امرأة يمنيّة تؤسّس مركزا لعلاج الأطفال ذوي الإعاقة لكسر حاجز الخوف من الوصمة الاجتماعيّة
awp - نسرين المخلافي في مكتبها وأمامها مجموعة من الأدوية التّي قدّمها أحد تجار الأدويةفي محافظة مأرب. الاثنين، 22 أبريل نيسان 2024
  • مأرب

  • السبت، ٤ مايو ٢٠٢٤ في ٨:١٢:٣٢ م
    آخر تحديث : السبت، ٤ مايو ٢٠٢٤ في ٨:١٢ م

امرأة يمنيّة تؤسّس مركزا لعلاج الأطفال ذوي الإعاقة لكسر حاجز الخوف من الوصمة الاجتماعيّة

(وكالة أنباء العالم العربي) -  وسط أحاديث عابرة بين مجموعة من الجيران، تفاجأت اليمنيّة نسرين المخلافي بوجود سرّ ثقيل يتعلّق برضيعة لم يكن عمرها قد تجاوز الثلاثة أشهر كان جيرانها يخفونه عنها.

حُجبت الطفلة ومعها سرّها خلف جدران الخوف من نظرات مجتمع أحكامه قاسية، في حكم مسبق على براءة الطفولة دون ذنب.. فلم تكن لمن هي في مهدها يد في ما أصابها من إعاقة حركيّة.

كانت نسرين قد عانت من تجربة مشابهة استمرت أكثر من 20 عاما مع ابنها الذي وُلِد بإعاقة حركيّة وذهنيّة؛ فأصّرت على الوصول إلى الرضيعة، متجاوزة محاولات الأم لمنعها بحجة ألّا جدوى من العلاج.

تحقَّق لنسرين مرادها ووصلت إلى الرضيعة لترى بأمّ عينها أن عظامها رطبة وعلاجها ممكن، فاتّجهت إلى والدها في مقر عمله وأقنعته بضرورة خضوع ابنته لجلسات علاج طبيعي في منزلها.

ثمانية أشهر من الصبر والمثابرة، وجلسة علاج كلّ يوم لمدة ساعة كاملة، كانت كافية لإحداث تغيير جذريّ في حياة الوليدة؛ فبعد عدم القدرة على القيام بأيّ حركة، أصبحت تتقلّب على الأرض، ثم تمكّنت من الوقوف، وأخيرا استطاعت أن تسير على قدميها.

وترى المخلافي، التي أسست في الآونة الأخيرة مؤسسة لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة ترأسها حاليا، أنّ "الإنجاز لم يكُن شفاء الطفلة فقط، بل كان أيضا كسر قيود الخوف والوصمة الاجتماعية التي تلاحق ذوي الإعاقة في اليمن، خاصّة في ظل ظروف الحرب القاسية".

* وصمة اجتماعيّة

وقالت في لقاء مع وكالة أنباء العالم العربي (AWP) إنّ وجود طفل معاق في أسرة ما بات "يمثّل وصمة اجتماعيّة، حيث تحاول الأسر إخفاء أطفالها المعاقين في المنازل، بدلا عن عرضهم على الأطباء لمرات متعددة ومواصلة المحاولة.

وذكرت أن هناك أسرا يمنيّة تعمد إلى إخفاء الإناث المعاقات خاصّة بعيدا عن أعين الجيران والأقارب "هربا من العار والنظرة الدونيّة والتمييز... حيث تعتبِر تلك الإعاقة تأديبا إلهيّا لجرم اقترفه الأب أو الأم في مرحلة سابقة".

وأوضحت المخلافي أنّ تجربتها المريرة مع طفلها ومتابعتها له في مراكز العلاج الطبيعي في صنعاء قبل نشوب الحرب الدائرة في اليمن منذ تسع سنوات أكسبتها خبرة ومعرفة وألهمتها بفكرة العمل في متابعة التعليم وتلقّي الدورات التأهيلية في ممارسة العلاج الطبيعي ورعاية الأطفال المعاقين.

بعد اندلاع الحرب، توفي ولدها الأكبر إثر إصابته بفشل كلوي بعدما تعافى تماما من الإعاقة الحركية، فقرّرت المخلافي النزوح هربا من الحرب مع بقية أطفالها الأربعة إلى محافظة مأرب، التي نزح إليها أيضا أكثر من مليوني يمني من مختلف المحافظات بحثا عن الأمان.

