عباس الموسوي.. الفنان البحريني الذي رسم 100 طابع بريدي تُشكل الهويّة البصريّة لبلاده
الفنان التشكيلي البحريني عباس الموسوي يرسم إحدى لوحاته في مرسمه بالعاصمة البحرينية المنامة.الاثنين، 20 مايو أيار 2024
  • المنامة

  • الأحد، ٢ يونيو ٢٠٢٤ في ١٢:٠٣ م
    آخر تحديث : الأحد، ٢ يونيو ٢٠٢٤ في ١٢:٠٣ م

عباس الموسوي.. الفنان البحريني الذي رسم 100 طابع بريدي تُشكل الهويّة البصريّة لبلاده

(وكالة أنباء العالم العربي) - يبدو بيت الفنّان التشكيليّ البحرينيّ عباس الموسوي كلوحة مليئة بالألوان والمفردات البصريّة المتنوعة؛ وفي كل ركن من أركان حديقته الخاصة، هناك شيء يُعاد تدويره ليكتسب قيمة إضافية.

لا يتصوّر الموسوي (72 عاما) هذا البيت الواقع على أطراف العاصمة البحرينية المنامة بمعزل عن فكرة المعبد؛ فالدخول تلزمه طقوس، أولها أن يقرع الطبول لزائره وتمرّ عصا سحريةّ يحملها فوق آلة موسيقيّة ذات أوتار من بنات أفكاره ليُعلن الترحيب بضيفه.

ويكتشف المتأمل في زوايا مرسم الموسوي داخل هذا البيت الأنيق لوحات تنتمي إلى مراحل زمنيّة مختلفة، وتتنوع فيها الأساليب والمدارس الفنية بين التجريد والتجسيد والرغبة في رسم المناظر التي تُبرز الحياة داخل حارات المنامة.

لم يتوقّف الموسوي عن الرسم أبدا؛ ولذلك، فإن مرسمه يضمّ مجموعة كبيرة من اللوحات، أقدمها تلك التي رسمها عام 1978 بتقنية التنقيط، وتصوّر ليلة الحنّة في أوائل سبعينيّات القرن الماضي.

ويحتفظ الفنان أيضا بمجموعة من لوحات كرّسها بالكامل لرسم فنّانات الرقص الشرقي؛ ويفسر هذا الولع بالقول إنه أراد الاحتفال بالتصوّر الشعبيّ عن الجسد في حالة الفرح من منظور شرقيّ يواجه المنظور السائد في لوحات المستشرقين.

كما يشير إلى لوحات أخرى رسمها إبان الغزو الأميركي للعراق عام 2003، أشبه برُقَعٍ سجّل فوقها يوميّات الغزو؛ لكنّه رسم بغداد في لوحة أخرى وفوقها قوس قزح بألوان حادة، في إشارة إلى قسوة الظرف السياسي آنذاك.

في هذا البحر الزاخر بالأعمال الفنيّة، تبقى مئة طابع صمّمها لبلده أكثر من يُشعره بمزيد الفخر "لأنّ مفردات كثيرة ضمتها تصاميم تلك الطوابع البريدية تُشكل الهويّة البصريّة في مملكة البحرين".

كما يعتزّ بجداريّة رسمها داخل مبنى جامعة الدول العربية في القاهرة تحت عنوان (الفن والسلام) بمبادرة شخصية منه وبمشاركة فنّانين ومجموعة كبيرة من الأطفال العرب عام 1991.

8d9cf369-516d-4717-811e-c77affeeb6b3.jpg

الفنان التشكيلي البحرينيّ عباس الموسوي يشرح إحدى لوحاته في مرسمه بالعاصمة البحرينيّة المنامة

الانطلاق من القاهرة

كان والد الفنّان البحرينيّ، محمد صالح الموسوي العدناني، رجل دين مُعمّما له مكانته؛ لكن سمّاته الخاصة وفكره المتفتح ساعد في رسم ملامح مسار حياة عباس وأخوته.

فبعد أن أصبح والد الموسوي قاضيا في أعقاب عودته من الهند، التي أرسله إليها المستشار البريطاني لحكومة البحرين قبل الاستقلال السير تشارلز بلغريف بدلا من قمّ والنجف، دفع بأبنائه إلى تلقّي التعليم في مؤسسات حديثة وأعطاهم حرّية اختيار المجال الذين يرغبون في دراسته والاشتغال به.

كان عباس وقتها ميّالا إلى الرسم، ولم يجد رفضا من الأب، فأصبح أوّل مبعوث تُرسله البحرين ضمن بعثة رسميّة عن طريق وزارة التربية للدراسة في كليّة الفنون الجميلة بمصر.

في عام 1979، وعقب عودته إلى المنامة بعد أن أتّم دراسته في القاهرة على يد فنانين كبار منهم الفنانان المصريّان حامد ندا وصلاح عبد الكريم، أسّس الموسوي أوّل جمعية للفنون الجميلة في البحرين.

