• فاس

  • الخميس، ٦ يونيو ٢٠٢٤ في ١٠:٤١ ص
    آخر تحديث : الخميس، ٦ يونيو ٢٠٢٤ في ١٠:٤١ ص

أزمة المياه تهدد القطاع الفلاحي والأمن الغذائي بالمغرب وتكيل الانتقادات لسياساته الزراعية

(وكالة أنباء العالم العربي) - يسهم قطاع الزراعة بالمغرب بما يصل إلى 15 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو القطاع الرئيسي لعمل أهل الريف، ويلعب دورا أساسيا في الأمن الغذائي بالبلاد، الأمر الذي جعله قطاعا استراتيجيا للاقتصاد الوطني.

وعلى مدى العقود الماضية، تكررت حالات الجفاف في المغرب، بل وتزايدت مُددها ومساحاتها، وانخفضت موارد المياه السطحية والجوفية إلى مستوى غير مسبوق.

ووجه المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية انتقادات شديدة للسياسات الزراعية التي اعتمدها المغرب من خلال (مخطط المغرب الأخضر) الذي أُطلق عام 2008 كأول استراتيجية فلاحية يتم تنفيذها بالبلاد، والذي يهدف لتكثيف الإنتاج الزراعي والاستثمار فيه.

وذكر تقرير للمعهد الملكي، المعني بإجراء دراسات حول القضايا التي تحال إليه من طرف الملك، صدر في أواخر شهر فبراير شباط الماضي ونُشر على صفحته الإلكترونية منذ بضعة أيام أن القطاع الزراعي يستنزف ما يقارب 85 بالمئة من الموارد المائية المتجددة بالبلاد، مؤكدا أن المغرب أصبح مهددا حاليا بندرة المياه بسبب الإجهاد المائي خلال العقدين الأخيرين.

وجاء في التقرير أن قضية ندرة المياه أصبحت في مقدمة المشاكل بالمغرب ومن أهم همومه، حتى أن مسألة أمن إمدادات مياه الشرب للسكان واستدامة الزراعة والحفاظ عليها باتت مصدر قلق كبير إلى جانب الأمن الغذائي.

وبسبب تغير المناخ، تواجه الزراعة المغربية تحديات تهدد جميع مواردها الطبيعية الأساسية، مما يؤدي بدوره إلى تقلبات شديدة في مستويات الإنتاج الزراعي وإلى تفاقم آثارها الاقتصادية والاجتماعية على السكان.

نضوب وتصحر

أكد تقرير المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية أن التساقطات المطرية سجلت انخفاضا واضحا، ما أثر بقوة على دورات إنتاج المحاصيل وعلى الثروة الحيوانية والمراعي والغابات مع انتشار الجفاف وتأثر الأنشطة الزراعية بسبب زيادة التبخر.

وأشار التقرير إلى تدهور التربة وانتشار التصحر في مساحات زراعية شاسعة، إلى حد أن بعض المناطق قد تصبح غير صالحة للزراعة بسبب تدهور الموارد الطبيعية وتأثر التنوع البيولوجي.

وأضاف أنه في السنوات الأخيرة "وجدت العديد من المناطق المائية الكبيرة والصغيرة والمتوسطة الحجم بالمغرب نفسها دون ماء، ووصل معدل ملء معظم السدود إلى مستويات كارثية، وأصبح منسوب المياه الجوفية مهددا بالنضوب الذي لا رجعة فيه".

إلا أن المعهد شدد على أن تغير المناخ ليس وحده السبب في هذا النضوب "إذ ساهمت السياسات العامة المتبعة في ذلك أيضا".

وأكد التقرير أن الخيارات التي فضَّلتها سياسات المغرب الزراعية ساهمت أيضا بقوة في الاستنزاف التدريجي للموارد المائية التقليدية منذ إطلاق سياسة السدود في الستينيات بهدف الوصول إلى مليون هكتار مروية بحلول عام 2000.

وانتقد المعهد الملكي التركيز على زرع منتجات يتجاوز المعروض منها الطلب، وقال إن المغرب لم يوّل مسألة التحكم في مياه الزراعة اهتماما كافيا.

وأضاف أن ضخ المياه الجوفية استمر في التوسع منذ موجة الجفاف التي شهدتها البلاد في أوائل الثمانينيات، غير أنه شهد تدهورا حادا مع ظهور مخطط المغرب الأخضر الذي أدى إلى دعم نظام الري بالتنقيط في إطار البرنامج الوطني لتوفير مياه الري.

أزمة غير مسبوقة

لم يكن تقرير المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية وحده من طرق باب الأزمة ودق نواقيس الخطر، فهناك أيضا العديد من المختصين الذين لفتوا إلى خطورة الوضع.

