"الليلة الكبيرة " عرض صمد 63 عاما ولا يزال قادرا على جمع الناس في مصر
مخرج العرائس المصري محمد فوزي يتوسط العاملين في عروض (الليلة الكبيرة) المقامة في ليالي شهر رمضان بمركز الهناجر للفنون بالقاهرة (31 مارس آذار 2024)
  • القاهرة

  • الاثنين، ١ أبريل ٢٠٢٤ في ٥:٤٨ م
    آخر تحديث : الاثنين، ١ أبريل ٢٠٢٤ في ٥:٥٠ م

"الليلة الكبيرة " عرض صمد 63 عاما ولا يزال قادرا على جمع الناس في مصر

(وكالة أنباء العالم العربي) - تجتمع مئات العائلات المصرية مساء كل ليلة من ليالي شهر رمضان في حديقة مركز الهناجر للفنون بالقاهرة لمتابعة الأوبريت الغنائي الشهير (الليلة الكبيرة) الذي يقدَّم يوميا ضمن برنامج (هل هلالك) الذي ينظمه قطاع الإنتاج الثقافي بوزارة الثقافة للعام الثامن على التوالي.

وعلى الرغم من أن البرنامج يشمل عدة فقرات فنية أخرى، فإنها لا تحظى بالقدر نفسه من الاهتمام الجماهيري الذي يحظى به عرض (الليلة الكبيرة) الذي قدمه مسرح العرائس في مصر للمرة الأولى في الأول من مايو أيار عام 1961.

ويثير نجاح العرض طوال ما يقرب من 63 عاما تساؤلات حول أسباب هذا النجاح، وحول قدرة العرض على الصمود في وجه المتغيرات، كما يطرح تساؤلات أخرى حول واقع مسرح العرائس في مصر اليوم.

(الليلة الكبيرة) هو أشهر أوبريت غنائي مصري قدمه مسرح العرائس، وهو من تأليف صلاح جاهين وتلحين سيد مكاوي، وتصميم العرائس ناجي شاكر وديكور مصطفى كامل وإخراج صلاح السقا.

* المولد الشعبي

يصف الأوبريت مختلف مشاهد المولد الشعبي في مصر، كما يرصد العادات والتقاليد والطقوس الشعبية عبر شخصيات الأراجوز وبائع الحمص والقهوجي والمعلم والعمدة والراقصة ومدرب الأسود والأطفال والمصوراتي ومعلن السيرك والمنشد والفلاح.

ويرى الشاعر عماد عبد المحسن، منسق البرامج في قطاع الإنتاج الثقافي، أن نجاح العرض طيلة 63 عاما يرجع لحالة من حالات الحنين التي يثيرها في نفوس المتلقين على اختلاف أعمارهم، كما يعود إلى تكامل عناصره الفنية.

ويلفت عبد المحسن إلى أنه لا يوجد عرض مسرحي آخر لديه القدرة على استعادة الحالة المرتبطة بعرض (الليلة الكبيرة)، فهي "حالة فرجة وإشباع وليست تجربة في التلقين".

ويتابع "قيام التلفزيون المصري في مطلع ثمانينيات القرن الماضي بتصوير العرض في نسخة ملونة ساعد أيضا على ترسيخه في ذاكرة الأجيال".

ويضيف "بخلاف عبقرية صلاح جاهين في الكتابة، نجح الملحن سيد مكاوي في صياغة ألحان تماثل البيئة الثقافية الشعبية وتعبر عنها، وأسند تأدية الألحان إلى أصوات متنوعة لكنها تمثل هذه الثقافة خير تمثيل، ومنها عبده السروجي وشفيق جلال ومحمد رشدي وحورية حسن وإسماعيل شبانة وصلاح جاهين وشافية أحمد وهدي سلطان".

* السر الخفي

يوضح الناقد المسرحي والشاعر يسري حسان أن نجاح (الليلة الكبيرة) يرتبط بوجود حالة من الصدق الفني، كما أنه من الصعب العثور على عمل لديه أسباب الخلود نفسها.
 
لكن هناك "أشياء خفية" تجذب الجمهور ما تزال غير مفهومة إلى الآن، بتعبير يسري حسان الذي يضيف "لم يكتب صلاح جاهين عن عالم لا يعرفه كما لم يقدمه بصورة استشراقية، وإنما دخل إلى عمق تجربة المولد الشعبي وما تمثله في الوجدان العام".

