الموت عطشا.. صحراء الجزائر تسلب عشرات المهاجرين غير الشرعيين أرواحهم بعد التيه فيها
حرس الحدود في ليبيا ينقذ مهاجرين أفارقة تقطعت بهم السبل قرب الحدود مع تونس
  • الجزائر العاصمة

  • الخميس، ١١ يوليو ٢٠٢٤ في ١٢:٥١ ص
    آخر تحديث : الخميس، ١١ يوليو ٢٠٢٤ في ١٢:٥١ ص

الموت عطشا.. صحراء الجزائر تسلب عشرات المهاجرين غير الشرعيين أرواحهم بعد التيه فيها

(وكالة أنباء العالم العربي) - خلال أقلّ من أسبوع، انتُشلت جثث 38 شخصا ماتوا عطشا بعدما ضلّوا طريقهم في الصحراء الجزائرية، بينهم 12 سوريّا و22 من جنسيات أفريقية وأربعة جزائريين.

وأبلغ أحمد أنس باغور، المكلّف بالإعلام في جمعيّة (غوث) للبحث والإنقاذ، وكالة أنباء العالم العربي (AWP) بأنّ فرق الإنقاذ عثرت خلال الأسبوع الأخير على ثماني جثث لأفارقة بين بلدية فقارة الزوى التابعة لولاية عين صالح وسط البلاد وبلدية برج عمر إدريس التابعة لولاية إليزي شرقا، و14 جثة في منطقة بولقبور بإيليزي و16 في تين أسميض بمدينة تمنراست جنوبا.

وأوضح أنّ الجثث التي عُثر عليها في بولقبور المتاخمة للحدود الجزائريّة الليبيّة يوم السبت الماضي تعود إلى 12 سوريّا وقائد الرحلة ومرافقة الجزائريّيْن؛ أما الجثث التي عُثر عليها يوم الاثنين الماضي في تين أسميض، فبينها 14 جثة لأفارقة من جنسيات مختلفة وجثتان لجزائريّيْن اثنين.

وتُشير تقارير إعلاميّة إلى أنّ الحدود الجنوبيّة للجزائر، خاصّة مع ليبيا والنيجر، تشهد نشاطا لشبكات تهريب المهاجرين غير الشرعيين في رحلات تنتهي أحيانا بالتيه في الصحراء الكبرى والموت عطشا بعد أن يتخلى أفراد تلك الشبكات عن هؤلاء المهاجرين ويضطرونهم إلى إكمال طريقهم سيرا على الأقدام في ظروف جويّة قاسية.

وتتكفّل جمعيّة (غوث) بتنسيق عمليّات البحث عن المفقودين في الصحراء الجزائريّة، حيث تُنظّم رحلات استكشاف وبحث؛ وهي التّي ساهمت في العثور على جثث السوريّين الذين ماتوا عطشا في الصحراء مطلع هذا الأسبوع.

وبينما قال باغور إنّ جمعية (غوث) تدخّلت مرارا هذا العام في قضايا مماثلة، فإنّه لم يقدّم رقما دقيقا حول أعداد الضحايا وفضّل أن يكون ذلك بعد إحصاء جميع التدخلات التي باشرتها الجمعية.

رحلات الموت

أوضح باغور أنّ المهاجرين غير الشرعيّين يضطرّون للاستعانة بأساليب انتقال غير شرعيّة عبر الصحراء الجزائريّة. وأشار إلى أنّه في واقعة وفاة 16 مهاجرا في تين أسميض تاهت السيارة بعدما ضلّ السائق الطريق بفعل الزوابع الرمليّة، وقضوا جميعا عطشا بعد نفاد المياه التي كانت معهم.

أمّا الثمانيّة الذين عُثر عليهم بين فقارة الزوى وبرج عمر إدريس فكانوا بدون سيارة، ورجّح أنّهم كانوا يتنقلون من جنوب الصحراء إلى شمالها سيرا على الأقدام قبل أن يلقوا مصرعهم.

وقال إن العديد من الرعايا من جنسيّات أفريقيّة، خاصة من النيجر ومالي، يقطعون الصحراء الجزائريّة سيرا على الأقدام.

وحول عمليّة البحث التي انتهت باكتشاف وفاة 12 سوريا في ناحية بولقبور بصحراء إيليزي قرب الحدود مع ليبيا، قال باغور إنّ السيارة التي جلبتهم أنطلقت من ولاية ورقلة أول يوليو تموز الجاري قبل أن يفقد أهل سائق السيارة الجزائري الاتصال به.

وكان من المفترض بسائق سيارة الدفع الرباعي، الذي كان يرافقه جزائري آخر، أن يذهب إلى منطقة الحدود لجلب المهاجرين السوريين من ليبيا والعودة بهم إلى ولاية ورقلة؛ لكنه فُقد أثره بعد ثلاثة أيّام.

