إفران.. مدينة مغربيّة الهويّة سويسريّة المناخ وأمازيغية الثقافة
مبنى على الطراز المعماري الأوروبي في مدينة إفران المغربية الواقعة على تخوم جبال الأطلس، والتي تأسست عام 1929 وتعرف باسم "سويسرا المغرب" نظرا لطبيعتها الخلابة ومناخها المعتدل
  • إفران

  • الأحد، ٩ يونيو ٢٠٢٤ في ٥:٠٤ م
    آخر تحديث : الاثنين، ١٠ يونيو ٢٠٢٤ في ٢:١٨ م

إفران.. مدينة مغربيّة الهويّة سويسريّة المناخ وأمازيغية الثقافة

(وكالة أنباء العالم العربي) - ما أحلى إفران وما أحلى جماله... ما أحلاها عشية ما بين أغصانه".. هكذا تغنّى المطرب المغربيّ الراحل إبراهيم العلمي في حب مدينة إفران المغربيّة وعبّر عن سحرها وهدوئها.

تقع المدينة الهادئة على تخوم جبال الأطلس المتوسط للمغرب؛ وتُعرف باسم "سويسرا المغرب" نظرا لطبيعتها الخلّابة ومناخها المعتدل؛ وقد تأسست عام 1929 إبان الاستعمار الفرنسي بعد أن كانت تضمّ مغارات وأكواخا وخياما يسكنها الرُّحل الأمازيغ.

تتميز إفران بطابعها المعماري ذي الطراز الأوروبي وشوارعها النظيفة والمسطّحات الخضراء الواسعة؛ وتحيط بها غابات الأرز وأشجار الصنوبر، ما يجعلها وجهة مثاليّة لأنشطة مثل التزلج في فصل الشتاء والمشي لمسافات طويلة في الصيف. وتعتبر المدينة مكانا مثاليّا للاسترخاء والاستجمام، وتجذب العديد من الزوار المحليّين والسيّاح الأجانب طوال العام.

الزائرة مريم غالي، القادمة من مدينة تطوان شمال المغرب، قالت في حوار أجرته معها وكالة أنباء العالم العربي (AWP) إن هذه هي زيارتها الأولى للمنطقة، التي سمعت وقرأت الكثير عنها قبل أن تتاح لها الفرصة لاكتشافها، ووجدتها "فعلا كما يقال عنها قطعة من سويسرا".

وبعد هذه الزيارة الأولى، تُصّر مريم (21 عاما) على ألّا تكون الأخيرة، مؤكّدة أنّها ستأتي في المرّة القادمة رفقة صديقاتها لإعادة اكتشاف المكان الذي شعرت فيه "بالراحة المتناهية والأمن" وهي تتجوّل بين شوارع المدينة الخضراء.

6875c639-be7f-4d3b-8b73-8df34827a603.jpg

مباني على الطراز المعماري الأوروبي في مدينة إفران المغربية، والتي تأسست عام 1929 وتعرف باسم "سويسرا المغرب" نظرا لطبيعتها الخلابة ومناخها المعتدل

من كهوف إلى بيوت

وأوضح الباحث خالد الزيواني، المهتمّ بتاريخ منطقة الأطلس المتوسط بالمغرب وتراثها، أنّ منطقة إفران من المناطق القديمة جدا التي كان سكّانها في الماضي من الرعاة الأمازيغ الرحّل.

وقال في حديث لوكالة أنباء العالم العربي "الإنسان الأمازيغي بمنطقة الأطلس المتوسّط كان كثير التنقل، نظرا لصعوبة الظروف المناخيّة، خاصة في فصل الشتاء وتساقط الثلوج، حتى إن المنطقة كانت تفرغ تماما من سكّانها الذين كان أغلبهم رعاة بسبب صعوبة العيش فيها، نظرا لقسوة البرد والثلوج بالمنطقة، وكانوا ينتقّلون إلى المدن المجاورة كفاس ومكناس".

أضاف "سكّان مدينة إفران كانوا يعتمدون في مسكنهم على الكهوف والمغارات لحماية أنفسهم وبهائمهم؛ وفي فترة تحسّن الطقس يقومون ببناء منازلٍ بالطّين، تنقسم إلى مكان للاستقرار ومكان للبهائم وآخر لتخزين الحبوب. وكانت مساكن ذات خصوصيّة تُراعي الظروف المناخيّة للمنطقة، وبمواصفات خاصّة لتحمّل الشتاء والثلوج".

لكنه أشار إلى أنه بعد الاستعمار الفرنسي، اعتُمد في بناء منازل إفران على القرميد الأحمر، الذي كان يأخذ شكل مثلّثات مشابهة للخيام الأمازيغية.

وقال "لعلّ طقس إفران البارد هو الذي جعلها منبعا للعديد من العيون والشلّالات، ومنها على سبيل المثال بحيرة عَوّا وشلّالات العذراء وضاية إيفر، فضلا وجود مساحات وفيرة من غابات الأرز والصنوبر والعرار تحيط بها".

أسد إفران

يقع تمثال أسد إفران الشهير في حديقة عامة وسط المدينة، ما يجعله وجهة سياحيّة بارزة تجذب الزوّار من أنحاء المغرب والعالم، حيث لا تكتمل زيارة المكان إلا بأخذ صورة تذكارية إلى جانبه. ويضطر معظم الزوّار في فترات العطلات إلى انتظار دورهم لأخذ تلك الصورة وسط حشد كبير من الناس.

