• القاهرة

  • الأحد، ٣٠ يونيو ٢٠٢٤ في ٩:١٢ ص
    آخر تحديث : الأحد، ٣٠ يونيو ٢٠٢٤ في ٩:١٢ ص

الكاتب بومدين بلكبير لـAWP: الرواية الجزائريّة تحرّرت من عُقدة اللغة

(وكالة أنباء العالم العربي) -  يرى الروائي الجزائري بومدين بلكبير أنّ الرواية الجزائريّة تجاوزت مسألة الصراع بين اللغات التي هيمنت عليها في الماضي، وأصبحت أكثر انفتاحا على القاريء العربي بعد أن زالت عقدة اللغة.

وقال بلكبير في مقابلة مع وكالة أنباء العالم العربي (AWP) إنّ الرواية في بلاده تشهد ازدهارا وتنوعا في الموضوعات، وإنّ الإنتاج الروائي هناك يتّسم بتواصل الأجيال.

وأوضح أنّ مشروعه السرديّ يركّز بصورة رئيسية على الذاكرة وقضايا المهمّشين، مشيرا إلى أنّ الأدب الجزائريّ خلال الأعوام الأخيرة انشغل بتناول قضايا الهامش بعدما أنهكه التعامل مع سنوات العشرية السوداء التي شهدت صراعا مع قوى الإسلام السياسي هناك.

يُعدّ بلكبير من أبرز الأصوات الروائيّة المعاصرة في الجزائر، حيث وصلت روايته (زنقة الطليان) إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر لعام 2022؛ وهو أستاذ جامعي من مواليد عام 1979، له مؤلّفات عديدة من بينها كتاب (النصّ الأخير قبل الصمت) الذي صدر عام 2014.

وقد كتب ثلاث روايات، هي (خرافة الرجل القوي) التي صدرت عام 2016 و(زوج بغال) عام 2018، بالإضافة إلى (زنقة الطليان) التّي صدرت عام 2021.

قضايا المهمّشين

وأوضح بلكبير أنّ السنوات الأخيرة فرضت قضايا جديدة تتعلّق بالأزمات الاجتماعيّة، ما دفعه إلى التعرّض لقضايا المهمّشين، لأنّه يعدّ فردا ضمن هذا المجتمع الذي يُواجه تحديات عديدة.

يصف بلكبير رواياته بأنّها روايات خياليّة لكنّها لا تستطيع أن تُعطي ظهرها للواقع ومشكلاته؛ لذلك، فإنّ أعماله لا تفصل بين الواقع والخيال؛ غير أنه يؤمن بأنّ الواقع بمشكلاته يتخطّى الخيال أحيانا.

وكشف بلكبير عن أنّ روايته (خرافة الرجل القوي) التي نُشرت قبل تسع سنوات كُتبت لإدانة نظام الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة ولمواجهة ما وصفها بأنّها "حمىّ تقديس الرؤساء التي تجتاح الثقافة العربيّة تاريخيّا".

ونوّه إلى أنّ روايته قدّمت معالجة رمزيّة لما عاناه الشعب الجزائري في ظل حكم بوتفليقة، قائلا إنّ تلك الروايه تمثّل هجرة عكسيّة من الغرب لإعادة اكتشاف بلاده وتناقضاتها.

أضاف "تحمل رواية زنقة الطليان رمزيّة أخرى تتعلّق بالزنقة بوصفها معادلا للعالم، وهي في تلك الرؤية تسير على خطى نجيب محفوظ في التعامل مع رمزيّة الحارة كتمثيل للعالم؛ لكن حاولت أن أكتب دائما بطريقتي الخاصة".

حلّ الصراع

واعتبر بومدين أنّ الرواية في الجزائر تخطّت المرحلة التي شغلتها في الماضي، حيث صيغة الصراع بين من يكتبون بالفرنسيّة ومن يكتبون بالعربية.

وقال "مرّت الرواية الجزائريّة منذ عهد الاستقلال وإلى الآن بعدّة مراحل؛ فقد عانى كتّابها الأوائل من مشكلات الهويّة، وكان التحدّي هو معالجة الهويّة من خلال اللغة؛ لكنّها الآن أكثر قبولا لمعنى التعدّد والتعايش بين تجارب تُكتب بلغات مختلفة".

