دوائر الهامش.. أوّل معرض تشكيلي للروائي والشاعر المصري وليد علاء الدين
  • القاهرة

  • الأربعاء، ٣ أبريل ٢٠٢٤ في ٧:٥٦ ص
    آخر تحديث : الأربعاء، ٣ أبريل ٢٠٢٤ في ٧:٥٦ ص

دوائر الهامش.. أوّل معرض تشكيلي للروائي والشاعر المصري وليد علاء الدين

(وكالة أنباء العالم العربي) - تختتم في العاصمة المصرية القاهرة يوم الثلاثاء فعاليّات معرض (دوائر الهامش)، أول معرض تشكيليّ للروائي والشاعر المصري وليد علاء الدين، والذي يستعيد فيه الخبرات التي تعلمها على يد والده.

يضمّ المعرض 50 لوحة، رسمها الفنان خلال السنوات الأربع الأخيرة؛ وتلعب تلك اللوحات في معظمها على فكرة الهامش والدائرة؛ لذلك، فقد أُطلق على المعرض اسم (دوائر الهامش)، وهو الاسم الذي اقترحه صديقه الملحّن حسن زكي.

وكان الموسيقي المصري وعازف العود البارز مصطفى سعيد قد أحيا حفلا على هامش المعرض، الذي افتتح يوم السبت الماضي في بيت السناري التابع لمكتبة الإسكندرية بحي السيدة زينب في القاهرة.

الحفل الموسيقي، الذي أقيم إحياء للذكرى الثمانين لرحيل شيخ النغم وإمام المنشدين الشيخ علي محمود، قدّم فيه سعيد مزيجا من العزف المنفرد على العود والغناء الفصيح.

استهل سعيد الحفل بمقطوعة تحية للمعرض، الذي كشف امتلاك صاحبه خبرة واضحة في السيطرة على اللوحة وتقديم تجربة احترافية بشكل كامل؛ وشمل الحفل أيضا مختارات من وصلتي (زوّار المقام) و(مقام الحكمة) من تلحين سعيد لنخبة من عيون الشعر العربي، وأعقبها بمختارات من أعمال الشيخ علي محمود.

* ترويض اللوحة

في مقابلة مع وكالة أنباء العالم العربي (AWP)، أكد وليد علاء الدين أنه لم يغامر بتجهيز معرض متكامل إلا بعد أن أدرك أنّ يده صارت مدربة بصورة تليق بالمتلقي، كما أصبحت لديه قدرة على إدارة حوار مع اللوحة وترويضها.

وقال "ورثت الرسم عن والدي، الذي كان أيضا شاعرا ومسرحيا؛ لكنه بعد أن تقاعد عن العمل استطاع أن ينقل مهاراته كلها إلى أولاده، كما تلقينا معه تدريبات لنقل الصور من مجلات الأطفال ودرّبنا أيضا على الطباعة باستعمال بقايا الصابون وعلى النحت باستعمال بقايا الأخشاب".

أضاف "ظلّ بيتنا أقرب لورشة فنيّة لا تنغلق أبدا؛ وبالتالي، كانت مهارات الرسم موجودة عندي. ولكن بعد سفري وإقامتي في أبوظبي، اعتقدت أن الرسم مهنة تحتاج إلى تفرغ وإلى أدوات وبقيت محاولاتي في إطار عمليات تفريغ الطاقة ليس إلا".

وليد علاء الدين، المولود عام 1973، هو شاعر وروائي وكاتب مسرحي حصل على ماجستير من كلية الإعلام جامعة القاهرة وعمل بالصحافة الثقافية العربية منذ عام 1996.