كانت المخلافي تستقبل أطفالا معاقين في منزلها الضيّق بمنطقة نزوحها في مأرب، بعد أن شاهدت الحالة المزرية التي كانت الأسر النازحة تعيشها مع أطفالها المعاقين في غياب مركز متخصص لعلاج هؤلاء عندما كانت الحرب على أشدّها.

* المنزل بديلا

كانت المحافظة تكتظّ بالنازحين، حيث كانت ثلاث إلى أربع أسر تجتمع في خيمة أو شقة واحدة، وقد يكون لديهم أطفال معاقون. أيضا، كانت بعض الأمّهات تضّطر للإنجاب في مخيمات النازحين بشكل عشوائي دون مراقبة طبيّة، ما تسبّب في مشاكل في التنفس للمواليد وإعاقات ذهنيّة أو حركيّة، بحسب المخلافي.

وأوضحت أنّ بُعد المراكز الصحيّة عن مخيمات النزوح، خصوصا في المناطق الصحراويّة، كان يضطر الأمّهات في بعض الأحيان إلى الولادة في خيام غير مناسبة دون إشراف طبيّ، أو حتّى دون وجود قابلات لديهنّ خبرة صحيّة جيّدة في رعاية الأمّهات.

وقالت "خصّصت جزءا من منزلي المستأجَر في مأرب لاستقبال المواليد من الأطفال المعاقين مقابل رسوم رمزيّة، حيث كُنت أوفّر ساعة من العلاج الطبيعي لكل طفل معاق".

وتابعت "ارتفعت أعداد الأطفال الذين كُنت أستقبلهم، في حين أنّ المكان ضيّق لا يسمح بأكثر من طفل ومعاناة الأسر كبيرة في منطقة تفتقر لأبسط الخدمات والاحتياجات".

واصلت نسرين استقبال الأطفال المعاقين لتلقّي العلاج الطبيعيّ وممارسة التمارين في منزلها الضيّق، حتّى وصل عدد الأطفال المعاقين الذين تستقبلهم في اليوم الواحد إلى 15 طفلا، ما اضطّرها لفتح مكان أكبر وأوسع لاستيعاب أكبر عدد من الأطفال.

أيضا، وظّفت المخلافي طبيبا متخصصا لمساعدتها في جلسات العلاج الطبيعي بمقابل مادي رمزي.

* مركز للعلاج مجّانا

بعد العمل في منزلها لعامين كاملين، أسّست المخلافي مركزا لعلاج الأطفال من أصحاب الإعاقة الحركيّة ومن يعانون من صعوبات في التحدّث بتمويل من رجل أعمال في مأرب.

ويعدّ هذا المركز الوحيد المتخصص حتّى اليوم في المحافظة الذي يقدّم هذا النوع من العلاج مجانا، حيث استقبل نحو 1500 طفل معاق من سن ستة أشهر إلى 13 عاما وقدّم لهم الرعاية المطلوبة خلال السنوات الست الماضية، بحسب المخلافي.

وتشكو نسرين من ما وصفته بغياب أيّ دور للجهات الحكوميّة في توفير خدمات أو الإسهام في رعاية الأطفال المعاقين في مأرب، بما فيها مكاتب الصحّة وإدارة النازحين والسلطة المحليّة.

وقالت إنّ الجهات الحكومية لم تنشئ فرعا لصندوق رعاية وتأهيل المعاقين، الذي كان قِبلَتهم في اليمن قبل الحرب الدائرة في البلاد، بينما لم يكن هناك تجاوب من جانب السلطة المحليّة بشأن إنشاء صندوق لرعاية الأطفال المعاقين.

وأشارت إلى تحديّات بشأن مواصلة المركز الخيريّ عمله وتقديم خدماته للمعاقين، تتمثل في قلّة أجهزة العلاج الطبيعي والكهربائي والفيزيائي الحديثة، وكذلك توفير وسائل النقل للأطفال المعاقين من منازلهم إلى المركز لتلقي العلاج يوميّا.

وبحسب تقرير للأمم المتحدة نُشر في منتصف يناير كانون الثاني الماضي، فإنّ هناك نحو 4.9 مليون شخص في اليمن يعانون من إعاقات مختلفة، بما يمثّل حواليّ 15% من تعداد سكّان البلاد.

وكشف تقرير النظرة العامة لمنظمة الإنسانية والإدماج لعام 2023 عن أنّ 89% من ذوي الإعاقة يشعرون بأنّ مجتمعاتهم لا تحترمهم وأنّ فرص وصولهم إلى الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم غير كافية.