة المالية 2025-2026.

ويرى هاني توفيق، رئيس مجموعة المستثمرين الدوليّين، أنّ قرار تحويل الدعم العيني إلى نقديّ "تأخّر عشرات السنين، خاصة أنّ مصر هي الدولة الوحيدة في العالم التي تمنح المواطنين دعما عينيّا".

لكنه اعتبر أنّ "تحويل الدعم من عينيّ إلى نقديّ ليس قرارا من الحكومة المصرية، وإنما هو تنفيذ لشروط صندوق النقد الدوليّ".

وقال في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إنه "لضمان وصول الدعم إلى مستحقّيه، يجب أن يكون لدى الحكومة قاعدة بيانات متكاملة لتنفيذ ذلك؛ لكن هل لدى الحكومة هذه البيانات؟"

مزيد من التضخّم

وحذّر توفيق من أن توجّه الحكومة إلى زيادة أسعار الخبز والمحروقات والكهرباء والدواء سيؤدّي بالضرورة إلى زيادة معدّلات التضخّم المرتفعة بالفعل، بمقدار الزيادة في أسعار السلع المذكورة.

وقال إن هذا يعني من وجهة نظره أن "المواطن سيشعر بمزيد من الأعباء المعيشيّة خلال الفترة المقبلة، خاصة في ظلّ عجز الحكومة عن السيطرة على الأسواق"، بحسب وصفه.

يشاركه الرأي الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، الذي أبدى تخوّفه من أن زيادة أسعار الخبز ورفع الدعم عن الوقود والكهرباء سيكون لهما "تداعيات كارثيّة" على الفقراء، لما سيتبعهما من "فوضى في الأسواق ستنعكس بالسلب على معدّل التضخّم الذي سيشهد ارتفاعا خلال الفترة المقبلة".

وقال عبدة في حديث لوكالة أنباء العالم العربي "هناك بدائل للحكومة لخفض عجز الموازنة، وذلك من خلال الاهتمام بتعزيز الإنتاج والتوسّع في الأراضي الزراعية بدلا من الاعتماد على الحلول الأسهل، وهي زيادة الضغط على المواطنين".

(الدولار الأميركي يُساوي 47.30 جنيه مصري)