امرأةٌ يمنيّةٌ تهب حياتها لإنقاذ حياة الحيوانات في حضرموت مع نقص الخدمات البيطريّة
اليمنيّة أمّ عبد الله تفحص عنزة في منزل أحد المربين بمديريّة غيل باوزير جنوب شرق محافظة حضرموت شرق اليمن. السبت، 29 يونيو حزيران 2024 - المصدر: AWP
  • المكلا

  • السبت، ٦ يوليو ٢٠٢٤ في ٩:٢٣ ص
    آخر تحديث : السبت، ٦ يوليو ٢٠٢٤ في ٩:٢٣ ص

امرأةٌ يمنيّةٌ تهب حياتها لإنقاذ حياة الحيوانات في حضرموت مع نقص الخدمات البيطريّة

(وكالة أنباء العالم العربي) - في سهول منطقة غيل باوزير الخضراء بمحافظة حضرموت اليمنيّة، وهبت أمّ عبد الله نفسها لخدمة الحيوانات، الذين تعلّمت لأجلهم فنون البيطرة.

وبحكم نشأتها في مجتمعي رعوي لأسرة تكسب قوت يومها من تربية الأغنام والأبقار، كانت أم عبد الله تشاهد دوما والدتها وهي تعالج الحيوانات بطرق تقليدية ومعرفة متوارثة؛ وكانت تلك الخبرات اليوميّة بداية مسيرتها في مهنة البيطرة، حتى اكتسبت مهارات خاصة وأصبحت قادرة على معالجة حيوانات أسرتها بفاعليّة.

وقالت السيّدة اليمنية في حوار أجرته معها وكالة أنباء العالم العربي (AWP) إنها بدأت بعد ذلك تتلقى اتصالات من الأسر الرعويّة في المناطق المجاورة طلبا للمساعدة في معالجة الحيوانات المريضة، فلم تتردد أبدا وجابت الأحياء والقرى الريفيّة لعلاج الأغنام والأبقار في عمل تطوّعي بإمكانيّات بسيطة.

كانت البداية صعبة، لكنّها شعرت بمسؤولية كبيرة تجاه المجتمع في ظلّ غياب العيادات البيطريّة بالمنطقة؛ فمعالجة الحيوانات بالنسبة لها "ليست مجرّد مهنة، بل رسالة إنسانيّة".

بفضل دعم بعض المنظّمات الدوليّة، حصلت أمّ عبد الله على دورات تدريبيّة في البيطرة، مما أتاح لها فرصة لتحسين مهاراتها ومعرفتها بالأدوية والعقاقير البيطريّة.

أضافت "كُنت أعالج بالأدوية الشعبيّة والأعشاب؛ لكن بعد الدورات، اكتسبت خبرة إضافيّة في استخدام الأدوية المصنّعة الخاصة بالحيوانات. فهمت الكثير حول العقاقير الطبيّة وكيفيّة استخدامها بشكل صحيح".

تحديّات تُقابلها إرادة

لم تكن رحلة أمّ عبد الله سهلة؛ فقد واجهت انتقادات وسخرية من المجتمع الذي لم يعتّد رؤية امرأة تُمارس مهنة تعتبر حكرا على الرجال؛ وتقول "تحمّلت الكثير من الانتقادات والسخرية في البداية؛ ولكن مع مرور الوقت، وبعد أن رأى الناس نتائج عملي المهمّة للكثير من الأسر، تغيّرت نظرتهم وتقبّلوا وجودي ودوري المهمّ في المجتمع".

وعلى الرّغم من بعد المسافات وصعوبة الوصول إلى مراكز البيطرة في مدينة المكلّا، استطاعت أمّ عبد الله أن تكون الملاذ الأول لمربّي الحيوانات في غيل باوزير وما حولها، متحمّلة عناء السفر ومشقّة الطريق لتقديم يد العون للقرى الريفيّة المجاورة، حيث تستقبل يوميا الكثير من الحيوانات المريضة من مناطق حضرموت.

