فلسطينيون يبكون ضياع "شقاء العمر" وسط دمار هائل في شمال مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة
الفلسطينية أم إسلام تقف باكية بعد ضياع شقتها التي تملكتها بعد عناء السنين ودمرها القصف الإسرائيلي في شمال مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (18 أبريل نيسان 2024)
  • غزة

  • الخميس، ١٨ أبريل ٢٠٢٤ في ٦:٤٥:٢٨ م
    آخر تحديث : الخميس، ١٨ أبريل ٢٠٢٤ في ٦:٤٥ م

فلسطينيون يبكون ضياع "شقاء العمر" وسط دمار هائل في شمال مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة

(وكالة أنباء العالم العربي) -  تفتش الفلسطينية نسرين المسارعي بين الأنقاض بحثا عن بقايا ملابس أطفالها أو بعض من مقتنياتها وأمتعتها بين ركام شقتها المدمرة بشمال مخيم النصيرات في وسط قطاع غزة، ويزداد بكائها مع كل قطعة ممزقة تجدها بين الحجارة هنا أو هناك.

تمسك نسرين (45 عاما) ببقايا البطانيات والملابس المحترقة تارة، وتتابع بنظرها حطام أثاثها تارة، ثم تجثو على الأرض لتقبل لوحة تعبر عن ثقل الحمل على عجوز يحمل على ظهره المسجد الأقصى.. تلك الصورة التي اعتاد الفلسطينيون على تعليقها داخل منازلهم تعبيرا عن قضيتهم.

لا تكف نسرين المسارعي، وهي أم لثمانية أبناء أكبرهم إسلام (19 عاما) وأصغرهم سراج (18 شهرا)، عن البكاء.. فحلمها الذي ظلت تسعى لتحقيقه مع زوجها بامتلاك شقة بدلا من الإيجار تحطم وذهب أدراج الرياح في القصف الإسرائيلي الذي استهدف برج الصالحي، قبل أن ينسحب الجيش من شمال المخيم الليلة الماضية.

تصف أم إسلام تدمير شقتها بتدمير حياتها ومستقبل أبنائها إلى الأبد؛ تقول "بيتي هو روحي وقلبي وحياتي وواحد من أولادي. أنا كنت أُقبّل الحوائط عندما أعود إليه بعد خروجي منه لبضع ساعات".

وتضيف "الماضي والحاضر والمستقبل ضاع أمام عينيَّ، ولا أقبل كلمة المال معوض، لأن المال يعادل الروح. فأرواحنا كانت مع كل زاوية بالشقة".

وتروي السيدة مدى ارتباطها وأبنائها بشقتهم وبكل مكوناتها صغيرة كانت أو كبيرة، من حوائط وأبواب ونوافذ وأثاث وأمتعة وألوان.. وحتى الإضاءة. فقد ظلت تجمع المال وتحرم أبناءها أنواعا من الطعام ومن الملبس حتى تنجح في تحقيق حلم العائلة بشراء شقة وامتلاكها بدلا من معاناة الانتقال بين الشقق المستأجرة.

وما زالت أم إسلام تدفع أقساط أثاث شقتها وتسدد ما استدانته لشرائها ولا تعرف أين ستعيش الأسرة سواء خلال فترة النزوح الحالية أو بعد الحرب.

* ضياع

خلَّف الجيش الإسرائيلي دمارا كبيرا في المناطق التي اجتاحها لمدة أسبوع بالمخيم الجديد شمال مخيم النصيرات، من تجريف للأرض وتدمير لمنازل وبنايات وأبراج سكنية ومساجد ومدارس ومزارع ومرافق عامة وخاصة متعددة.

وبعد انسحابه، تدفق الفلسطينيون إلى المنطقة لتفقد منازلهم المدمرة كليا أو جزئيا ومحاولة البحث عن بعض مقتنياتهم، خصوصا وأنهم غادروها قسرا تحت القصف الإسرائيلي وقبيل اندفاع الدبابات إلى المكان.

في جانب آخر من المنطقة كان شريف أبو عطايا (59 عاما) يأمل بالعثور على بعض من ملابس أبنائه وأمتعتهم، لكن حالة الدمار الكامل لبنايته السكنية المكونة من ثلاثة طوابق حالت دون ذلك، ليتضاعف حزنه بحزن الأبناء والأحفاد الذين كانوا يفتشون بين الركام على دفاترهم ورسوماتهم ومقتنياتهم.

أبو عطايا الذي كان يقطن طابقا بينما يقطن ابناه المتزوجان طابقين آخرين، يصف قصف الجيش الإسرائيلي لعمارته بأنه تدمير لشقاء عمره كاملا وضياع لمستقبل عائلته إلى الأبد، مؤكدا أنهم كبقية أصحاب البيوت المدمرة ليس لهم علاقة بأي من الفصائل وأنهم مدنيون يبحثون عن حياة آمنة بعيدا عن أي حرب.

يروي الرجل كيف أنه خرج من عمارته على عجل دون أن يحمل معه شيئا عندما علم بتقدم الجيش نحو المنطقة. ظن أنها مجرد أيام وسيعود بعدها، لكنه فوجئ بحجم الدمار الكبير لكل معالم الحياة في المنطقة.

ويتساءل غاضبا "لماذا يدمر الجيش الإسرائيلي منازل المدنيين بهذه الطريقة الممنهجة؟ ما ذنبنا كفلسطينيين في هذه الحرب المدمرة؟ أين ستعيش عائلتي وعائلتيَّ ابنيَّ الاثنين؟ هل ستكون الخيمة مصيرنا الأبدي؟".

* "نريد الحياة"

وعلى مسافة ليست ببعيدة، قَلَّ حزن الطفل نبيل حمد نوعا ما بعدما عثر على دراجته المحطمة تحت الركام مع وسادته ودفاتره المتناثرة، بينما كانت الصدمة تسيطر على ملامح أبيه الذي جلس على حطام شقته المدمرة متجولا بعينيه بين مظاهر الدمار الشامل.

ورغم أن الطفل الذي لم يكمل أعوامه التسعة يدرك الكارثة التي حلت بالأسرة وكيف أنها ستكون بدءا من اليوم بلا مكان وستضطر للعيش داخل خيمة، فإن العثور على هذه الدراجة هدَّأ إلى حد ما من روعه، فهي هدية قدمتها له أمه عند تفوقه الدراسي العام الماضي.

يحاول نبيل مداراة دموعه وهو يقول إن أسرته قضت معظم فترة الحرب داخل شقتها وكانت تتمنى ألا تضطر لتجربة حياة النزوح بمُرّها وعذاباتها. أما أمه، فلم تكف عن البكاء منذ علمت بضياع الشقة.

لكن الطفل لم يستطع كتمان مشاعره طويلا فبكى بحرقة. اقترب منه الأب محاولة تهدئته وهو يتمتم في أذنه ببعض الكلمات التي لم تخفف من الحزن المسيطر عليه، وقال بلغة طفولية بسيطة "راحت غرفة نومي وسريري وملابسي والهدايا وكل أشيائي الجميلة ومعها ضاعت كل حياتنا".

وأضاف "يريدون تدمير حياتنا وكل بصيص أمل لمستقبلنا، ونحن نريد الحياة ونكره الحرب والدمار".