• بيروت

  • السبت، ٦ يوليو ٢٠٢٤ في ٩:٢٨ ص
    آخر تحديث : السبت، ٦ يوليو ٢٠٢٤ في ٩:٢٨ ص

التراشقات السياسيّة المتبادلة مع كل أزمة تكشف وجها آخر لمفاهيم تنوّع المجتمع في لبنان

(وكالة أنباء العالم العربي) - قبل أيّام، شنّ رئيس كتلة نوّاب جماعة (حزب الله) اللبنانية هجوما لاذعا على منتقدي الجماعة على خلفية المناوشات العسكرية المستمرة في جنوب البلاد منذ نشوب حرب غزة في السابع من أكتوبر تشرين الأول الماضي وما يثار حول احتمالات امتداد تلك الحرب إلى لبنان.

وصف النائب محمد رعد، رئيس كتلة (الوفاء للمقاومة)، هؤلاء المنتقدين في تسجيل مصوّر بأنّهم "بعض النازقين (الشاتمين) من اللبنانيين الذين يريدون أن يرتاحوا؛ يريدون أن يذهبوا إلى الملاهي؛ يريدون أن يذهبوا إلى شواطئ البحار؛ يريدون أن يعيشوا حياتهم".

وقال إنّ "هذه الفردية القاتلة؛ هذه النفعية الأنانية، التي تدمّر مصالح الأوطان وتدمّر مصالح المجتمعات، هي وراء هذه الشحنات والجرعات من الأكاذيب والتلفيقات والإشاعات التي تمتلئ بها وسائل التواصل".

في المقابل، رد بيار بو عاصي، النائب البرلماني ضمن كتلة حزب القوات اللبنانية (كتلة الجمهورية القوية)، على مقاطعة المجلس الإسلاميّ الشيعيّ الأعلى لدعوة لقاء في البطريركيّة المارونيّة، بتصريحات في مقابلة تلفزيونية قال فيها إن "الطائفة الشيعية لا يشبهوننا... فهم (حزب الله) استكباريون واستعلائيّون وأدخلوا لبنان بحرب وشلّوا المؤسسات.

ويبدو أن المواقف السياسيّة والتراشقات المتبادلة التي تصدر مع كلّ أزمة يمرّ بها المجتمع اللبناني تُوحي بأنّ هناك أزمة أعمق من المشاكل التي تطفو على السطح، تُعبّر عن تباعد في النظرة إلى الآخر والهويّة المشتركة ومفهوم الدولة، وفقا لما تراه أستاذة علم الاجتماع رائدة أسعد.

التنوّع.. حريّة أم صراع؟

ترى أسعد أن هذه المواقف السياسيّة "تعبّر عن أزمة بناء دولة يعيشها المجتمع اللبناني منذ عقود وليست حالة مستجدّة".

وقالت أستاذة علم الاجتماع في حديث لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) إنّ "التنوع بالآراء حالة طبيعية لدى كلّ المجتمعات؛ والبحث عن هويّة جامعة لا يعني أن يمتلك الشعب بكلّ مكوناته رؤيةً واحدةً للقضايا العامّة".

أضافت "من الأخطاء التي وقعنا بها في لبنان من خلال التعاطي مع الشأن العام ربط التنوّع في الأفكار حصرا بالاختلاف الدينيّ، وكأنّ كلّ المسلمين كتلة واحدة، أو المسيحيين متفّقون على فكر واحد؛ هذا توصيف مُخالف للواقع... التنوّع والاختلاف موجودان ضمن الطائفة الوحدة والمجموعة الواحدة".

وترى أسعد أنّه "لا يُمكن حماية حريّة الأشخاص دون ارتباطها بمفهوم المسؤوليّة، بأن تبقى هناك ضوابط تصون المعتقد والحياة الفرديّة. هذه القواعد يتمّ وضعها عبر المؤسسات، من مجلس النواب والحكومة والأحزاب، أي مكونات الدولة؛ وهنا تكمن المشكلة".

وتعتبر الأستاذة الجامعيّة أنّ "عدم قدرة اللبنانيين على بناء دولة متماسكة وتطبيق القوانين بالحفاظ على حقوق وواجبات المواطنين... أدّى إلى تحويل هذا التنوّع في المجتمع إلى صراعات وصلت في تاريخنا إلى حروب دمويّة".

نعمة تحوّلت إلى نقمة

تؤكد رائدة أسعد أنّ حرية الاعتقاد والرأي والتعلّم هي مبادئ أساسيّة لنهوض أيّ مجتمع وشعور كلّ مواطنيه بصون حقوقهم.