من بين التحديات التي تواجهها أم عبد الله عدم وجود صيدليات بيطرة في المناطق الرعوية، بما في ذلك منطقة غيل باوزير التي تعمل فيها بشكل رئيسي، على الرغم من أنها تعدّ المديرية الأكثر اعتمادا على الرعي والزراعة في حضرموت.

وتقول السيدة اليمنيّة "كلّما نحتاج أدوية خاصة بالأمراض الحيوانيّة، لابد على مالك الحيوان المريض أن يتكبّد عناء السفر نصف يوم إلى مدينة المكلا، عاصمة حضرموت، التي توجد فيها صيدليّة واحدة فقط توفّر بعض أدوية الحيوانات، رغم أنّ حضرموت هي المحافظة اليمنيّة الأكبر مساحة والأكثر اعتمادا على الزراعة والرعي بين محافظات اليمن".

تضيف "عندما أقوم بعلاج أغنام مريضة على وشك الموت، أشعر بأنّي أنقذت روحا وأعدت الحياة لأسرتها التي تعتمد على إنتاج اللبن وغيره من المنتجات الحيوانيّة... هذه مهنة عظيمة بالنسبة لي".

حاجة للدعم والتمويل

تطالب أم عبد الله الجهات الحكومية بتوفير دعم وتمويل لتطوير خدمات البيطرة، خاصة في المناطق الريفية التي تفتقر إليها، معتبرة أن مهنتي الرعي والبيطرة لا تحظيان بالاهتمام الحكومي الكافي في اليمن رغم كونهما مهنتين أساسيتين للمجتمع من حيث انتشارهما بشكل واسع في أنحاء البلاد.

وتحذّر من أنّ عدم معالجة بعض الأمراض التي تصيب الحيوانات قد يؤدّي إلى انتشار تلك الأمراض بسرعة ويتسبّب في خسائر كبيرة للثروة الحيوانية "بل قد تنتقل إلى الإنسان أيضا من خلال تناول لحومها أو من خلال انتقالها إلى راعيها والمحتكين بها".

ووفقا لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة، فإنّ العاملين في مجال صحّة الحيوان باليمن يعوّضون نقص الخدمات البيطريّة الناتج عن الحرب المستمرّة في البلاد منذ ما يقترب من العشر سنوات بين القوّات الحكوميّة وجماعة الحوثي المسلّحة.

وذكرت المنظمة في تقرير نشرته في أبريل نيسان الماضي أنّ الحرب سبّبت اختلالات في سُبُل الوصول إلى الخدمات البيطريّة الفعّالة والموثوقة، بينما أصبحت حالات تفشّي الأمراض بين الماشية أكثر خطورة وزادت وتيرتها، ممّا زاد من ضعف القدرات المعيشيّة للأسر التي تعتمد على الرعي في تأمين دخلها وغذائها.

وأشار التقرير إلى أنّ العاملين المحليّين في مجال صحّة الحيوان أصبحوا ركيزة أساسيّة في مكافحة تفشّي الأمراض الحيوانيّة والمحافظة على صحّة الحيوانات وإنتاجها والممارسات الجيّدة في تربيتها كأحد العوامل الحاسمة في سدّ الفجوة التي خلّفها النزاع في الخدمات البيطريّة.

وبحسب المنظمة، فإنّ تربية الماشية بالتحديد عامل حيويّ لضمان الأمن الغذائيّ وسُبُل العيش للعديد من الأسر في المناطق الريفيّة وشبه الحضريّة باليمن، حيث "من المقدّر أن تساهم الماشية بنسبة 20% في إجمالي الناتج المحلي الزراعي ومن المقدر أن تبلغ نسبة المزارع التي تربّي الماشية 80 في المئة".

وذكر التقرير أنه "لا تقتصر أهمية الماشية على كونها مصدرا للأغذية والتغذية فحسب، بل إنها أصل بالغ القيمة، وهي بمثابة مخزن للثروة يمكن استخدامها كضمانة للحصول على الائتمانات وهي شبكة أمان أساسيّة في أوقات الأزمات".