• دمشق

  • الاثنين، ١ يوليو ٢٠٢٤ في ٥:٠٣ ص
    آخر تحديث : الاثنين، ١ يوليو ٢٠٢٤ في ٥:٠٣ ص

ارتفاع أسعار مواد البناء يهوي بسوق العقارات في سوريا في براثن الركود والعمال أكثر المتضررين

(وكالة أنباء العالم العربي) - حائرا وصامتا يجلس رامي محمد، أمام معمله لبيع البلوك (الطوب) في حي التربة بمدينة جرمانا في ريف دمشق، يراقب المارة بالقرب من الطريق العام على أمل أن يتقدم زبون، في ظل جمود الحركة العمرانية في البلاد.

وأدى ارتفاع أسعار المواد الأولية للبناء في سوريا إلى عزوف عن تشييد أبنية جديدة، أو ترميم المنازل التي تضررت بفعل الحرب أو الزلزال الذي ضرب شمال البلاد في العام الماضي، مما تسبب في توقف شبه تام للأعمال المرتبطة بالبناء والتطوير العقاري.

كما دفعت زيادة تكاليف البناء بعد غلاء المكونات، من رمل وبلوك وحديد وإسمنت، كثيرا من مقاولي البناء للتوقف عن العمل إلى أن تهدأ الأسعار، مما أثر سلبا على العاملين في المهن المرتبطة بهذا القطاع، مثل العاملين في البناء والطلاء والتمديدات الكهربائية والصحية وغيرها.

وقال محمد وهو في الأربعينات من العمر، إنه لم يبع "بلوكة" واحدة منذ عشرة أيام، وهو ما يضعه أمام تحديدات كيفية تأمين مصاريف المعيشة اليومية لأسرته.

وأضاف أنه اضطر إلى تخفيض عدد العمال وتقليل الإنتاج، بسبب قلة الطلب على المواد نتيجة تراجع حركة بناء وبيع وشراء العقارات، مرجعا ارتفاع أسعار المواد إلى انخفاض قيمة الليرة السورية وتطبيق قانون "قيصر" (العقوبات الأميركية) الذي أثَّر بشكل سلبي على عملهم.

وأوضح أن أغلب مواد البناء الأساسية، من حديد وإسمنت ومواد صناعة البلوك، يتم تسعيرها وفقا لسعر صرف الدولار، الأمر الذي أدى إلى تخفيض الإنتاج في معمله من 4000 بلوك يوميا، إلى أقل من 1000.

وأضاف "معظم السكان تراجعوا عن بناء العقارات، لأنهم يتقاضون مداخيلهم بالعملة السورية، ولا يمكنهم شراء مواد يتم تسعيرها وفقا لسعر الدولار".

ويقف الرجل حائرا لعدم وجود حلول بديلة أمامه، غير أنه يشير إلى أنه يسعى للحفاظ على مهنته التي يعمل بها منذ 25 عاما، مضيفا "نأمل أن تتحسن الأوضاع ويعود كل شيء كما السابق".

من "الركود" إلى "السبات"

وقال محمد الحافظ (45 عاما)، وهو أحد المتعهدين في دمشق، لوكالة أنباء العالم العربي إن حركة البناء تجاوزت مرحلة الركود إلى ما يمكن وصفه بـ"السبات"، حيث قدر نسبة التباطؤ بنحو 50 في المائة مقارنة بالعام الماضي، ويعود ذلك بحسب قوله إلى "قرارات الحكومة حول رفع كافة أسعار مستلزمات البناء وحوامل الطاقة والضرائب".

وذكر المتعهد أن سعر طن الحديد الملولب (التسليح) أصبح 11.7 مليون ليرة، مقارنة مع 6.3 مليون ليرة العام الماضي، في حين بلغ سعر طن الإسمنت 2.45 مليون ليرة، مقارنة مع مليون ليرة في 2023.

وأضاف المتعهد أن كلفة متر البناء على الهيكل تصل اليوم إلى مليوني ليرة، في حين أن كلفة متر الإكساء (التشطيبات) تبدأ من مليوني ليرة، وقد تصل لحدود 2.5 مليون وتتجاوز ذلك أحيانا حسب نوعية المواد المستخدمة، وما إذا كانت مستوردة أم محلية الصنع.

وأضاف "غلاء الإسمنت، والقيمة الرائجة للرسوم المالية والرسوم النقابية، كأنياب ذئب مزقت حركة البناء وأدت إلى تفسخ سوق العمل العمراني"، مؤكدا أن جمود الحركة العمرانية شلّ كذلك الحركة الاقتصادية في دمشق "لأن عملية البناء تحرك سوق العمل وسوق المهن ومستلزمات البناء، الأمر أثّر كذلك على عمّال البناء، إذ يبقى الكثير منهم في منازلهم بدون عمل".

