• الخرطوم

  • الجمعة، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ في ٩:٢٨:٠٥ ص
    آخر تحديث : الجمعة، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ في ٩:٢٨ ص

الخلاوي .. مراكز تحفيظ القرآن تنتشر في السودان لتعويض توقف المدارس

(وكالة أنباء العالم العربي) - رغم تعرّض منطقته للقصف المدفعي والجوي المتبادل بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، يحرص بخيت ضيفان على ذهاب أطفاله الثلاثة إلى مركز لتحفيظ القرآن بشكل يومي، مع استمرار توقّف المدارس منذ بدء القتال في منتصف أبريل نيسان 2023.

وتعرف مراكز تحفيظ القرآن والعلوم الإسلامية محليا في السودان بـ"الخلاوي"، وعادة ما تكون داخل المساجد المنتشرة وسط الأحياء السكنية.

ومنذ نشوب القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، توقفت العملية التعليمية في معظم أرجاء البلاد؛ ومع اتساع دائرة الصراع في الخرطوم وكردفان ودارفور غربا والجزيرة والنيل الأبيض في الوسط، تحوّلت جميع المدارس في عدد من الولايات شمال وشرق السودان إلى مراكز للنازحين.

كانت الحكومة السودانية قررت في نوفمبر تشرين الثاني الماضي فتح المدارس في الولايات الآمنة نسبيّا واستيعاب الطلاب من الولايات التي تشهد صراعا؛ لكن المحاولات باءت بالفشل بسبب عدم جهوزية المدارس التي تحوّلت إلى مراكز لإيواء النازحين، فضلا عن عدم قدرة وزارة المالية على سداد مستحقّات المعلمين منذ أبريل نيسان 2023.

* انتعاش الخلاوي لسد الفراغ

وانتعشت الخلاوي في السودان خلال أشهر الحرب الماضية، والتي اقتربت من إكمال عامها الأول في جميع أنحاء البلاد بما فيها المدن التي تشهد قتالا كالخرطوم وكردفان ودارفور بعد أن شهدت تراجعا خلال العقود الماضية مع انتشار المدارس والتعليم الحديث.

لم يستطع ضيفان مغادرة منزله في حي مايو جنوب الخرطوم منذ بدء شرارة القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بسبب الأوضاع الاقتصادية وغلاء الإيجارات في الولايات الآمنة نسبيا.

وقال ضيفان لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "طالت فترة توقف المدارس، فقررت تسجيل أطفالي في الخلاوي حتى يستفيدوا من وقتهم ويحفظوا القرآن بدلا من ملء فراغهم في أشياء لا فائدة منها".

وأشار إلى أنّ "معظم الأهالي في منطقته لجأوا إلى الخلاوي لسد الفراغ التعليمي، على الرغم من أنّ القذائف المدفعيّة تتساقط علينا يوميا وأحيانا الطيران يضرب وسط الأحياء".

يتلقى أبناء ضيفان دروسا يومية لمدة خمس ساعات في الفترة الصباحيّة بالخلوة التي تبعد نحو 500 متر عن منزله لتعويض فقدان الحصص التي كانوا يتلقونها في مدارسهم، ويحرص على مرافقتهم ذهابا وإيابا.

* تفاعل الأطفال مع المتطوعين

في مدينة سنار، جنوب شرق البلاد، حرصت مجموعة من الشباب على افتتاح خلوة للأطفال؛ وقال علي عبد الله، وهو أحد شباب المدينة، "نحن في سنّار عملنا خلوة وأتينا برجل دين من المتطوعين لتدريس الأطفال ولاقت تفاعلا كبيرا جدا؛ كلّ أولياء الأمور أتوا بأطفالهم واستطاعوا أن يحفظوا كثيرا من السور القرآنية، إضافة إلى تلقيهم دروسا في علوم الفقه والتجويد".

وأشار عبد الله في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إلى أن "هذه الخطوة تشكّل بيئة جيدة وتحفظ لنا أولادنا حتى إعادة فتح المدارس"، موضحا أنه وعلى الرغم من إيمانه بأنها لن تؤدي الدور نفسه الذي كانت تقوم به المدارس لكنها تشكل لهم حماية بدلا من اللعب في الشوارع واكتساب سلوكيات غير حميدة فهي توفر لهم بيئة آمنة وتحفظهم، بحسب تعبيره.

