(السيرة قبل الأخيرة للبيوت): رواية ترثي لتدهور أوضاع الطبقة الوسطى في مصر
لقطة من ندوة حول رواية (السيرة قبل الأخيرة للبيوت) بمكتبة ديوان بوسط القاهرة وتظهر فيها مؤلفتها مريم حسين بين الكاتبة آية طنطاوي والناقد والمحاضر وليد الخشاب (2 يوليو تموز 2024) - المصدر: AWP
  • القاهرة

  • الأربعاء، ٣ يوليو ٢٠٢٤ في ١٢:٣٠ م
    آخر تحديث : الأربعاء، ٣ يوليو ٢٠٢٤ في ١٢:٣١ م

(السيرة قبل الأخيرة للبيوت): رواية ترثي لتدهور أوضاع الطبقة الوسطى في مصر

(وكالة أنباء العالم العربي) - تستعرض رواية مصرية جديدة التطورات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها مصر على مدى ما يقرب من 30 عاما من خلال تنقُّل أبطالها بين بيوت كثيرة داخل محافظة الجيزة، وترثي لتدهور أوضاع الطبقة الوسطى.

في رواية (السيرة قبل الأخيرة للبيوت) الصادرة عن دار المرايا في القاهرة، تستعمل المؤلفة مريم حسين (35 عاما) صوت (ميمي) أو السارد العليم بمصائر أبطال الرواية، وتلتقط خلال السرد الكثير من التفاصيل التي تستند إلى ذكريات عاشتها مع والدها الذي تُوفي.

فحين ذهبت ميمي لجمع أوراق أبيها من مكتب للمحاماة كان قد أسسه في حي بولاق الدكرور - أحد أشهر الأحياء الشعبية في محافظة الجيزة - أخذت تستعيد سيرة البيوت التي سكنتها مع العائلة على امتداد عمر الأب الغائب، وهي بيت الهرم وبيت الشوربجي وبيت بشتيل.

ومن خلال تقنيات التذكر وتقاطع أكثر من زمن سردي، يتعرف القراء على مظاهر تدهور أوضاع الطبقة الوسطى المصرية التي تعرضت للتآكل اعتبارا من منتصف سبعينيات القرن الماضي بعد أن تبنت الدولة نموذجا تنمويا يقوم على اقتصاد السوق فيما عُرف بسياسات الانفتاح الاقتصادي في 1974.

وترسَّخ هذا التحول في أوائل التسعينيات مع توقيع مصر اتفاقا مع صندوق النقد الدولي عام 1991، ووصل ذروته بعد توقيع اتفاق آخر مع الصندوق عام 2016.

ويقول بعض الخبراء إن سياسات الانفتاح الاقتصادي تركت آثارا سلبية على الطبقات الأفقر في المجتمع، كما أضرت بالطبقة الوسطى والتي انزلقت شرائحها إلى صفوف الفقراء.

وبطريقة فنية وسرد ذكي، تبحث الرواية في انعكاسات تلك السياسات على أسرة المحامي الشاب الذي وفد من إحدى قرى الفيوم لدراسة القانون في القاهرة ثم اتخذ بعد تخرجه قرارا بالعيش في القاهرة الكبرى وتكوين عائلة، لكن أوضاعه المالية تتدهور بسبب التحولات التي عاشتها مصر خلال زمن السرد.

سيرة الساكن وسيرة المكان

وشهدت مكتبة ديوان في وسط القاهرة أمس الثلاثاء ندوة لمناقشة الرواية قدمتها الكاتبة آية طنطاوي وتحدث فيها الناقد الدكتور وليد الخشاب أستاذ الدراسات الثقافية في جامعة يورك الكندية الذي أكد أن الرواية تقدم "مسحا جغرافيا هائلا لأحياء الجيزة الشعبية التي لم تنل ما تستحق من اهتمام في السرد المصري يسمح بإعادة تخيل هذه الأحياء على نحو أدبي".

وقال "إن اختيار المؤلفة لجغرافيا الرواية بمثابة تحية متخيلة لأحياء الجيزة تماثل عملية إعادة بنائها من جديد دون نزعة استشراقية تركز على رمزيتها".