ويرى جواد الكردادي، المختص في الزراعة والفلاحة العصرية وبدائل الفلاحة التقليدية، أنه في الوقت الذي يشهد المغرب فيه ندرة غير مسبوقة في المياه فإنه يُهدر المتوافر منها في اتجاهات لا تخدم القطاع.

وقال لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "بالرغم من أن مخطط المغرب الأخضر عمل على أجندات زراعية مهمة، فإنه لم يخدم الصالح العام كما الصالح الخاص، ولم يقترب من الفلاح الصغير".

وأضاف "سواء تعلق الأمر بالخضروات أو الزراعات العلفية أو القطاني (البقوليات) والذرة، فإن المخطط لم يخدم هذا الجانب، بل توجه إلى أصحاب المشاريع الكبرى التي تخدم المصالح الخاصة لأصحابها وتعتمد بالدرجة الأولى على الاستيراد".

وهو يعتقد أن على المغرب تفادي الزراعة التي تعتمد على المياه الجوفية والاتجاه إلى الزراعات التي لا تستنزف من الماء إلا القليل. وقال "من غير المعقول استنزاف كميات هائلة من الماء على منتوجات لن يستفيد منها المغاربة ويتم تصديرها إلى الخارج".

وأعطى مثالا بفاكهة الأفوكادو التي ينتج المغرب كميات كبيرة منها والتي تستهلك كميات ضخمة من الماء، وقال "المغاربة ليسوا في حاجة ماسة إلى إنتاج هذه الفاكهة بكميات كبيرة، وكان من الأجدر استغلال هذه المياه في خضروات يستعملونها في حياتهم اليومية".

وتابع "في المقابل نرى في بعض الدول أنهم حاولوا التطوير من أنفسهم وقاموا بإنتاج الشعير مثلا بكميات وفيرة دون استهلاك كميات كبيرة من المياه، حتى ما إذا واجهتهم أزمة جفاف استطاعوا تداركها".

وأضاف "المغرب حاليا يشتغل في هذا الإطار، غير أنه متأخر بعض الشيء".

وحول مخطط المغرب الأخضر قال "الأمور في بدايتها كانت جيدة وتخدم المواطن المغربي، غير أن الانتقادات بدأت تطاله في الفترة الأخيرة". وأرجع ذلك إلى أن بعض القرارات اتُخذت في غير وقتها "ولا تولي اعتبارا للفلاح الصغير مما ساهم في نزوح عدد كبير من الفلاحين إلى المناطق الحضرية".

الأمن الغذائي

ويقول المستشار الفلاحي إبراهيم العنبي إن مخطط المغرب الأخضر من المشاريع التي اهتمت بالأمن الغذائي بشدة، حتى أن المساحة المخصصة للخضروات والفواكه كانت جاهزة قبل الموعد الذي كانت مقررة فيه في 2020.

وتابع قائلا لوكالة أنباء العالم العربي "في بعض الزراعات كالحبوب مثلا، لم ينجح المخطط لعدم إعطائه أهمية لإنتاج نصف احتياجات المغرب على الأقل"، مشيرا إلى أن الحبوب تعتمد أساسا على الأمطار وكان مخصصا لها خمسة ملايين هكتار سنويا، غير أن المغرب "كان يعمل على الرفع من المساحة أكثر من الرفع من الإنتاجية".

ولفت إلى أن إنتاج المغرب من الحبوب لا يتعدى 20 قنطارا فقط في الهكتار وقال "المخطط لم يشتغل على الرفع من الإنتاجية إلى 30 قنطارا في الهكتار كما هو الأمر بالنسبة لبعض الدول المجاورة التي لها نفس الظروف المناخية، وإلا كنا غطينا على الأقل 70 إلى 80 في المئة من الاحتياجات السنوية حتى في ظروف الجفاف".

وأشار إلى الجدل المثار منذ فترة حول زراعة الأفوكادو والبطيخ والتمور التي تستهلك كميات كبيرة من الماء سنويا، وقال إن مثل هذه المنتجات "استنزفت الفرشة المائية بالبلاد ما أدى إلى قرار الحكومة المغربية العام الماضي رفع دعم هذه الزراعات خاصة الأفوكادو".

وأوضح أن زراعة الأفوكادو مربحة جدا، وهو ما دفع إلى زيادة مساحات زراعة هذه الفاكهة.

واختتم حديثه قائلا "في المقابل لم يصل المغرب إلى حل، خاصة وأن وقف الدعم كان الهدف منه وضع حد لازدياد المساحات، لكن ما حصل كان العكس تماما".