وقال أحمد محمود، الذي يقيم في إقليم كردفان، إنّ الخلاوي انتشرت بشكل كبير عقب اندلاع الحرب في منطقته، لافتا إلى أن الخلاوي لها دور تاريخي في عملية التنشئة والتربية إذ توفّر بيئة تعليميّة في ظلّ غياب المدارس لذلك يلجأ إليها الكثيرون.

وأضاف "كما أنها تحفظ الأطفال بدلا من اللعب في الشوارع، ما يعرّضهم لأخطار الحرب؛ فهي تشكل لهم ملاذا آمنا".

وقال محمود في مقابلة مع وكالة أنباء العالم العربي إن الخلاوي لن تكون بديلا عن المدارس بأي حال من الأحوال وإن التوقف الشامل للمدارس له تأثيرات على التحصيل الأكاديمي للطلاب "الذين سينسون كل ما درسوه خلال الفترات السابقة".

وأضاف "هذا بالطبع سيُلقي بظلال سلبيّة على المستوى الأكاديمي؛ لكنّ الخلاوي، كونها حلا مؤقتا يشكل بيئة تعليمية لا بأس بها على الرغم من أنها تركز على الجوانب الدينية والعلوم الإسلامية فقط".

وأشار إلى أن الأهالي في منطقته يجمعون ما تيسر من المال لمنحه للشيوخ الذين يقومون بتدريس الأطفال في بادرة طيبة لمساعدتهم، بحسب تعبيره.

* إذكاء الجوانب الروحية

ويرى الخبير التربوي الهادي سيد أن دور الخلاوي مهم في تحفيظ القرآن وإذكاء الجوانب الروحية والوجدانيّة وتعليم وإجادة اللغة العربية كتابة ولفظا.

إلا أنه قال لوكالة أنباء العالم العربي إن "هناك جوانب تعليمية وقيما ومفاهيم ومهارات لا يمكن تحقيقها إلا من خلال المدرسة أو المؤسسة التعليمية التي تهتم بتنفيذ خطوات المنهج الموضوع لبقية مواد أخرى عدة مثل التقنية والحاسوب واللغة الإنجليزية والكيمياء والفيزياء وغيرها؛ لكن بحكم معرفتنا وما علمناه فإن القرآن نافذة كبيرة وبوابة واسعة لدخول كل ما ذكر".

وأضاف سيد "لو أننا رجعنا قليلا إلى التاريخ، لوجدنا أنّ كلّ علمائنا، سواء في سوداننا أو العالم الإسلامي كله، وأكثر فطاحل الشعراء والأدباء والعلماء وغيرهم كانوا ممن يدرسون في الخلاوي القرآن الكريم".

وتابع "مسألة اللجوء للخلاوي اتخذها أولياء الأمور لملء الفراغ؛ وليتهم أدركوا فوائدها منذ ولادة أبنائهم، لا في وقت الحرب التي أجبرتهم للّجوء إليها أخيرا".

وأردف قائلا "لو أن الآباء أدركوا أهم وسيلة لتعليم أبنائهم وتقويّة ما يتعلمونه وما يذكي عقولهم ويفتحها ويجعلها أقوى وأكثر ذكاء وحضورا لكل اتجاهاتهم التعليمية لما اختاروا غير الخلاوى بداية لتعليم أبنائهم؛ وهنالك من لم يقرأ بالمدارس فنبغ أدبا وألف كتبا وذاع صيته في كل أرجاء الكون؛ فالحاضر يحدثنا عن من هم لم يدرسوا تعليما نظاميا فنبغوا ورفعوا غيرهم بعلمهم؛ وما كان ذلك إلا بفضل القرآن الكريم".

وقال "منذ عام 2019، ونحن في فترة بدأ التعليم فيها يترنّح ويهوي نحو درك أسفل؛ حتى وإن كان يحمل الكثير من النواقص من قبل، إلّا أنّه قد وصل الآن إلى ما وصل إليه من مآسٍ أبكت كل السودان؛ فالخلاوي هي البلسم الشافي لأوجاع جروح أصابت قلب شعب بأكمله".