بعد خطر المجاعة.. شبح الموت يلاحق سكان شمال غزة مع أوامر جديدة للإخلاء
صورة أرشيفية - سيدة فلسطينية تعد الطعام لعائلتها على أنقاض منزلهم المدمر في خان يونس بقطاع غزة (23 يونيو حزيران 2024) - المصدر: AWP
  • غزة

  • الثلاثاء، ٩ يوليو ٢٠٢٤ في ٦:٠٨ ص
    آخر تحديث : الثلاثاء، ٩ يوليو ٢٠٢٤ في ٦:٠٨ ص

بعد خطر المجاعة.. شبح الموت يلاحق سكان شمال غزة مع أوامر جديدة للإخلاء

(وكالة أنباء العالم العربي) - يواجه سكان شمال قطاع غزة معاناة جديدة، تضاف إلى صراعهم المستمر في مواجهة الجوع والعطش، بعدما طلب الجيش الإسرائيلي إخلاء مناطق سكنية كبيرة داخل مدينة غزة، تؤوي آلاف السكان الذين أنهكهم النزوح.

فبعد الحصار الخانق ومنع دخول البضائع إلى منطقة شمال وادي غزة وانقطاع المساعدات الإغاثية وندرة مصادر الماء والغذاء، تضاعفت معاناة السكان مساء أمس الأحد؛ بسبب طلب الجيش الإسرائيلي إخلاء مربعات سكنية كبيرة داخل المدينة، تمتد من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، ليُترك سيل المواطنين التائهين في الشوارع في حيرة من أمرهم، لا يعلمون سبيلا إلى مأوى آمن ولو نسبيا.

يروي عبد الرحمن قويدر تفاصيل معاناته وأسرته بعد أوامر إخلاء منطقة سكنهم في حي الدرج، ويقول "بينما نصارع بأجسادنا الهزيلة وطاقتنا المستنزفة وطأة المجاعة الخانقة التي تفتك بنا في غزة والشمال منذ شهور، يُضاف إلى الهم همٌ أكبر باضطرارنا للنزوح مجددا من البيت بناء على بيانات طلب الإخلاء الجديدة التي أصدرها جيش الاحتلال".

ويضيف لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "خرجت وأخوتي وخلفنا أولادنا إلى الشارع، لنشترك رفقة جيراننا في مسير بشري على امتداد البصر. كانت الوجهة في البداية عبور شارع الصحابة ثم إلى ما تبقى من مدارس غرب مدينة غزة، وسط اشتداد القصف المدفعي والجوي خلفنا على المناطق الشرقية من الحي".

وصل قويدر بصحبة آلاف المواطنين إلى مربع المدارس بالقرب من شارع الصناعة؛ ليفاجئهم بعد ساعات قليلة بدء عملية توغل بري لآليات الجيش الإسرائيلي انطلاقا من حي تل الهوا على الطرف الجنوبي من الشارع، ليضطروا للنزوح مجددا إلى مناطق المنتصف من حي الرمال وسط مدينة غزة، تحت وطأة عتمة الليل والقصف المستمر.

لكن تكدس مراكز الإيواء، التي دُمر معظم أجزائها بالفعل، بالنازحين حال دون تمكنه من العثور على ملاذ داخل أسوارها؛ ليضطر هو وأسرته إلى أن يبيتوا ليلتهم مفترشين ركام أحد الأبراج المدمرة بالقرب من ساحة السرايا، في انتظار صباحٍ قد يحمل معه طيفاً لفرج قريب.

صدمة جديدة

وبينما يغرق النازحون من حي التفاح وحي الدرج في بحر الشرود والبحث عن مأوى مؤقت داخل الأحياء الغربية من المدينة، لحين انتهاء العمليات العسكرية المُكثفة في مناطق سكنهم الأصلية؛ فقد تلقوا صدمة أخرى تمثلت في إصدار الجيش الإسرائيلي أوامر جديدة بإخلاء مربعات سكنية ممتدة داخل أحياء تل الهوا والرمال والصبرة والدرج، دون بقاء أي وجهة داخل المدينة للانتقال إليها.