ولهذا الأسد تاريخ مثير للاهتمام وأصل يعود إلى فترة الاستعمار الفرنسي للمغرب، وبالتحديد لثلاثينيّات القرن العشرين، حيث يُعتقد أنّ من نحته رجل فرنسيّ كان معتقلا في معسكرات العمل القسريّ التي أنشأها الفرنسيّون في المغرب خلال الحرب العالميّة الثانية.

وتشير روايات تاريخية إلى أنّ الفرنسيين أمروا السجين بنحت الأسد كجزء من العمل الإجباري؛ ويُقال إنّ الهدف كان إضفاء طابع جمالي على المدينة وتخليد رمز القوّة والشجاعة، حتى أصبح أسد إفران رمزا شهيرا للمدينة يعكس جمال الطبيعة وقوة الإنسان في مواجهة التحديات.

وهناك أيضا حكايات وأساطير محليّة حول الأسد، بعضها يتحدّث عن ارتباطه بأسود الأطلس التي كانت تجوب المنطقة في الماضي؛ بينما تتحدث حكايات أخرى عن قصص تعود إلى فترة الاحتلال الفرنسي.

وقال الزيواني إن الذي نحت أسد إفران فرنسيّ يُدعى جون مورو كان قد تمرّد في كتاباته على النظام الفرنسي فسجنه الفرنسيون "وبحكم أنه كان كاتبا كبيرا في السن وبارعا في النحت، كانوا يقومون بإخراجه بين الحين والآخر لممارسة الأعمال الشاقّة؛ وفي عام 1930 قام بنحت أسد إفران".

أضاف "كانت القصّة وراء ذلك أنّه كان له صديق أمازيغيّ يحكي له عن بعض الحيوانات التي توجد في المنطقة، ومنها الأسد الأمازيغي والنمر الأمازيغي والضبع المزركش والثعلب الأحمر والخنزير ذي الوجه البارز، بالإضافة إلى الأسد الأطلسيّ الذي يتّصف بلحية وشعر كثيف وأنواع القردة والذئاب والغزلان".

وتابع "أُعجب السجين الفرنسي بمدى افتخار الأمازيغ بحيوان الأسد؛ وفكّر في نحت تمثال له في قلب المدينة".

ووفقا للزيواني، فإن الأسد في خيال أمازيغ المنطقة كان رمزا للشجاعة والبطولات، خاصة وأنهم تعايشوا معه؛ ويصف الأسد الأمازيغيّ بأنّه كان يتميّز بشعر أسود يختلف عن باقي أصناف الأسود. وكان الرحّال الأمازيغي يحكي كثيرا عن هذا الحيوان للكاتب جون مورو.

هدوء وسلام

وتحدّث الزيواني عن أنه بعد دخول الفرنسيين إلى البلاد بدأوا التفكير في كيفية استقطاب السيّاح، خاصة من بني جلدتهم، حتّى أصبح معظم الفرنسيين يأتون بأطفالهم للتخييم في المنطقة خلال العطل المدرسية. وكان أوّل مخيّم نُظم في البلاد عام 1929.

وقال "اختار المقيم العام آنداك، الجنرال هوبير ليوتي، مدينة إفران بدافع الهدوء والراحة التي تنعم بها المنطقة، بالإضافة إلى أنّ أهل إفران يمتازون بأخلاقهم العالية وبسلميّتهم اللامتناهية، حيث قام الفرنسيون بإنشاء أنشطة ملائمة لظروف الثلوج، ونظّموا أول مسابقة لرياضة التزلج عام 1930، حتى تحولت إفران من مكان مجهول إلى وجهة سياحية مهمة".

يشكّل الأمازيغ جزءا كبيرا من سكّان المدينة والمنطقة المحيطة؛ ويتحدث سكّانها اللغة الأمازيغية إلى جانب الدارجة المغربية. وتتجلى الثقافة الأمازيغية في العديد من جوانب الحياة اليوميّة، بما في ذلك الملابس التقليديّة والموسيقى والاحتفالات.

ويحتفظ الأمازيغ في إفران بتقاليدهم، بما في ذلك الفلكلور والرقصات الشعبيّة، التي تعتبر جزءا أساسيّا من الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية هناك؛ ويعتمد العديد منهم على الزراعة وتربية الماشية كمصدر رئيسي للرزق؛ كما تُساهم الطبيعة الجبليّة للمنطقة في زراعة الأشجار المثمرة مثل التفّاح والخُضَر.

وذكر أنّ المنطقة كانت تقام بها عدة احتفالات ومهرجانات، خاصة بعد موسم الحصاد، قائلا "بعد أن تعرّف بعض علماء الاجتماع الأجانب على طابع المدينة من خلال تأريخ عاداتها وتقاليدها وتفرّدها بطابع السلم والسلام، استقطبوا علماء آخرين لمعرفة خصائص اللغة والعرف والزواج والطلاق، الشيء الذي مهّد الطريق لإقامة المقيم العام الفرنسي بإفران".

77b26fba-fc94-4538-a11a-fd746aff9c5f.jpg

زوار يتجمعون حول تمثال أسد إفران الذي نحته فنان فرنسي عام 1930 ويتوسط حديقة عامة في مدينة إفران المغربية الواقعة على تخوم جبال الأطلس،