انقسامات حادّة تُهدّد وحدة أحد أعرق الأحزاب السياسيّة في موريتانيا
awp - رئيس حزب تكتّل القوى الديمقراطية أحمد ولد داداه يتحدث في مهرجان شعبي نظمته أحزاب المعارضة في العاصمة الموريتانية نواكشوط. 25 مايو أيار 2023
  • نواكشوط

  • الجمعة، ٢٦ أبريل ٢٠٢٤ في ٧:٤٨:٣٧ م
    آخر تحديث : الجمعة، ٢٦ أبريل ٢٠٢٤ في ٧:٥٤ م

انقسامات حادّة تُهدّد وحدة أحد أعرق الأحزاب السياسيّة في موريتانيا

(وكالة أنباء العالم العربي) - بعد شدّ وجذب وصراع بين أجنحة حزب تكتل القوى الديمقراطيّة استمر لأشهر، تمكّن الجناح الإصلاحي في الحزب أخيرا من إجراء تغييرات على مستوى هيكلته، وذلك خلال مؤتمر استثنائي عُقد الشهر الماضي.

أبقت مخرجات ذلك المؤتمر على أحمد ولد داداه رئيسا للحزب، بالإضافة إلى تعيين تسعة نواب له، وأمين خزينة، ورئيس المجلس الوطني، ورئيس لجنة الحكماء.

لكن الجناح المُعارض في الحزب لم يعترف بتلك التغييرات الجديدة، واعتبر المؤتمر نفسه غير قانوني ومخرجاته غير ملزمة؛ كما عدّ تحويل الاختلاف مع قيادة الحزب في نقاط معيّنة إلى مؤتمر استثنائي أمرا غير مقبول بالنسبة له.

وكانت الأزمة قد بدأت تطفو على السطح الشهر الماضي، حين أصدر الحزب بيانا موقّعا من رئيسه ولد داداه يدعو إلى مؤتمر استثنائي لتجديد هياكل الحزب وإجراء مراجعة نقديّة بعدما لم يتمكّن الحزب من الحصول على أيّ مقعد في البرلمان في الانتخابات المحليّة الماضية.

كانت الخلافات والانقسامات تدبّ في جسد الحزب؛ لكنّها ظلّت داخل الغرف المغلقة دون أن تظهر للعلن إلا مع الانتخابات الماضية حين أعلن عدد من قيادات الحزب الانسحاب احتجاجا على اللوائح التي دفع بها التكتّل في الانتخابات. وتعمّقت تلك الاختلافات حين أعلنت الدعوة للمؤتمر الاستثنائي.

* شدّ وجذب

ويتصارع جناحان، يتمثّلان في المكتب التنفيذيّ وبعض القيادات الأخرى التي تُعارض انعقاد المؤتمر، إذ يتراشق الجناحان بالبيانات الموقّعة باسم رئيس الحزب، الذي يمرّ بظرف صحيّ جرّاء تقدّمه في العمر جعله غير قادر على أداء مهامه كرئيس للحزب.

ويسوّغ المكتب التنفيذي للحزب انعقاد هذا المؤتمر بأنّه جاء بناء على دعوة شخصية من ولد داداه؛ وقد أوكل المكتب لجنة للتحضير للمؤتمر، لم يصل إليها منه أي قرار بالتأجيل أو الإلغاء.

لكن محمد عبد الله ولد أشفاغه، رئيس اللجنة المكلّفة بالتحضير للمؤتمر، قال إنّ الأعضاء تفاجأوا بإغلاق المقر المركزي في 23 مارس آذار الماضي، وهو اليوم الذي كان من المفترض أن ينعقد فيه المؤتمر. دفع هذا المكتب إلى عقد اجتماع قرّر فيه تأجيل المؤتمر.

ويرى الجناح المؤيد للمؤتمر أنّ الحزب بحاجة إلى إجراء إصلاحات شاملة تعيد إليه هيبته التي افتقدها في السنوات الأخيرة؛ لكن في المقابل، يرى الجناح المعارض أنّ هذا الوقت ليس ملائما لعقد مؤتمر استثنائي، نظرا للانقسامات الحادة وتباين الآراء بين قيادات الحزب.

ويرى المعارضون أنّ الاجتماعات الداخليّة والحوارات البنّاءة يجب أن تسبق أي محاولة لعقد مؤتمر استثنائي، من أجل ضمان توافق الآراء وتجنّب تفاقم الانقسامات.

* مرحلة شيخوخة

لم يعد التكتل في السنوات الأخيرة كما كان واجهة للمعارضة وامتلاك قاعدة شعبية مؤثرة في الانتخابات، بعد انشقاق كتل كبيرة وانسحابها، ما زاد انحرافه عن الطريق الذي انتهجه والمتمثل في معارضة الأنظمة.