2adee822-6efd-4042-be98-8e23df3419ee.jpg

المصدر: AWP - مجموعة من لوحات وليد علاء الدين في معرضه (دوائر الهامش) في بيت السناري بالعاصمة المصرية القاهرة. السبت، 30 مارس آذار 2024

ونال وليد عدة جوائز، من بينها جائزة (ساويرس) لأفضل نص مسرحي عن مسرحية (72 ساعة عفو) عام 2015، وجائزة (أدب الحرب) من صحيفة (أخبار الأدب) عام 1996 في القصة القصيرة؛ كما نال جائزة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات (غانم غباش) عام 1997 في القصة القصيرة.

أيضا، صدر له كتاب في أدب الرحلات بعنوان (خطوة باتساع الأزرق)؛ ولديه عدة روايات، منها (ابن القبطية)، و(كيميا)، و(الغميضة).

* الاستفادة من الجائحة

يرى علاء الدين أنه مدين لفترة الإغلاق التي تسببت فيها جائحة كوفيد-19 بالعودة إلى الرسم من جديد؛ وقال إنّه حين حلّت كورونا بدأ التفكير جديّا في وسيلة لاستثمار الوقت على نحو مختلف ولم يجد سوى الرسم.

أضاف "كنت أرسم لوحاتي بأقلام الرصاص والفحم؛ وغالبيّتها كانت بورتريهات لبعض الأصدقاء ولأفراد عائلتي، لأني امتلكت الكثير من الوقت الذي أتاح لي التأمل في وجوه الآخرين".

بدأ علاء الدين تجربة أسماها (ألعاب العزلة) رسم فيها نفسه وعددا من الأصدقاء في لوحات تفاعل معها المتابعون لحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو أمر شجّعه على المواصلة والاستمرار.

وبعد أن اعتاد وليد علاء الدين الرسم من جديد، تملّكه الشعور بحاجته إلى استحضار صورة والده وهو يرسم؛ ويقول "أردت البحث عن يد أبي في ذاكرتي، فغامرت بإعادة رسم أصابعه ويديه وهي في أوضاع مختلفة".

221106f4-b15e-418c-a1c2-93f912137346.jpg

المصدر: AWP - مجموعة من لوحات وليد علاء الدين في معرضه (دوائر الهامش) في بيت السناري بالعاصمة المصرية القاهرة. السبت، 30 مارس آذار 2024

وتابع "كانت يد أبي تمثل جزءا من صورته؛ وعلاقتي معها كانت شديدة الخصوصية، لأن أبي لم يكن من الناس الذين يحبّون التعبير عن مشاعرهم، كما لم يكن يجيد الكشف عنها، ولذلك أعطى مشاعره كلها للفن وفضّل دوما أن يأتي التعبير عن مشاعره من خلال الرسم. كانت كفه شديدة الحنان وهي تمتد لتحتضن من حولها".

تألّم وليد علاء الدين كثيرا، لأن والده رحل وهو بعيد عنه نتيجة غربته الطويلة ولم يتمكّن من وداعه؛ لذلك، فقد اقترنت يده في ذاكرته بحضور الأب. وقال "كانت مهمّتي في الرسم تقوم على استحضار هذا الحضور؛ فرسمت يده مئات المرات بألواني كلّها إلى أن استعدت يد أبي واستعدت يدي معها".

* عمل المخيلة

من جهة أخرى، يعكس المعرض خبرات صاحبه مع اللون، ويكشف قدرته على تجهيز الأسطح وامتلاك رؤية فنية مختزلة وقدرة على التعامل مع تحوّلات الألوان وعمليات مزجها وصهرها في تكوينات مدهشة.

وقال وليد علاء الدين "بعد سنوات من ممارسة الإبداع، اقتنعت بأنّ الفارق بين أي إنسان وآخر يرتبط بعمل المخيّلة؛ وهناك من يسعى لتأهيل مخيّلته ورعايتها وتغذيتها دائما بمحفّزات إبداعية تأتي من مصادر مختلفة".

ينظر علاء الدين لمعرضه بوصفه محاولة لاقتناص المخيّلة من خلال وسيلة تعبير جديدة تحرره من المساحة التي حوصر فيها لسنوات طويلة، وهي مساحة الكتابة الروائية والشعرية.