وتابع "الغالبيّة تكتب الآن باللغة العربية؛ وهناك بعض الأعمال التي تُكتب بالفرنسية والأمازيغية والإنجليزية كذلك وتعالج قضايا مهمّة".

وبينما يرى بومدين أنّ الأجيال التي كانت تكتب بالفرنسية انتزعت اعترافا عالميّا وحازت جوائز رفيعة المستوى، فإنّه يعتبر أنّ تواصلها مع العالم العربي ظلّ محدودا، بينما أصبح المُبدع الجزائري المعاصر وثيق الصلة بالثقافة العربية خلال السنوات الأخيرة.

أَضاف "يعرف القرّاء العرب اليوم الكثير من أجيال الرواية الجزائريّة؛ ويحظى معظمهم بشهرة كبيرة، مثل الطاهر وطار، ورشيد بوجدرة، وواسيني الأعرج، وأحلام مستغانمي، وأمين الزاوي، إلى أن وصلنا لجيل بشير المفتي وسمير قسيمي وسعيد خطيبي وأحمد طيباوي وعبد الوهاب عيساوي".

جيل محظوظ

ينظر بلكبير إلى هذا الجيل على أنه الأكثر حظّا بين كتّاب الرواية الجزائريّة نظرا لأنّه الجيل الذي قدّمته إلى القراء الجوائز العربيّة ويسّرت من مهمة وصوله إلى القرّاء في كل مكان بالعالم.

وقال "شئنا أم أبينا، فإنّ الجوائز العربية بسلبيّاتها قدّمت خدمات كبيرة للأدب العربي في كلّ البلدان، وساعدت على زيادة مقروئيّة الرواية بوجه عام، وساهمت كثيرا في تعريف القرّاء بالأدب الجزائريّ".

كما أنّ هذا الجيل بحسب تعبيره "قد تجاوز معالجة سنوات العشريّة السوداء وقضايا الإرهاب وهيمنة الإسلام السياسيّ، وراح لتناول قضايا أخرى، فضلا عن السعي وراء فكرة التجديد وتبنّي مشروعات أكثر تجريبيّة".

يعتزّ بومدين بالكتابات التي قدّمها بعض مبدعي الجزائر من أمثال سعيد خطيبي وعمارة لخوص وبشير مفتي في تناولها سنوات العشريّة السوداء تلك؛ وقال "تجاوز هؤلاء التسطيح والأدب الاستعجالي الذي شجّعته الصحافة لعدّة سنوات على الرغم من لغته التقريرية وطابعها المباشر".

وأكّد أن الجيل الذي ينتمي إليه عانى كثيرا ومرّ بمخاض متعثّر ودفع أثمان التحوّلات القاسية في المنطقة العربية، قائلا إن البلدان العربيّة "لم تهدأ خلال العقود الأخيرة بسبب الأزمات السياسيّة التّي أثّرت على الكتابة السرديّة بوصفها أداة حافظة للذاكرة".

ويرى الروائيّ الجزائريّ الشاب أنّ هناك "جيلا كاملا ظلمته أوضاع القراءة خلال ثمانينيّات وتسعينيّات القرن الماضي بعد إلغاء المنافذ الحكوميّة للنشر والتوزيع أمام المبدع الجزائري وتحوّل أغلب المكتبات إلى مطاعم".

أضاف "خلال السنوات التي أعقبت التحرير، كانت عمليّة القراءة غالبا مرهونة باللغة الفرنسيّة، بينما تميل اليوم لصالح اللغة العربيّة؛ وهذا يجعلنا أكثر حظّا، لأنّ القارىء الجزائري يقرأ اليوم بلغات متعدّدة ويُعطي اللغة العربيّة الأولويّة بخلاف ما عانى منه جيل الستينيّات".

يقطع بلكبير بأن القراءة بالعربية تجاوزت القراءة بالفرنسية في الجزائر وأنّ هموم جيله باتت عربية تماما؛ ويُبدي الروائي الشاب الكثير من الفخر بتنوع الثقافات والأعراق في بلده، والذي يُثري الخريطة الإبداعيّة من وجهة نظره.