فلسطيني يفتتح مقهى وسط ركام خان يونس المدمرة
مقهى وسط ركام المباني المدمرة في خان يونس بجنوب قطاع غزة يستقبل الفلسطينيين العائدين للمدينة (7 يوليو تموز 2024)
  • خان يونس

  • الخميس، ١١ يوليو ٢٠٢٤ في ١٢:٥١ ص
    آخر تحديث : الخميس، ١١ يوليو ٢٠٢٤ في ١٢:٥١ ص

فلسطيني يفتتح مقهى وسط ركام خان يونس المدمرة

(وكالة أنباء العالم العربي) - فوجئت الفلسطينية ضحى انشاصي بوجود مقاعد وطاولات وزبائن يلتفون حول معظمها بين ركام المباني التي قصفها الجيش الإسرائيلي وسط مدينة خان يونس المدمرة، فحثت الخطى بحثا عن طاولة يمكن أن تجلس حولها مع رفيقاتها اللاتي عدن مع عائلاتهن إلى بقايا منازلهن.

ومنذ عودتها إلى المدينة قبل شهرين من منطقة النزوح في رفح، تبحث ضحى عن أي من ملامح خان يونس التي غيبتها الحرب، حتى وجدت هذا المقهى المختلف في كافة تفاصيله عن المقاهي التقليدية قبل الحرب، حاله حال كل شيء كان ينبض بالحياة خان يونس قبل السابع من أكتوبر تشرين الأول.

تجلس ضحى مع ثلاثة من رفيقاتها حول طاولة صغيرة منخفضة عن مستوى أجسادهن كثيرا مع مقاعدها المصنوعة من البلاستيك وأسفلهن وفي محيطهن الركام وأمام عيونهن المباني المدمرة.

تجول ضحى ببصرها في المكان الذي يزدحم بالزبائن مع قائمة انتظار لآخرين ينتظرون فراغ بعض المقاعد، بعضهم فضل الجلوس على الحوائط المهدمة وحتى على أكوام الركام قبل أن يطلب بعض المشروبات، ومعها يمكن أن يستخدم الإنترنت عن طريق شراء بطاقة مقابل ثلاثة شواكل من شاب يقف على زاوية المقهى.

توضح ضحى قائلة إنها لم تتخيل فكرة استئناف المقاهي لعملها في خان يونس المدمرة، خصوصا وأنها كانت تعتمد في الأوضاع العادية على الأماكن المؤهلة من حيث النظافة والخدمات ووجود مساحات خضراء.

وبينما تؤكد أن العائدين لخان يونس يحاولون اجتياز هذه المرحلة الصعبة من حيث غياب الخدمات الأساسية وإغلاق الشوارع وتكدس النفايات والصرف الصحي وتراكم ركام المباني على مدى العين، فإنها تصف محاولات استعادة جزء من ملامح الحياة بأنها ناجحة إلى حد ما.

وقالت ضحى لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "إحساس بالارتياح لمجرد وجود مقهى يمتزج بالحزن العميق ونحن نجلس وحولنا الدمار والركام الذي يذكرنا بنكبتنا الجديدة، مشاعرنا متضاربة تماما".

وأضافت "رغم ذلك، هي محاولات يجب دعمها والفرح بها لأنه ليس المطلوب منا الاستمرار في النكبة والاستسلام لتداعياتها وإلا سنموت ونحن ما زلنا على قيد الحياة".

تتبادل ضحى الحديث وحتى بعض الدعابات مع رفيقاتها اللاتي يبتسمن بخجل وسط ملامح الحزن التي تملأ المكان وكافة تفاصيل حياتهن اليومية، لكنهن يحاولن أخذ قسط من الراحة والابتعاد عن ملامح المأساة ولو قليلا، على حد قولها.