ومن جهته، وصف محمد بغدادي وهو مدير شركة للإنشاءات في دمشق ما تشهده حركة البناء بـ"الجمود القاتل".

وأشار في حديثه لوكالة أنباء العالم العربي إلى أن أعمال البناء "القليلة" التي تجري الآن هي لمشاريع قديمة لم تُستَكمل سابقا، "بينما لا تتوفر مشاريع جديدة لدى متعهدي البناء عموما، وحتى الطلب على الشقق السكنية انخفض بشكل كبير... مما يضطر المستثمرين إلى بيع الشقق المبنية خلال العام الماضي بسعر الكلفة".

وأكد أن تكلفة إنشاء عقار لا يمكن أن تقل اليوم عن 800 مليون ليرة، مضيفا أن هذه تكلفة البناء فقط بغض النظر عن كلفة الأرض والمرافق العامة، ,مشيرا إلى أن العقار الذي كان ثمنه قبل عام 2011 نحو 5 ملايين ليرة فإنه يبلغ اليوم مليار ليرة.

أسعار أقل من التكلفة

ويقول الخبير الاقتصادي محمد الجلالي إنه نتيجة لارتفاع تكاليف البناء في بعض المناطق، تكاد تكون أسعار بيع العقارات فيها أقل من التكاليف.

ولفت إلى أن سوق العقارات بشكل عام في حالة ركود، ورغم تغيرات سعر الصرف بقيت أسعار العقارات المعروضة أقل من التكلفة.

وذكر أيضا أن تغيرات سعر الصرف الأخيرة أثرت بشكل كبير في أسعار مواد البناء وعلى وجه الخصوص الحديد، ودفعت المقاولين الأفراد بالقطاع الخاص للتوقف عن العمل لحين استقرار سعر الصرف وبالتالي البيع بأسعار جديدة، معتبرا أن هذه الظاهرة باتت اعتيادية في ظل تغير سعر الصرف، وأنها تشمل معظم المهن التجارية الأخرى.

وأشار الجلالي أيضا إلى استحواذ رؤوس الأموال والشركات الضخمة على قطاع البناء، مضيفا أن الحركة العمرانية محدودة وليست كالمتوقع في فترة إعادة الإعمار، وأن 50% من العمال باتوا عاطلين عن العمل بسبب هذا الركود.

العمال أكثر المتضررين

وتضرر معظم السوريين من الأزمة الاقتصادية الخانقة وفي مقدمتهم العمال الذين يتقاضون أجورا قليلة بمن فيهم عمال المياومة.

ويعمل زهير البدوي في مجال البناء منذ أكثر من 20 عاما، وهو مصدر رزقه الرئيسي، لكن تراجع العمل تسبّب في بطالة مجموعة من رفاقه، فضلًا عن توقف الأعمال التي كان يتسلّمها بشكل دوري.

وقال البدوي، وهو في الثلاثينات من العمر وأب لخمسة أولاد، إنه بسبب ركود العمل بدأ جديا في البحث عن عمل بديل، وأضاف، "كل يوم لا أعمل به يعتبر خسارة كبيرة لنا، خصوصاً أننا لا نملك أي مدخرات مالية تساعدنا على إطعام أطفالنا"

وأضاف أنه، في ظل تراجع حركة الإعمار وقلة الأعمال، وافق على أجرة متدنية مقابل أن يعمل في ورشة لبناء أحد المنازل.

ويعاني أيضا أبو غسان، العامل في مجال التركيبات الصحية في دمشق، من الصعوبات نفسها، ويقول لوكالة أنباء العالم العربي "أصبح تأمين عمل في المدينة غاية في الصعوبة، وبالكاد نعمل في الشهر عدة أيام، ولا يسعنا إلا أن نجلس في المنزل بانتظار تغير هذه الأوضاع".

ويضيف "معيشتي مرتبطة بعملي، ويوميتي لا تكفي لشراء ضروريات الحياة".

كانت المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سوريا، سهير زقوت، قد أفادت في فبراير شباط الماضي بأن قرابة 70 بالمئة من السوريين يعيشون تحت "خط الفقر الدولي". وأكدت زقوت في حديث لإذاعة "المدينة إف إم" المحلية، أنه من بين هؤلاء "هناك 30 بالمئة يعيشون تحت خط الفقر المدقع".

وتابعت تقول "يوجد 16 مليونا و700 ألف سوري بحاجة إلى مساعدات"، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن "هناك تبعات للحرب والزلزال على الصحة النفسية والاقتصاد خصوصاً وأن سلة الاحتياجات الأساسية للعائلة السورية تضاعف سعرها 4 مرات عن السنة السابقة".

الدولار = 13600 ليرة (السوق الرسمية)
الدولار = 14800 ليرة (السوق الموازية)