الحرب المستمرة توجه ضربة قاصمة للعاملين عن بعد في قطاع غزة
صورة أرشيفية - صحفيون فلسطينيون يعملون من خيمة في مدينة رفح جنوب قطاع غزة. (19 مارس آذار 2024)
  • غزة

  • الاثنين، ١ يوليو ٢٠٢٤ في ٨:٣٣ ص
    آخر تحديث : الثلاثاء، ٢ يوليو ٢٠٢٤ في ٦:٠٦ ص

الحرب المستمرة توجه ضربة قاصمة للعاملين عن بعد في قطاع غزة

(وكالة أنباء العالم العربي) - كان سعدي الجمال، الذي يعمل في شركة للبرمجة والتصميم بقطاع غزة، يحاول التواصل مع زبون خارج القطاع عبر تطبيق التراسل واتس آب حين لاحظ ظهور علامة أعلى الشاشة تفيد بعدم قدرة الهاتف على الاتصال بالإنترنت.

اعتقد الجمال أن عطلا ما قد أصاب الشبكة الخاصة به، قبل أن يعرف خبر توقف جميع خدمات الاتصال بشكل مفاجئ في كل القطاع.

ويقول الجمال لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) عن تلك اللحظة في أكتوبر تشرين الأول الماضي "قبل ليلة 27 أكتوبر سمعنا تصريحات كثيرة من مسؤولين إسرائيليين يطالبون بقطع الاتصالات والإنترنت عن قطاع غزة، وقاموا بتنظيم حملات ضغط كبيرة".

وأضاف "اعتقدنا أنها مجرد صورة ضمن مسلسل ما يعرف بالحرب النفسية التي يقوم بها الاحتلال لإلحاق الضرر المعنوي بأهالي القطاع، قبل أن نفاجأ في تلك الليلة بأننا أصبحنا بالفعل معزولين عن العالم".

وجد الجمال نفسه في موقف لا يحسد عليه، بين المخاوف من الأعمال العسكرية الإسرائيلية واحتمال تعرضه وأسرته للأذى، وبين شبح خسارة سنوات عمله واهتزاز ثقة الزبائن في الشركة بعد أن بذل جهدا كبيرا في بناء العلاقات وتقويتها.

وعلى الرغم من الضرر الذي ألحقه انقطاع الاتصالات والإنترنت بهؤلاء الذين يعملون عن بعد في قطاع غزة، فإن هذه المشكلة لم تكن الوحيدة التي واجهت العاملين المستقلين في القطاع.

دمرت الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ تسعة أشهر على القطاع معظم البنايات التجارية التي تضم مكاتب شركات تقديم الخدمات عن بعد، أو المساحات الحرة للعمل التي توفر للعاملين المستقلين مكاتب مزودة بالخدمات المطلوبة لممارسة أعمالهم، مثل الأثاث المكتبي والكهرباء والإنترنت والبيئة الهادئة.

لم تقتصر الخسارة على دمار المباني فقط، أو انقطاع الإنترنت نتيجة تدمير معظم أبراج الإرسال بفعل القصف الإسرائيلي، بل تمثل الضرر الأكبر في عطب أجهزة الكومبيوتر ومعدات التصوير الحديثة التي كانت موجودة في المكاتب المستهدفة بالقصف، وغيرها من الأدوات اللازمة لإنجاز الأعمال وما كانت تضمه من أرشيف لمشروعات أنجزت سابقا وأخرى قيد التنفيذ وترتبط بمواعيد مجدولة مسبقا للتسليم.

وحال ضياع النسخ الخاصة بالمشاريع السابقة والجارية دون قدرة الكثير من الشركات ومقدمي الخدمات المستقلين على الإيفاء بالتزاماتهم مع جهات وزبائن خارج القطاع، أو العمل على إعادة بناء المشاريع الخاصة بالزبائن من جديد بسبب فقدان الأجهزة والأدوات اللازمة، وزاد الطين بلة انقطاع الإنترنت وفقدان القدرة على مجرد الاتصال بالعملاء.

حاول كثيرون من أهالي قطاع غزة، ومنهم الصحفيون، إيجاد بدائل مثل شرائح الهاتف المدمجة للتعامل مع الأوضاع الجديدة وتمكنهم من إعادة التواصل مع العالم الخارجي، والاستمرار في تقديم الخدمة الإخبارية الخاصة بالحرب أو لعب دور الوسيط في نقل الرسائل بين المغتربين وأقاربهم داخل غزة.