6e34f990-d309-4b9f-b066-9cdd768aa432.jpg

المصدر: AWP - عازف العود مصطفى سعيد يؤدّي وصلته الافتتاحية في معرض الروائي والشاعر وليد علاء الدين (دوائر الهامش) في بيت السناري بالعاصمة المصرية القاهرة. السبت، 30 مارس آذار 2024

وعن هذا قال "بقيت لعدة سنوات محصورا في إطار الكتابة وامتلكت وهما قيدني، وهو أن الموهبة تستيقظ دون جهد من صاحبها، في حين أنّ تجربتي أكّدت لي فيما بعد أنّ أيّ إبداع يحتاج تدريبات يوميّة ويلزمه عمل مستمر".

نظر وليد علاء الدين في كتب التراث الإبداعي، ووجد أنّ العرب لم يتحدثوا قط عن الموهبة؛ كما رأى أنّ حديثهم ظلّ عن العبقرية سعيا لإضفاء طابع أسطوري على الشعر الذي كان أرقى الممارسات الإبداعية لديهم.

وأدرك تدريجيا أن العرب فرّطوا كثيرا في الحديث عن "الصنعة" والقدرات، ولذلك صنفوا الشعراء في طبقات، ومن ثم كان الحديث عن الصنعة لا يقل أبدا عن تناولهم معنى الموهبة.

وقال "كانت لديهم نقاشات مهمة عن مفهوم الملكة والمقدرة، وهو أمر عزز لدي فكرة الاستعداد للرسم بالتدريب اليومي والإيمان بأن كلمة الموهبة دخيلة على الثقافة العربية على نحو ما".

يؤمن وليد علاء الدين في معرضه الأول أن التدريب هو ما يستدعي عمل المخيلة، كما أنّه يجسّر المسافة بين الخيال باعتباره تعبيرا عن المحتوى اللامادي، ولذلك لا يمكن مشاركته مع الآخرين؛ لكنه يحوّله إلى وسيط إبداعي يمكن مشاركته مع الآخرين.

* لوحات تتسم بالتنوع

وتبرز لوحات المعرض قدرة صاحبها على إنتاج لوحات تتسم بالتنوع، فضلا عن خفة الانتقال من التجسيد والاستعمال الحر لـ(الفيجر) إلى إنتاج لوحات حافلة بمختلف أشكال التجريد.

يؤكد الفنّان ميله إلى التجريد؛ ويفضل تجاور المساحات اللونية والأشكال؛ ويرى أنّ التكوينات التي تعتمد على حضور (الفيجر) هي تجربة شديدة الارتباط بكتابة روايته الأحدث (الغميضة)، التي صدرت قبل أربعة أعوام عن (دار الشروق) في مصر، وهي تركز على حضور الوجه والعينين بصورة خاصة.

كما تلجأ الرواية للعبة لتبادل الأقنعة، وتشيع فيها الكثير من الأدوار المرتبطة بشخصية رئيسة تحمل اسم (المتعدد) التي رسمها علاء الدين في أكثر من لوحة تتصدر المعرض.

ويشمل المعرض كذلك مجموعة وجوه تنتمي لعالم الرواية، وهي وجوه يؤكّد الفنان حيرتها ويصفها بالوجوه "البلهاء" الغارقة في التردد.

كما يوجد لدى الفنان تنوع لافت في اختيار موضوعاته، التي تتأرجح بين الفانتازيا الشعبية والحس السريالي الذي يغمرها، إلى جانب غلبه الوجوه والميل إلى استعمال الألوان التي تحيل إلى عناق الأزرق والأخضر والأصفر.

ويرى وليد علاء الدين أنه لن يتوقف في المستقبل عن الرسم، بعد أن أدرك لذة اللعب بالألوان والاستمرار بقدرته على بذل أقصى درجات الجهد لتقديم أعمال متقنة تعرف طريقها إلى المتلقي.