وبعد ورود بلاغ للجمعيّة، خرج مندوبها في ولاية ورقلة مع متطوعين، وانطلقت سيارات أخرى من حاسي مسعود ومن بلدية برج عمر إدريس التابعة لولاية إليزي للبحث عنهم بعد أربعة أيّام من انطلاق السيارة المفقودة. وقد محت الزوابع الرملية التي شهدتها المنطقة في تلك الأيام الآثار المؤدية إليهم، مما جعل عملية البحث أكثر صعوبة.

عُثر على المفقودين يوم السبت الماضي بحسب باغور، الذي قال إن جثثهم كانت في حالة متقدّمة من التحلّل بفعل العطش والحرارة المرتفعة وأشعة الشمس الحارقة ولون بشرتهم كان قد تغيّر، حتّى إن فرق الإنقاذ ظنّت أنهم أفارقة.

مطالبات بدعم الجمعيات

وفقا لباغور، فإنّ الجمعيّة تعتمد في عملها على سيّارات متطوعين تُزوّد بوقود من تبرعات فاعلي الخير؛ وتعتمد الجمعية على خبراء يعرفون هذه المناطق الصحراوية معرفة جيدة، حيث أكّد أنّه لا يُمكن أن تخرج أيّ مهمّة بحث وإنقاذ إلا إذا كان بصحبتها هؤلاء الخبراء.

وقال "نعاني من نقص الوسائل التي نحتاجها خلال عمليّات البحث في مثل هذه الحوادث التي تقع في صحراء شاسعة مترامية الأطراف؛ نفتقد لوسائل الاتصال كمحطات الراديو ووسائل التصوير الشامل المتمثلة في طائرات الدرون المسيّرة؛ ونحلم أن يتعزز نشاط الجمعيّة باستعمال طائرات الهليكوبتر خلال عمليّات البحث".

ويدعو ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى السماح للجمعيّات المعنيّة باقتناء وتسيير الطائرات المسيّرة بدون طيار.

كما يطالب بعض هؤلاء الناشطين بحفر الآبار الجوفيّة وتزويدها بألواح الطاقة الشمسيّة في المسالك الصحراويّة المختلفة التي يعبر منها الناس، وتزويد آبار المياه بالإضاءة الليزرية كما هو معمول به في دول أخرى.

وخلفّت تلك الحوادث الأخيرة تعاطفا لدى المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل تنامي ظاهرة الهجرة غير الشرعيّة في السنوات الأخيرة، حيث يقصد هؤلاء المهاجرون، وهم من جنسيّات مختلفة لكن أغلبهم أفارقة وسوريون، الجزائر للاستقرار فيها أو الانطلاق منها إلى أوروبا.

تحدّ حقيقيّ

لكن أحمد ميزاب، الأستاذ بجامعة الجزائر والخبير في القضايا الأمنيّة والاستراتيجيّة، يرى أنّ تنامي نشاط الهجرة غير الشرعيّة في الجزائر يقود إلى الحديث عن التحديات التي تعرفها المنطقة وانعكاساتها على أمن الحدود.

وفي حديث لوكالة أنباء العالم العربي، اعتبر ميزاب ما وصفه بالانفلات والاختلال الأمني في دول الجوار سببا في تنامي الظواهر المتعلّقة بالهجرة غير الشرعيّة، والتي قال إنه "لا يمكن أن نفصلها عن الجريمة المنظّمة التي تدخل تحتها الهجرة غير الشرعيّة والإتجار بالبشر".

ويرى ميزاب أنّ هذه الظاهرة "لم تكن لتجد ضالّتها لولا تأمين الشروط والتحالفات بين العناصر المكوّنة للجريمة؛ لذلك لا يُمكن الاكتفاء بتصنيفها ضمن جريمة الإتجار بالبشر، وإنما تصنّف جريمةً منظّمةً عابرة للأوطان".

أضاف "يكفي لتصنيفها كذلك... التحدّث عن اختراق حدود الدول والارتباط بشبكات الجريمة بمختلف أشكالها، كالإتجار بالبشر وبالمخدرات وبالأسلحة، باِلإضافة إلى الارتباط والتعامل مع الجماعات الإرهابيّة".

وتابع "نتحدّث عن مسألة أمنيّة تشكلّ تحديّا حقيقيّا وناقوس خطر يستوجب اتخاذ العديد من الإجراءات... خاصة في ظلّ التدهور الأمنيّ الذي يعرفه المحيط الإقليمي للجزائر، ما يستدعي استراتيجية أمنيّة شاملة في إطار تفكيك هذه الشبكات والحيلولة دون أن يكون هناك مساس بالأمن واستقرار الجزائر".