وينوه حسان بدور مصمم العرائس ناجي شاكر في إبداع عرائس تعبر عن الهوية المصرية في أفضل صورها، موضحا أن شاكر كان صاحب رؤية عميقة كما أن خبراته شملت مجالات التصميم والعمارة والرسم الصحفي والتدريس وساعدت على حفظ مشاهد المولد وما يرتبط بها من مأثورات وعادات، وهي خدمة كبيرة لدراسات الفلكلور.

ويشير حسان إلى أن العرض ينطوي كذلك على إشارات وعلامات كاشفة عن حساسية صُنَّاعه كما تبرز حسهم الشعبي الفريد وإدراكهم ثراء مفردات الشارع.

ويضيف "اختيار الملحن سيد مكاوي لتقديم الألحان لم يكن اعتباطيا، فهو ينتمي لتقاليد غناء المشايخ وبالتالي كان الأكثر قدرة على إدراك المعاني المرتبطة بالمولد الديني وامتزاجه مع عناصر الثقافة الشعبية المرتبطة بمفهوم الكرامات".

ويلفت إلى أن مكاوي اختار أصواتا شعبية لغناء الألحان "لكن لا يمكن دمجها في قالب واحد، فهي أصوات متنوعة وذات درجات حساسية مختلفة".

* حنين

رغم أن عروض العرائس مخصصة عادة للأطفال، تشكك الناقدة والكاتبة المسرحية رشا عبد المنعم في هذا الأمر بالنسبة لهذا العرض، وتقول إن الإقبال يأتي من العائلات ذات الشرائح العمرية الأكبر سنا لأنها تملك رصيدا من الذكريات مع (الليلة الكبيرة).

وتقول "لا أحد يقلل من قيمة العرض أو رسوخه في الوجدان العام كعمل تمت صناعته بشكل جيد، لكن الحقيقة أيضا أن خيال الأطفال المعاصرين اختلف وتطور وصار خيالا معولما وأقرب إلى عروض والت ديزني والألعاب الإلكترونية".

وتشيد الناقدة بالعرض وتقول إنه "يعد أرقى نماذج مسرح العرائس وأكثرها تكاملا، لكن المشكلة أننا نفتقر في مصر لما نسميه ‘عصرنة‘ مواردنا الثقافية بحيث تصبح أكثر عصرية".

ويكشف مخرج العرائس محمد فوزي أن عرض (الليلة الكبيرة) هو الأكثر حظا في تاريخ مصر نظرا لتكامل عناصره الفنية، ويشير إلى أنه تم تقديمه للمرة الأولى عام 1961 في عهد وزير الثقافة آنذاك الدكتور ثروت عكاشة الذي كان يمتلك رؤية، فضلا عن خطة للاستعانة بكوادر لتطوير البنية التحتية للإنتاج المسرحي في مصر.

ويشير فوزي إلى أن الدولة وقت تجهيز العرض تعاقدت مع خبراء من مسرح رومانيا ساهموا في تطوير خبرات لاعبي العرائس "وعلى أرضية الاحتكاك الثقافي وُلدت الليلة الكبيرة". ويضيف "توافرت للعرض مواهب كبيرة بحيث أصبح معملا لإنتاج عمل فذ يعبر عن الهوية في أحسن صورها".

* العرائس "شاخت"

ينوه فوزي إلى الدور الذي لعبه مصمم الديكور مصطفى كامل في ابتكار جسر على المسرح، ورافعة تجسد الألعاب الشعبية، وإلى نجاح ناجي شاكر في ابتكار عرائس من خامات خشبية لم تعد متوافرة الآن، كما أوجد مشاهد وصورا تبدو على المسرح ثلاثية الأبعاد.

ويوضح أن العرض في صورته الحالية يقدم عددا محدودا من لاعبي العرائس، وفقد الكثير من علاماته التاريخية وتحول إلى مجرد "شو"، كما تم التغافل عن إطاره الدرامي، فضلا عن اختفاء الكثير من العرائس.

يقول فوزي إنه رغم محاولات الدكتور أسامة محمد علي، مدير مسرح العرائس، النهوض بهذا المسرح من جديد فإن مشكلات كثيرة حالت دون ذلك. ويعدد بعض مشكلات مسرح العرائس، موضحا أنه يفتقد كوادر جديدة أو خططا واضحة لتأهيل كوادره.

ويضيف "مسرح العرائس شاخ ووصل لحالة بائسة ويعاني من نظرة دونية من قبل المسؤولين عن الإنتاج المسرحي في مصر، كما لا توجد ميزانيات إنتاجية لتقديم عروض قادرة على المنافسة، ويتم استنساخ تكنيك العروض الأجنبية وبالتالي يحدث طمس لهوية العرائس".