استحداث منطقتين للصناعات العسكريّة في المغرب سيحفّز المستثمرين ويخفّض فاتورة الواردات الدفاعية
مركبات تابعة للجيش المغربي بإقليم الحوز وسط البلاد ( 18 سبتمبر أيلول 2023)
  • الرباط

  • الجمعة، ٧ يونيو ٢٠٢٤ في ٥:١٧ م
    آخر تحديث : الاثنين، ١٠ يونيو ٢٠٢٤ في ٦:١٦ ص

استحداث منطقتين للصناعات العسكريّة في المغرب سيحفّز المستثمرين ويخفّض فاتورة الواردات الدفاعية

(وكالة أنباء العالم العربي) - شهدت السنوات الأخيرة اتجاها مغربيّا نحو تعزيز قطاع الصناعات الدفاعيّة في البلاد؛ وفي مطلع هذا الشهر، صادق المجلس الوزاري المغربي على مرسوم لاستحداث منطقتين للصناعات العسكرية بهدف توفير حاضنة صناعيّة لإنتاج معدّات دفاع وأمن وأنظمة أسلحة وذخيرة.

ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس بالعاصمة المغربية الرباط محمد شقير، المتخصّص في الشؤون العسكريّة، أنّ إنشاء المنطقتين الصناعيّتين "جاء في سياق مرتبط بالمصادقة على ترسانة قانونيّة، من خلال تضمينها لمجموعة من البنود التي تسهّل الاستثمار الأجنبيّ في الصناعة العسكريّة".

وقال شقير في حوار أجرته معه وكالة أنباء العالم العربي (AWP) إن "المصادقة على هذه الترسانة القانونيّة، تلتها مباشرة مرحلة إيجاد الأرضيّة الصناعيّة للاستثمار في هذه الصناعات؛ وخلق هاتين المنطقتين الصناعيّتين، جاء على غرار خلقه (المغرب) لمناطق صناعيّة على الصعيد المدنيّ.

كان المغرب قد أقام عدّة شراكات عالميّة لتعزيز قدراته في التصنيع العسكري؛ كما استثمر في البحث والتطوير، مع التركيز على تطوير أنظمة دفاعيّة متقدّمة وتكنولوجيا الطائرات بدون طيار (الدرون) واستحدث مصانع ومنشآت لهذا الغرض.

ويرى شقير أنّ إنشاء هاتين المنطقتيْن الصناعيّتين كان ضروريّا لتسهيل مهمّة المستثمرين الأجانب والمحليّين، حيث يشير إلى أنّ ما اتّخذه المغرب من خطوات "أوجد الإطار الذي سيسهّل على المستثمرين خلق هذه الصناعات، خاصة بمنطقتي بن سليمان والنواصر" في ضواحي العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء.

استثمار وخفض لفاتورة الاستيراد

وينظر الخبير المتخصّص في الشؤون العسكريّة إلى هذا الأمر أيضا من منظور دفاعيّ، حيث قال إنّ "أيّ دولة تُحاول أن تتحوّل إلى قوّة إقليميّة في أيّ منطقة من المناطق – بما في ذلك المغرب – من المفترض أن تتوفّر على صناعة عسكريّة".

أضاف "وبحكم أنّ المغرب يطمح لأن يتحوّل إلى قوّة إقليميّة مستقرّة، خاصّة في شمال أفريقيا، فقد كان من المفترض أن يتوفّر على صناعة عسكريّة على غرار كلٍّ من مصر وبعض الدول العربية".

ويحتلّ المغرب المرتبة 61 عالميّا والسابعة أفريقيّا ضمن جيوش العالم، وفقا لأحدث تصنيفات (غلوبال فاير باور) للقوّة العسكريّة للدول في أنحاء العالم.

وقال شقير "المغرب سعى إلى خلق صناعة عسكريّة، سواء فيما يتعلّق بصناعات نوعيّة خاصّة من العتاد العسكري، أو من خلال صناعة طائرات بدون طيار... أظنّ أنّ هذه المسألة، بالإضافة إلى هذا التحوّل إلى قوة إقليمية، تدخل أيضا في إطار التخفيض من الإنفاق العسكري".

وأوضح أنّ المغرب أبرم مجموعة من الاتفاقيات نتجت عنها نفقات عسكريّة ضخمة وتحويل مبالغ كبيرة بالعملة الصعبة إلى الخارج لتغطية صفقات التسلّح، وهو ما دفعه – بحسب رأي شقير – إلى خفض هذا الإنفاق بعض الشيء من خلال الاعتماد على الصناعة المحليّة.

وتبلغ مخصصات الدفاع في ميزانية المغرب لهذا العام 124.7 مليار درهم (حوالي 12.6 مليار دولار أميركي)، مقارنة مع 120 مليار درهم في العام الماضي. وكان الوزير المنتدب المكلّف بإدارة الدفاع الوطني في المغرب عبد اللطيف لوديي قد اعتبر أنّ ميزانية الدفاع لعام 2023، التي شكّلت خمسة في المئة فقط من ميزانية البلاد، غير كافية.

وبحسب دراسة نشرها (معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام) في مارس آذار الماضي، فقد احتلّ المغرب المرتبة 29 عالميّا بين كبار مستوردي الأسلحة؛ وكانت الولايات المتحدة أكبر مصدّر للسلاح إليه بحصة نسبتها 69%، تلتها فرنسا بحصة نسبتها 14 في المئة.

