بين اكتظاظ السجون وتخفيف العقوبات.. مقترح قانون "شراء الحرية" يثير الجدل بالعراق
صورة أرشيفية لإحدى جلسات مجلس النواب العراقي
  • بغداد

  • الأحد، ٩ يونيو ٢٠٢٤ في ٨:٢٩ ص
    آخر تحديث : الاثنين، ١٠ يونيو ٢٠٢٤ في ٦:٣٠ ص

بين اكتظاظ السجون وتخفيف العقوبات.. مقترح قانون "شراء الحرية" يثير الجدل بالعراق

(وكالة أنباء العالم العربي) - يثير مقترح قانون "شراء الحرية" الجدل في الأوساط السياسية والاجتماعية في العراق، فالتشريع الذي يمنح السجناء الحرية مقابل المال يواجه العديد من الاعتراضات التي تخشى أن يؤدي إلى شيوع الجريمة وتفاقمها.

وفيما يؤكد البرلمان العراقي أن القانون لن يشمل جرائم الإرهاب والفساد، يحذر باحث اجتماعي من أنه قد يشجع العصابات المنظمة على ارتكاب المزيد من الجرائم، بينما يستبعد محلل سياسي تشريع القانون مؤكدا أنه ليس إلا "ورقة ضغط وتفاوض" تستخدمها قوى سياسية تجاه أخرى.

وكان البرلمان قد وافق في نيسان أبريل الماضي على إدراج مقترح "شراء الحريّة" ضمن جدول أعماله، وبيَّن أن المقترح يتضمن منح المحكوم عليه بعقوبة الحبس ثلاث سنوات الحقَّ بطلب استبدال المتبقي من مدة العقوبة بمبلغ مالي تم تقديره بعشرة آلاف دينار (7.6 دولار) عن كل يوم.

وأشار البرلمان إلى أن المقترح اشترط أن يكون المحكوم عليه مدانا بجرائم بسيطة، مع شرط التنازل من أصحاب الحقّ الشخصي، بينما استثنى المشمولين بقانون العفو سابقا والمحكومين بجرائم الاتجار بالمخدرات والفساد وجرائم أخرى.

ويقول عضو اللجنة القانونية في مجلس النواب العراقي سالم العنبكي لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) إن المقترح "ما زال قيد الدراسة والمناقشة، وهو بكل تأكيد لا يشمل كل السجناء، خاصة المتهمين بقضايا الإرهاب والفساد المالي والإداري".

ويضيف "هذا القانون جاء من أجل معالجة الاكتظاظ الكبير في السجون العراقية وتخفيف الأعباء المالية على الحكومة. والقانون يقتصر تطبيقه فقط على المتهمين بجرائم خفيفة ومن أكمل ثلث العقوبة في السجن، وهو قانون معمول به في الكثير من دول العالم".

ويواصل حديثه قائلا "هناك اعتراضات برلمانية على القانون وهذا أمر طبيعي، فكل جهة لها رأيها الخاص بأي قانون يُقدم إلى مجلس النواب، كما أن هناك خشية من بعض الأطراف من استغلال هذا القانون من خلال بعض الثغرات لإخراج المتهمين بجرائم الفساد أو الإرهاب أو حتى المتاجرة بالمخدرات، ولذا فهناك دقة في دراسة القانون لمنع أي ثغرات فيه".

مشكلة الاكتظاظ

ويؤكد الخبير في الشأن القانوني أمير الدعمي في حديث لوكالة أنباء العالم العربي أن هذا القانون سوف يساعد كثيرا على الحد من اكتظاظ السجون وحل مشكلة "عجزت الحكومات العراقية طيلة السنوات الماضية عن حلها بأي طريقة".

وقال "ليس ثمة عارض قانوني يمنع تشريع قانون شراء الحرية، في ظل تحقق الشروط المطلوبة ومنها التنازل عن الحق الشخصي وشمول بعض السجناء المدانين بجرائم بسيطة وليست جرائم الإرهاب والفساد".

وهو يعتقد أن هذا القانون جاء كحل بديل لقانون العفو الذي يلاقي اعتراضات من قِبل الأطراف السياسية ضمن تحالف الإطار التنسيقي في البرلمان. وقال "هذا القانون سيكون له دعم بكل تأكيد من قِبل الأطراف السياسية السنية وغيرها، فهو سيطلق سراح بعض السجناء مقابل دفع 10 آلاف دينار عراقي عن كل يوم محكومية، بحسب مسودة القانون".