ويروي محمد أبو عمرة، وهو صحفي من غزة، تجربته مع الشرائح المدمجة ويقول "حصلت على شريحة إلكترونية (شريحة مدمجة) مع بداية الحرب عن طريق صديق مقيم في مصر كبديل أفضل من خدمة حزم البيانات التي ما زالت تعمل بتقنية الجيل الثاني داخل قطاع غزة، قبل أن نُصدم بأزمة قطع الاتصالات والإنترنت بشكل كامل، ليتحول اعتمادي على هذه الشريحة كمصدر وحيد للتواصل، إلا أن عيوبها كانت أكثر من مميزاتها".

ولا تعمل الشرائح المدمجة على كل أجهزة الهاتف المحمول، كما قال أبو عمرة إنها تحتاج أيضا إلى مكان مرتفع لالتقاط الإشارة بوضوح.

وعزا محمد شباك، مدير دائرة المتابعة والتنسيق في وزارة الاتصال الفلسطينية، السبب الرئيسي في ضعف خدمات الإنترنت والاتصال في القطاع إلى الاستهداف المتكرر من قبل الجيش الإسرائيلي لأبراج الإرسال وأنظمة التقسيم الرئيسية لشركة الاتصالات ومزودي خدمات الإنترنت.

وبسبب عدم سماح إسرائيل بدخول المعدات والأجهزة اللازمة، حاولت الشركات إصلاح الأعطال بالحد الأدنى من الإمكانات المتاحة، بحسب شباك، واضطرت إلى تحويل العديد من نقاط الربط من خطوط الألياف الضوئية عالية السرعة إلى وصلات تقدم من خلالها الخدمة بجودة أقل.

كما ساهم تكدس النازحين في مناطق محدودة في وضع ضغط كبير على أبراج الإرسال فيها.

وأضاف شباك "عدم توفر الوقود اللازم لتشغيل مولدات أجهزة البث والإشارة بسبب منع الجانب الإسرائيلي دخول كميات كافية فاقم من حدة الأزمة.

"اضطرت الشركات اعتمادا على خارطة قدمتها وزارة الاتصال تتضمن مراكز الإيواء والمستشفيات والمرافق الصحية إلى تحديد مناطق الأولوية لتشغيل المقاسم وأبراج الإرسال".

العمل عن بعد

توجه في السنوات القليلة الماضية الشباب في قطاع غزة نحو المنافسة في سوق العمل عن بعد في ظل شح فرص العمل في القطاع وتشبع السوق بالمشاريع التقليدية، معتمدين على مهارات وخدمات يمكن تقديمها عبر الإنترنت.

وكان العاملون المستقلون الذين يعملون عن بعد أحد أهم الروافد الاقتصادية في قطاع غزة وسط الحصار الذي تفرضه إسرائيل على القطاع الساحلي الضيق المكتظ بالسكان، وعلاجا لارتفاع معدلات البطالة التي وصلت إلى 68 بالمئة في 2023 بحسب الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء.

يستعيد محمد هنية، وهو مدير شركة في غزة تقدم خدمات عن بعد، بدايات شركته التي أسسها مع اثنين من أصدقائه قبل عشر سنوات، حتى وصل عدد موظفيها إلى 15 بدوام كامل قبل السابع من أكتوبر تشرين الأول، بجانب العديد من الموظفين الذين يعملون بالقطعة.

وبحسب هنية، كانت التحديات جمة أمام إطلاق المشروع، من توفير رأس المال المطلوب لاستئجار مكتب وشراء أجهزة الكومبيوتر ومعدات التصوير المناسبة لأغراض التصميم والخدمات المختلفة، إلى الحفاظ على رصيد مالي كشبكة أمان لدفع الرواتب وتغطية التكاليف الأخرى والوصول للزبائن.

وقال هنية لوكالة أنباء العالم العربي "عملنا على مدار عشر سنوات دون كلل أو ملل، أنجزنا خلالها مئات المشاريع والخدمات بمختلف أحجامها وإلى مختلف بقاع الأرض، إلا أن الاحتلال حول كل هذا التعب إلى ركام حين قصف برج وطن التجاري وسط مدينة غزة... الذي يضم مكتب الشركة".