وأضاف "يُنتج هذا الاختيار متعة واضحة بفضل تركيز الرواية على تجارب إنسانية تنطلق من خبرة الذات الساردة بهذا العالم، كما تتجاوز الرواية الاهتمام بالبشر والحجر والمكان وتفسح مجالا كذلك للاهتمام بالحيوانات والحشرات والأبراص التي ترافق ذاكرة البطلة".

وقالت مؤلفة الرواية مريم حسين "انشغلت بالسؤال عن علاقتنا بالسكن في البيوت التي ترغب في حكي سيرتها أيضا، كما حاولت فك الاشتباك بين سيرة ساكن البيت وسيرة المكان وطرح سؤال حول الأثر الذي يتركه كل منهما على الآخر".

08f1388e-00b2-4dab-8a54-83b651d00a70.jpg

لقطة من ندوة حول رواية (السيرة قبل الأخيرة للبيوت) بمكتبة ديوان بوسط القاهرة وتظهر فيها مؤلفتها مريم حسين بين الكاتبة آية طنطاوي والناقد والمحاضر وليد الخشاب (2 يوليو تموز 2024) - المصدر: AWP

لقطة من ندوة حول رواية (السيرة قبل الأخيرة للبيوت) بمكتبة ديوان بوسط القاهرة وتظهر فيها مؤلفتها مريم حسين بين الكاتبة آية طنطاوي والناقد والمحاضر وليد الخشاب (2 يوليو تموز 2024) - المصدر: AWP

وتابعت "السؤال الرئيسي في الرواية يتعلق بخوف الأبطال من ترك المكان الأليف والذهاب إلى مكان جديد وغير مألوف".

ولفت الخشاب إلى أن الرواية تقدم تشريحا مثاليا لرب عائلة وفد من محافظة الفيوم للعيش في حزام الأحياء العشوائية حول القاهرة الكبرى، وتناول الأثر الذي يتركه التطور الحضري في القرى المحيطة ومدى مساهمته في بناء صور نمطية عن الآخر الوافد إليها من خارجها.

وانتهى إلى القول بأن الرواية تستعرض سيرة ذاتية تشرك القارئ في تفاصيلها، وتقدم سيرة لحياة البيوت وليس الأفراد فقط، مشيرا إلى أن استعمال تعبير "سيرة البيوت" في عنوان الرواية "يكشف الرغبة في تقديم سرد ملحمي حول تفاصيل العيش في الأحياء الشعبية بما فيها من تناقضات ومفارقات تبدو غرائبية، لكنها قاسية كذلك".

وقد حظيت الرواية باهتمام نقدي لافت منذ صدورها في بداية هذا العام.

عتاب البيوت وقهرية الزمن

بدورها توقفت الكاتبة والناقدة آية طنطاوي أمام ما وصفته بالتميز في التعامل مع التفاصيل والقدرة على بناء تقاطعات زمنية تعكس وعي المؤلفة بتقنيات السيناريو، حيث درست وتخرجت في معهد السينما.

وقالت "نجحت مريم حسين في بناء أسلوبية متميزة على صعيد اللغة السردية وحرفية البناء ورسم صورة بطلتها".

ونوهت القاصة أميمة صبحي بقدرة الكاتبة على استعمال مخزونها من التعبيرات اليومية واستعادة الكثير من الأغنيات الشعبية التي أوشكت على الاندثار، وقالت "الرواية تسجل العتاب الذي تملكه البيوت لسكانها بعد أن يهجروها، ولذلك تفيض بالأسى".

وتحدث الروائي طارق إمام عن التجذر العميق للسخرية في الرواية بحيث يقدم الأسى في طرافته وكوميدياه السوداء، وقال إن ذلك "ملمح نادر الوجود في النص الروائي للكتابة المصرية وربما العربية".

وأكد أن الرواية تستعمل مسألة "العَود الأبدي" كأفقٍ دلالي "حيث لا أحد يموت في هذه الرواية، كما أن من يموت يستيقظ والبيت المتروك يعود، وهي طريقة شديدة الرمزية لمواجهة توحش وقهرية الزمن".