ووفق إحصائيات وزارة العدل والمركز الاستراتيجي لحقوق الانسان، فقد وصلت نسبة الاكتظاظ في السجون العراقية إلى 300 في المئة. وبحسب رئيس المركز فاضل الغراوي، فإن عدد السجناء والموقوفين يصل إلى نحو 100 ألف شخص، مؤكدا أن هذا الرقم يفوق الطاقة الاستيعابية بكثير.

ووجدت منظمة العدالة للسجناء أن 50 بالمئة من السجون العراقية تعاني من الاكتظاظ، وأن 40 بالمئة غير قادرة على توفير المساحة السجنية الكافية، فيما لا تتوفر الخدمات الصحية في سجون النساء أو الأطفال المصاحبين لأمهاتهم.

كما رصدت المنظمة مشاكل عديدة، منها أنه لا يتم فصل الفئات في 72 بالمئة من السجون، كما أن 56 بالمئة من أماكن الاحتجاز غير صالحة، و49 بالمئة من الحمامات غير نظيفة ولا تصلح للاستخدام، فيما لا تتمكن 53 بالمئة منها من توفير الصابون ومساحيق النظافة، وسجلت في 30 بالمئة منها اعترافات بإساءة معاملة.

اعتراضات وتحذيرات

غير أن الباحث في الشأن الاجتماعي فالح القريشي حذر خلال حديث لوكالة أنباء العالم العربي من أن مثل هذه القوانين ربما تكون دافعا نحو ارتكاب الكثير من الجرائم إذ تسمح للمجرم أن يشتري حريته من السجن مقابل مبلغ مالي محدد، "لذا نرى أن هناك خطورة اجتماعية بتشريع هكذا قوانين".

ويلفت القريشي إلى أن هناك "ارتفاعا كبيرا وملحوظا بنسبة الجرائم في المجتمع العراقي، ومن شأن مثل هذه القوانين أن تساهم في تفاقم هذه النسبة بشكل أكبر وأخطر، ولذا يجب التريث في تشريع قوانين لها علاقة مباشرة بالاستقرار المجتمعي والأمني".

وحذر الباحث من خطورة سن قوانين ربما تستغلها عصابات الجريمة المنظمة، وحث على دراسة فقرات القانون المقترح دراسة متأنية لمنع أي ثغرات تسمح باستغلاله، كما طالب بأن تشارك المنظمات المختصة في مناقشة هذا القانون وتقديم المقترحات بشأنه "ليكون قانونا رصينا يمنع إطلاق سراح المجرمين الخطرين على المجتمع أو يكون دافعا لزيادة نسبة الجريمة".

من جانب آخر، يرى المحلل السياسي محمد علي الحكيم أن هذا القانون لا يختلف كثيرا عن قانون العفو العام، لكنه يمكن أن يكون "ورقة ضغط وتفاوض" مع الأطراف السياسية.

قال "هذا القانون لا يمكن تمريره دون وجود اتفاق وتوافق سياسي عليه، خاصة من قبل الإطار التنسيقي الذي يمتلك أغلب مقاعد مجلس النواب؛ فهذا القانون لا يختلف كثيرا عن قانون العفو العام الذي تعارض تشريعه بعض أطراف الإطار".

ويضيف الحكيم قائلا لوكالة أنباء العالم العربي "بعض أطراف الإطار التنسيقي تريد بقاء ورقة السجناء بيدها كورقة ضغط وتفاوض مع الأطراف السياسية السنية، ولا نعتقد أن هذا القانون سوف يشرَّع".

وأشار إلى أن القانون طرحه نواب مستقلون في اللجنة القانونية البرلمانية، "وهذا يعني أنه ليس هناك توافق عليه كونه لم يُطرح من قِبل إحدى القوى الكبيرة والنافذة، ولذا فإن القانون سيبقى قيد المناقشة والدراسة دون تشريعه كما هو حال قانون العفو العام الذي مرت أكثر من سنتين ولم يشرّعه البرلمان بسبب اعتراض أطراف في الإطار التنسيقي عليه".

وفي أيار مايو الماضي، استبعدت اللجنة القانونية في مجلس النواب، قراءة القانون قراءة أولى، مؤكدة أنه مسودة واردة من مجلس القضاء الأعلى قبل أربع سنوات.

(الدولار = 1309دنانير عراقية)