كما أسس أول ناد للتصوير الفوتوغرافي هناك، وباشر بتدريب العشرات من هواة التصوير الذين فازوا بجوائز دولية للفوتوغرافية. ونظرا للمكانة التي حققها في بلاده، فقد نال وسام الكفاءة من الدرجة الأولى.

وازن الموسوي في مسيرته بين الشعور باللوحة وتقنيات الفوتوغرافيا؛ وسافر إلى لندن لدراسة برنامج متخصص في أحد المعاهد هناك، توزّع بين التصوير الحيّ والعمل في معمل للطبع والتحميض؛ ويرى أنّ هذا التدريب ساعده كثيرا في إدراك الاختلاف بين اللوحة واللقطة وإنضاج رؤيته للفن إجمالا.

إيمان بالتجديد

وقال الموسوي في مقابلة مع وكالة أنباء العالم العربي (AWP) "لم يكن والدي رجل دين تقليديّا؛ فقد آمن بالتجديد، وكتب كتابات غير تقليدية حول الدين مقارنة بعلماء عصره، وكان مُحبّا للموسيقى وفنون الغناء ولم يتورط في تحريمهما".

أضاف "درس والدي في الهند، ولم يدرس في أيّ مؤسّسة تقليديّة؛ لذلك، فقد امتلك عقليّة حداثيّة، ولم يقف أمام رغبتي في دراسة الفن، بل تنبّأ لي بذلك بعدما أنهيت دراسة الشهادة الإعدادية. ذات مساء، اقترح عليّ دراسة فن تصفيف الشعر في لبنان؛ وقد كانت تلك طُرفة، لكنّها تشير إلى عقليّة متفتّحة".

وتابع "اشترى والدي أوّل جهاز تلفزيون في الحيّ الشعبي الذي كنّا نسكنه في المنامة؛ وعلى خلاف شيوخ آخرين، لم تصدر عنه فتاوى بتحريم الموسيقى أو مشاهدة التلفزيون، وهذا أمر أضاء سنوات شبابي".

وحاول عباس الموسوي العمل في مجال التدريس داخل المؤسسة التعليمية بعد عودته من القاهرة؛ لكنّه فضل في النهاية العمل الحرّ "دون أي قيود بيروقراطية "؛ وكان قد لجأ خلال سنوات الدراسة إلى الاستعانة بأفراد عائلته ورسم غالبيتهم.

وقال "في أيّ مجتمع تقليديّ، يواجه الفنّانون صعوبات لإقناع الناس بالجلوس لعدة جلسات أمام الرسّام، وتكون المعضلة على وجه الخصوص هي إقناع السيّدات؛ لذلك، فقد كنت أرسم شقيقاتي لإنهاء فروضي الدراسيّة".

وتفرغ الموسوي بعد تخرّجه تفرّغا تاما لرعاية نشاط نادي الفوتوغرافيا، الذي استمر لأكثر من 26 عاما يعمل دون توقف؛ كما افتتح بعد سنوات محترَفه الفنيّ، وعمل على إيجاد آفاق للفنّ التشكيليّ داخل البحرين.

طوابع البريد

اشتغل الموسوي عدّة سنوات في تصميم الطوابع البريدية لمملكة البحرين؛ وقال "حققت طفرة نوعيّة مهمة في هذا النوع من التصاميم، حيث اعتمدّت بصورة تامة على العناصر المحليّة".

وقبل أن يعمل الموسوي في مجال تصميم الطوابع، كانت البحرين تُسند هذه المهمة إلى فنّان من الرواد في المملكة هو عبد الله المحرقي.

ويرى الفنان البحريني أنّ العمل إلى جوار المحرقي "يمثل نقلة نوعيّة ويخلق تحديّات جديدة، لأن تجربته في الخليج تُعدّ مُلهمة بكلّ المقاييس؛ فقد نشأنا وبداخلنا اعتقاد بأنّ اقتناء لوحة من أعماله يماثل اقتناء لوحة لبيكاسو في أي عاصمة أوروبيّة".

وعلى الرغم من تعدّد أعماله، إلا أن الموسوي لم يعد متحمّسا لتقديم لوحاته للعرض داخل القاعات "بسبب نزعتها (تلك القاعات) التجارية".

كما يرى أن الجمهور الجديد "ليس شغوفا بالفن كما كان الحال في الماضي... فهم يرغبون في الحصول على توقيع فوق اللوحة من باب التباهي وليس أكثر من ذلك".

5906cc15-80c7-4fa9-b52b-51c94b2b1d30.jpg

الفنان التشكيلي البحريني عباس الموسوي يعرض صورا فوتوغرافية من ألبومه في مرسمه بالعاصمة البحرينية المنامة