ويقول شادي حسونة، من سكان منطقة الرمال غربي مدينة غزة "استقبلت منطقتنا منذ مساء أمس آلاف النازحين من حي الدرج المهدد بالإخلاء، الذين تكدسوا رفقة من سبقهم في النزوح من أحياء الشجاعية والتفاح داخل مراكز الإيواء والأجزاء المستصلحة نسبياً من بيوت أقاربهم غربي المدينة. وبينما نحن في محاولات مساعدتهم قدر المستطاع واستيعاب بعضهم داخل بيوتنا، فاجأنا جيش الاحتلال بأوامر الإخلاء الجديدة، دون أن ندري مكاناً آخر للذهاب إليه".

ويتابع قائلا "لم تبقِ أوامر الإخلاء المضافة إلى المناطق التي طلب الجيش إخلاءها بالأمس والأيام السابقة أي مربع يمكن الهرب نحوه من العمليات العسكرية ووطأة الاستهداف العشوائي الذي يلاحق المدنيين أينما ارتحلوا. وبينما كنا نحاول مساعدة إخواننا بالأمس، أصبحنا وإياهم أسرى مربع العجز ومحاصرين بالموت من كل جانب، دون ثغرة للنفاذ إلى منطقة تخلو من القصف المستمر".

أما حليمة خليفة (75 عاما) والتي تجلس على كرسي متحرك، فتسرد تفاصيل رحلتها من منطقة الشمعة في حي الزيتون إلى حي الصبرة.

وتقول "تناوب أحفادي لدفعي في رحلة شاقة على كرسي المتحرك نحو بيت أقارب لنا في حي الصبرة، بعد أن فزعنا مشهد إخلاء مستشفى المعمداني بالقرب من بيتنا؛ ليزيد وقع الحفر وبقايا الركام التي تغطي الشوارع من أوجاع قدمي وجسدي ومعاناة الانتقال، ونصل إلى وجهتنا مثقلين بالتعب".

ولم تكد حليمة تلتقط أنفاسها، حتى وقع خبر تجدد طلب الإخلاء واتساع رقعته ليشمل مكانهم الجديد كالصاعقة عليها وعلى أسرتها؛ ويضطر أفراد العائلة للانطلاق في رحلة بحث جديدة عن مربع خارج حدود العمليات العسكرية الجارية، دون أمل في الوصول إلى حل؛ ليؤثروا البقاء في مكانهم والإذعان للقدر.

من مربع خطر إلى مربع خطر

وفي منطقة أخرى، رافقت سلمى الرفاتي طفلها يحيى، المصاب بشظايا متعددة في مناطق متفرقة من جسده، في رحلة نقله من مستشفى المعمداني إلى مستشفى العودة في محافظة شمال غزة؛ رغم خطورة وضعه الصحي.

وتقول سلمى "أصيب يحيى بإصابات بالغة الخطورة بسبب القصف المدفعي المستمر على الأحياء الشرقية من مدينة غزة، وأودع قسم العناية في مستشفى المعمداني؛ إلا أن التطورات الجديدة أجبرتني على الانتقال به نحو مستشفى العودة، تحت خشية الموت وتضاعف الخطر على حياته نتيجة حالته التي لا تسمح بنقله؛ علاوةً على شُح العلاج والمستلزمات الطبية في جميع مستشفيات قطاع غزة، لكن لم يكن أمامي خيار آخر".

وتكمل "استذكرت مخيلتي كل اللحظات المأساوية التي تعرض لها مستشفى المعمداني خلال عمليات جيش الاحتلال السابقة التي استهدفت المستشفى بالقصف والاقتحام، وتملكني الخوف من تكرار هذه المشاهد وأنا مستسلمة لعجزي بجوار يحيى".

وتتابع قائلة "كان علي أن أفعل أي شيء في محاولة الحفاظ على حياة طفلي بأي طريقة، ولو كان ذلك بالانتقال من مربع خطر إلى مربع خطر آخر".

وطالبت سلمى المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان والمنظمات الصحية بالتدخل العاجل من أجل "الوقف الفوري لحرب الإبادة على غزة" وضمان حماية المدنيين وتوفير العلاج اللازم للمصابين والحفاظ على حياتهم.