في هذا السياق، يرى الصحفيّ سيدي محمد ولد بلعمش أنّ من أسباب تراجع حزب التكتّل تعرّضه لهزّات كبيرة خلال السنوات العشر الأخيرة، تتمثّل في تلك الانشقاقات والانسحابات.

وقال ولد بلعمش في حديث لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) إنّ الحزب يمرّ بمرحلة "شيخوخة" نتيجة لعدم مجاراته للتغيرات التي تشهدها الساحة السياسيّة وانعدام البرنامج السياسيّ الواضح.

وأشار الصحفي إلى أنّ تقدّم زعيم الحزب أحمد ولد داداه في العمر وقلّة قدرته على النشاط والمواكبة أثرا في التكتل وأظهرا أنه حزب مرتبط بشخص وليس بمؤسسة قائمة.

لكن أعضاء في الحزب يقللون في المقابل من أهمية هذا السقوط، الذي يقولون إنه يشابه كثيرا المرحلة التي عاشها الحزب في السنوات الأخيرة من حقبة الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع.

وكان التكتّل في حقبة ولد الطايع واجهة المعارضة الراديكاليّة التي خاضت حربا شرسة ضدّه؛ وتعرّض قادة الحزب لمضايقات وسُجن الرئيس المؤسس، لكن حملة الاعتقالات تلك لم تُثنه عن مواصلة نهجه المعارض.

غادر ولد الطايع وتبخّر الحزب الجمهوري الحاكم آنذاك، فكان أكثر المنتصرين حزب التكتّل، الذي كان مشروعا سياسيّا استقطب النُخب ورجال الأعمال وزادت شعبيته في أنحاء البلاد.

ودخل الحزب بقوّة في انتخابات محليّة وتشريعيّة عام 2006، تعد أول انتخابات ديمقراطيّة نزيهة شهدتها موريتانيا؛ وحصل الحزب في تلك الانتخابات على 18 مقعدا برلمانيّا، لتكون مؤشرا على قوّته وتأثيره في الشعب الموريتاني.

* بداية الانهيار

ووفقا لمحللين، فإنّ الانتخابات التشريعيّة الأخيرة العام الماضي كشفت عن ضعف في الحزب وانهيار متواصل في ظل رؤية ضبابيّة وافتقار إلى النُخبة التي بإمكانها إعادة الحزب إلى جادة الطريق.

غير أنّ عددا من المتابعين يرون أنّ المرحلة التي يمر بها الحزب حرجة وتختلف عن تلك الهزّات التي تعرّض لها منذ تأسيسه، إذ تأتي في ظل تقدّم ولد داداه في السن وعدم قدرته على التجديد والبناء لمرحلة جديدة.

في هذا السياق، قال الصحفي أحمد عبد الله في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إنّ حزب التكتّل أضاع الكثير من الفرص التي كانت متاحة أمامه لإعادة البناء وإجراء إصلاحات عميقة تضعه على مسار النجاح والتأثير الإيجابي في المشهد السياسي.

وأضاف أنّ الحزب، الذي كان يُعدّ من أبرز القوى السياسيّة في موريتانيا، يواجه اليوم واقعا مريرا، حيث تراجعت شعبيّته وتأثيره بشكل كبير، موضحا أنّ الحزب لم يعد في صفوفه سوى العشرات من الأعضاء.

من جانبه، اعتبر ولد بلعمش أنّ الأزمة التي يشهدها حزب التكتّل ليست مجرّد انقسام داخلي، بل تبدو كأنها بداية لانهيار حزب كبير وعريق.

وبحسب محللين، فإنّ الانقسامات والانسحابات ليست السبب في تراجع الحزب. ويرى أصحاب هذا الرأي أنّ تقارب الحزب مع نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني مع وصوله إلى السُلطة وتوقيع ميثاق جمهوري معه أدى إلى تقهقره.

وقال الصحفي أحمد عبد الله إن حزب التكتل كان يعتمد في السابق على موقفه المعارض للأنظمة السابقة لكسب دعم واسع من الشعب، ولكنّ هذا التقارب مع النظام الحالي جعل البعض يرى أنّ الحزب قد انحرف عن مساره السابق وتخلّى عن مبادئه.

ويرى عبد الله أنّ بداية الانهيار كانت عندما اختار حزب التكتل التقارب مع النظام الحاكم وتخلّى عن مساره التقليدي كقوة معارضة، معتبرا أنّ هذا الخيار الذي لم يكن من أعراف الحزب أدى إلى فقدانه دعم الشرائح التي كان يمثلها وتبخّر شعبيته التي اكتسبها من خلال معارضته الحازمة للأنظمة السابقة.