ومثّلت هذه الواردات المغربية 0.8% من أجمالي واردات الأسلحة العالمية في الفترة من 2019 إلى 2023، انخفاضا من 1.4% في 2014-2018. وبلغ معدّل انخفاض واردات المغرب من الأسلحة في الفترة من 2019 إلى 2023 نحو 46% مقارنة بالفترة من 2014 إلى عام 2018.

تخلّص من "التبعية"

ويرى شقير أن التوجّه المغربي إلى تعزيز الصناعات العسكريّة ينطوي أيضا على رغبة في التخلّص مما وصفها بالتبعية في استيراد الأسلحة والانكشاف على المخاطر التي قد تفرزها المتغيرات الدولية.

وقال إنّ "الحرب الروسيّة الأوكرانيّة بيّنت أنّ التبعية في استيراد الذخائر ممكن أن تؤدّي إلى عدم الحصول على هذه الذخائر، وهذا ما حدث مع الجزائر، التي كانت ترغب في اقتناء مجموعة من العتاد العسكري غير أنّ روسيا خاضت حربا مع أوكرانيا وكانت في حاجة إلى هذه الذخائر، ما جعلها تتأخّر في مدّ الجزائر بهذا النوع من العتاد".

أضاف "أظنّ أنّ هذه المسالة ربّما جعلت المغرب، وحتّى لا يبقى تابعا بشكل مُطلق لشركائه الخارجيّين، يفكّر في أنّ هذا النوع من الصناعات سيضمن له نسبة معيّنة مما يحتاجه من العتاد العسكري، وربما التفكير على المدى القصير أو المتوسّط في تصديره إلى دولٍ أخرى في أفريقيا".

واعتبر أنّ تطوّر بعض الصناعات في المغرب، خصوصا صناعة الطائرات المدنيّة، جعله يكتسب أرضيّة قد تؤهّله للحصول على كفاءات يُمكن استغلالها في الصناعات العسكريّة".

من جانبه، يرى موسى المالكي، رئيس المنتدى الأفريقي للتنمية والأبحاث الجغرافيّة والاستراتيجية، أنّ مسألة التصنيع العسكري بالمغرب والصناعات الدفاعيّة "شهدت تطوّرات متسارعة منذ إعلان الملك محمد السادس عن مجموعة من المفاهيم في ظلّ المتغيّرات الجيوستراتيجيّة الكبرى التي يعرفها العالم".

وقال "هذه المفاهيم تتعلّق بالسيادة الصحيّة والطاقيّة والصناعيّة وأيضا الدفاعيّة، وقد وجدت أرضيّة خصبة بالمغرب، بحيث أنه منذ عام 2000، وخاصة مع تأسيس ميناء طنجة المتوسط عام 2004 والمنصّات الصناعيّة المرتبطة به، أصبحت للبلاد بنية تحتية وقاعدة مشجّعة على استقبال الصناعات الدفاعيّة".

تعزيز للسيادة

وأوضح المالكي أنّ "المغرب أعلن عن استحداث منطقتيْن صناعيّتين سابقا؛ وفي عام 2020، كان الإعلان عن قانون التصنيع العسكريّ والصناعات الدفاعيّة في المغرب... ما يعني أنّنا على مسار مأسسة وتقنين تؤطر هذا النوع من الصناعات، خاصة أنّ هناك مجموعة من الشركات العالميّة التي أبدت رغبتها واستعدادها لدخول سوق التصنيع بالمغرب بشراكة ومساهمة مغربية في إطار التعاون".

وأشار إلى أنّ المغرب أطلق نماذج أولى لطائرات بدون طيار، وكانت له تجربة في صيانة الطائرات والمعدّات العسكريّة والحرب الإلكترونيّة، قائلا إن "كلّ هذه السياقات كانت بحرص ملكيّ على تحويل المغرب إلى قوّة إقليميّة، ليس فقط في شمال أفريقيا وحوض البحر المتوسط، وإنّما أيضا في القارة الأفريقية والعالم ككل".

وقال إن "هذا الأمر يحتاج صناعة دفاعيّة مغربيّة قويّة تعزّز سيادته وقوته في الدفاع عن مصالحه العليا، بالإضافة إلى التنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي يعرفها، وإحداث فرص شغل (عمل) ومقاولات وتقليص فاتورة استيراد الأسلحة من الخارج".

واعتبر أيضا أنّ تعزيز التصنيع العسكري "سيكون مفيداً لحلفاء المغرب من بلدان الساحل والبلدان الأفريقية المطلّة على المُحيط الأطلسي، في إطار المبادرة الملكيّة التي أعلن عنها عاهل البلاد، خاصة فيما يتعلّق بمكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للقارات والتعاون الأمني ودعم الأمن والاستقرار في المنطقة والأمن البحري".

وتابع "ستكون هذه القفزة النوعيّة التي يحقّقها المغرب إحدى ركائز الأمن والاستقرار في المنطقة وبلدان الساحل وغرب أفريقيا، خاصة وأنه يتقاسم دائما خبرته الأمنيّة مع أصدقائه وحلفائه ويساهم في ترسيخ الأمن والاستقرار في مجموعة من البلدان الأفريقية".

(الدولار الأميركي يُساوي 9.91 درهم مغربي)