وأضاف هنية أن القصف الإسرائيلي دمر بناية أخرى تضم مساحة عمل خاصة بموظفي شركته بكل ما فيها من أجهزة.

أما لينا شرف، التي تعمل في تقديم خدمات التسويق منذ ستة أعوام، فتركيزها ينصب على أزمة فقدان قاعدة عملائها نتيجة غيابها الطويل عن التواصل معهم في ظل الانقطاع المتكرر للاتصالات والإنترنت خلال الحرب، وعدم وجود مصدر للحصول على خدمة إنترنت "مقبولة" بالقرب من الأماكن التي نزحت إليها.

وقالت "حصلت على أول عقد عمل لي بعد يومين فقط من دخولي عالم الفريلانس (العمل المستقل)، وكان لمدة ثلاثة أشهر مع شركة سعودية في مجال التسويق وكتابة المحتوى، وكنت ما زلت طالبة في المرحلة الثانوية".

لكن الحرب الإسرائيلية وجهت ضربة قاصمة لخطط لينا في حياتها العملية، وأصبحت الآن تقيم مع زوجها في إحدى خيام النزوح في المحافظة الوسطى دون أي مصدر دخل.

وتقدم فلسطينية أخرى من غزة هي بشرى جودة خدمات الترجمة والتدقيق اللغوي باللغة الإنجليزية عن بعد قبل أن تعطل الحرب مسيرتها المهنية.

وقالت بشرى إنها تضطر إلى قطع مسافات طويلة بين مكان نزوحها في خان يونس وبيت أصدقاء لها في رفح حتى تستطيع الاتصال بالإنترنت المنزلي الأفضل حالا من شبكات شركات الاتصالات، قبل أن تنزح مجددا إلى المحافظة الوسطى.

وجدت بشرى بعد جهود مضنية في البحث مساحة حرة كانت مقهى في الأساس توفر اتصالا بالإنترنت وبطاريات طاقة شمسية لشحن الهواتف وأجهزة الكومبيوتر مقابل عشرة شواكل (نحو ثلاثة دولارات) في الساعة الواحدة.

أما الشركة التي يديرها هنية، فقد كان قرار مجلس إدارتها سفر جزء من موظفيها ومواصلة العمل من الخارج، في محاولة للحفاظ على ما تبقى من الشركة ومكانتها وزبائنها، فانتقل هنية رفقة اثنين آخرين من الطاقم إلى مصر.

وكانت أولى إجراءات تصحيح المسار، بحسب هنية، هي خوض ماراثون من الاتصالات مع الزبائن والشركاء وأصحاب العقود، والاعتذار لهم عن التأخر في تسليم المشاريع والأعمال نتيجة الظروف التي سببتها الحرب، مع تقديم ضمانات لإنجاز الخدمات المطلوبة في أقرب وقت.

ولتحقيق ذلك، اضطرت شركة هنية إلى الاعتماد على موظفين خارجيين لإنقاذ العمل وإنجاز المشاريع المتفق عليها مع العملاء، وسارت على خطاها الكثير من الشركات في غزة التي تقدم خدمات إلكترونية عن بعد.

أما من حالفه الحظ في الحفاظ على الحد الأدنى من الزبائن مع امتلاك خدمة إنترنت جيدة، فقد اصطدم بعدم القدرة على تلقي أجره مع توقف البنوك في غزة عن العمل واضطرار أهالي القطاع إلى سحب النقود عبر وسطاء مقابل عمولة باهظة تصل إلى 30 بالمئة، وفقا لعاملين مستقلين تحدثوا إلى وكالة أنباء العالم العربي.

وألقى محمد الحاج، الذي يعمل بصورة مستقلة أيضا، باللوم على شركات الاتصالات ومزودي خدمات الإنترنت في القطاع.

وقال إنه يربطه بشركة الاتصالات عقد اتفاق التزود بخدمة الإنترنت ضمن مواصفات متفق عليها "لذلك تقع على عاتقهم مسؤولية اتخاذ إجراءات تصحيحية أكبر وتدخلات عاجلة على مستوى التعامل مع الأحداث الطارئة وتصليح الأعطال وتعويض المتضررين".

ولا توجد إحصاءات رسمية فلسطينية لعدد العاملين في مجال تقديم الخدمات عن بعد في قطاع غزة.