39b1432d-c4f3-4674-84fc-ce1a8da864f3.jpg

مقهى وسط ركام المباني المدمرة في خان يونس بجنوب قطاع غزة يستقبل الفلسطينيين العائدين للمدينة (7 يوليو تموز 2024)

وعلى جانب آخر من المقهى، يغلق الركام المتكدس الشارع الرئيسي وإلى جانبه طوابق متهاوية فوق بعضها لبناية كانت تضم عددا من المتاجر والمقاهي والشقق السكنية، فيجلس بعض الشبان على أطرافها وأقدامهم تتدلى وهم يتناولون بعض المشروبات التي يقدمها المقهى ويحاولون الاتصال بأقاربهم عبر شبكة إنترنت محلية محدودة السرعة.

يقضي غالب أبو حمادة وقته بشكل شبه يومي بين الجلوس على المقاعد إن حضر مبكرا، أو على الطوابق المتهاوية إن لم يجد متسعا، أملا في التخفيف من صعوبات الحياة، إذ يعيش في شقته المحترقة بالكامل جراء القصف الإسرائيلي منذ شهر بعدما عاد إليها من مكان نزوحه في منطقة المواصي.

أبو حمادة الذي أكمل عامه الأربعين خلال الحرب وهو أب لثلاثة أطفال، يعتبر أن العودة التدريجية لبعض الأعمال التجارية مثل متاجر بيع المواد الغذائية أو الصيدليات وغيرها يبدو طبيعيا، لكن تشغيل مقهى في مثل هذه الظروف كان أمرا لافتا للغاية، على حد وصفه.

وبينما يعزو أبو حمادة العودة التدريجية لملامح الحياة في خان يونس ومن بينها المقاهي، إلى رغبه الفلسطينيين في استعادة جزء من حياتهم، يصف هذه الخطوات برسالة إصرار على الحياة في مواجهة الموت المحيط بهم من كل جانب.

وقال أبو حمادة "نتلمس ملامح الحياة حتى بين مشاهد الدمار والموت، هذا (حالنا) من عقود طويلة".

ويتساءل قائلا "أيعقل أن نضيف لدمار المباني دمار الأرواح والنفوس؟ هل نحصر خياراتنا بين الموت بالقصف أو الموت بالركون لمأساتنا؟ ما المانع في النهوض من تحت الركام والبدء من جديد؟".

c394744b-6d3a-4a3a-b687-c4544f0ddb09.jpg

الفلسطيني عمار الهندي (يسار) يقدم المشروبات الساخنة لأحد زبائنه في المقهى الذي افتتحه وسط ركام المباني المدمرة في خان يونس بجنوب قطاع غزة (7 يوليو تموز 2024)

ذات الأفكار والمشاعر يتحدث عنها صاحب المقهى عمار الهندي الذي لم يتردد في افتتاحه منذ عدة أيام رغم دهشة المحيطين به لمجرد التفكير في أنه يمكن أن يجد زبائن أو قبول من العائدين للمدينة.

غير أن الهندي (35 عاما) كان يتوقع نجاح مشروعه مع بحث العائدين لخان يونس عن أي شيء يذكرهم بالحياة السابقة قبل الحرب في غياب البدائل والمساحات التي يمكن قضاء أوقاتهم خلالها.

ويعمل المقهى لثلاثة ساعات يوميا فقط في المساء لانكسار الشمس وبرودة الطقس خلال هذه الفترة، بحسب الهندي، الذي يقدم المشروبات الساخنة فقط لعدم وجود كهرباء يستطيع من خلالها تقديم المشروبات المبردة.

يتفانى الهندي في تلبية طلبات زبائنه وهو يتنقل بسرعة بينهم مناديا على مساعده الذي يعد المشروبات، بينما بدأ في الآونة الأخيرة تجهيز الطلبات على أسطوانة غاز صغيرة بعدما كان يعتمد على نار الحطب.

وأضاف الهندي "كنت حلاقا ودُمر محلي كما دُمرت شقتي ولم يكن أمامي أي فرصة سوى البدء في مشروع جديد لتوفير مصدر رزق لي ولعائلتي ولأهلي وهذا ما كان".

وتابع قائلا "عودتنا الحروب السابقة والحصار على محاولة التكيف السريع مع أي ظروف مهما كانت صعبة، هذا هو جزء من قدرتنا على التأقلم وإصرارنا على الحياة معا".