لكنّها ترى أن "الزعماء والأحزاب الطائفية حوّلوا هذه القواعد إلى سلاسل يقيّدون بها حركة التابعين لهم، فاستطاعت الطوائف تحت شعار الحريّة بناء المستشفيات والجامعات والمدارس وتقديم الخدمات أكثر من السعي لتعزيزها (تلك المؤسسات) لدى الدولة، حتّى وصلنا إلى أزمتنا الحالية حيث يتجه المواطن نحو مجموعته الطائفية لمساعدته بدلا من أن تلبّيها دولته".

أضافت "الكرامة الإنسانيّة هي الأساس لحماية مجتمعنا؛ فحين نستطيع تأمين السكن والخدمات والاستشفاء وغير ذلك من الحاجات الإنسانيّة الأساسيّة، تنخفض وتيرة التوتر، مع رفض منطق تكفير الآخر وتخوينه واعتبار كلّ مجموعة تابعة لدولة في الخارج".

واعتبرت أن "الخطابات عالية النبرة (هي) لشدّ عصب الشارع، وهو ما نراه على مواقع التواصل الاجتماعي... لكن حين تقرّر الأحزاب تهدئة الأوضاع وتتلاقى مصالحها، حينها يختفي هذا التشنجّ".

من جانبه، يؤكد المحامي اللبنانيّ محمد مرعب أنّ دستور البلاد يكفُل حريّة المعتقد واحترام اللأديان وممارسة جميع الشعائر الدينيّة "بشرط ألا تتعارض مع النظام العام، والمساواة بين جميع المواطنين" معتبرا أنّ المشكلة لا تكُمن في القوانين وإنما في "عدم تطبيقها وتطويرها".

"تغليب للطائفيّة"

وقال مرعب في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إن النظام في لبنان "ليس نظاما دينيّا؛ فلا يُذكر دين الرئيس أو دين الدولة، إنما الأعراف التي اتفق عليها اللبنانيّون هي التّي حدّدت كلّ وظيفة من يمثّلها، مثل رئيس الجمهورية ماروني ورئيس الحكومة سنيّ ورئيس مجلس النوّاب شيعيّ".

أضاف "الدستور الحالي كرّس التزامه بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكلّ المواثيق الدوليّة... حتّى عام 1926، في بدايات تأسيس الدولة، كان الدستور يُشير إلى أنّ حريّة المعتقد مُطلقة".

وبينما أشار إلى أن الدستور ينصّ على إلغاء الطائفيّة السياسية، فقد قال إن "الأحزاب لم تنفّذ هذا الأمر وإنما كرّستها (الطائفيّة) في المجتمع، فأصبحنا أمام معضلة؛ ما الفائدة من إلغاء الطائفيّة في السياسة إن كانت متجذّرة في العائلة والمدرسة والمؤسسات؟"

واستغرب مرعب صدور مثل تلك التصريحات السياسيّة من ممثلي أحزاب، قائلا إن "عشرات الشباب من مختلف الطوائف من روّاد الملاهي والحفلات مؤيّدون للمقاومة وحزب الله وفلسطين؛ وصدور تصريحات من النائب رعد تدفعهم للاستغراب من سببها".

كما اعتبر أن "توصيف جزء من الشعب اللبناني بأنّه لا يشبه قسما آخر، بتلميح واضح بأنّ هناك فئة أفضل من فئة، لا يفيد حزب القوّات اللبنانية؛ فهذا الخطاب الفوقي والعنصريّ يدفع الفئات الأخرى للتشدّد أكثر في مواقفها بدلا من الانفتاح".

ويرى مرعب أنّ الخطابات المماثلة دليل على "غياب الثقافة الحقوقيّة بين اللبنانيين، وتغليب الخطابات الطائفيّة... تصريح النائب رعد لم يذكر فيه أيّ إشارة لطائفة معيّنة؛ لكن تمّ تحويره وكأنّه يستهدف المسيحيّين فقط".

وقال "الدولة عليها أن تكون حاضنة لهذا التنوّع؛ فلا يمكن لأيّ طرف إلغاء الآخر أو فرض رأيه. خلال الحرب الأهلية عام 1975، قُتل أشخاص لانتمائهم الديني، ودُمّرت دُور العبادة وهُجّرت عائلات قسرا؛ وكانت النتيجة بعد 15 عاما خسارة للجميع".