• الخرطوم

  • الاثنين، ٢٩ أبريل ٢٠٢٤ في ٤:٠٨:٣٢ م
    آخر تحديث : الاثنين، ٢٩ أبريل ٢٠٢٤ في ٤:٠٨ م

الحراك الدبلوماسي الروسي مع السودان.. هل يحمل في طياته مصالح متبادلة؟

(وكالة أنباء العالم العربي) - شهدت الساحة السياسية السودانية في الآونة الأخيرة حراكا دبلوماسيا واضحا مع روسيا، كان أحدث علاماته زيارة وفد روسي كبير يقوده المبعوث الخاص للشرق الأوسط وأفريقيا ونائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف إلى مدينة بورتسودان الساحلية يوم الأحد في زيارة رسمية تستغرق يومين.

وتأتي زيارة المدينة التي يتخذها الجيش عاصمة مؤقتة بعد أيام من لقاء مدير جهاز المخابرات السوداني إبراهيم مفضّل مع نائب وزير الخارجية الروسي على هامش الاجتماع الدولي الثاني عشر للممثلين رفيعي المستوى المسؤولين عن القضايا الأمنية، والذي أُقيم في العاصمة موسكو الأسبوع الماضي، حيث تناولا الأوضاع السياسية في السودان.

كما اجتمع وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم مع بوغدانوف في العاصمة الروسية في 15 يناير كانون الثاني الماضي، وتناول اللقاء العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تنشيط التعاون المشترك؛ كما تطرق إلى ضرورة تفعيل اللجان المشتركة ووضع خطط للدفع بالعلاقات الاقتصادية بينهما إلى مستويات أعلى.

وأكد بوغدانوف لدى وصوله إلى مدينة بورتسودان يوم الأحد أن روسيا تعتبر مجلس السيادة هو الممثل للشعب السوداني. وقال إن روسيا تقدر العمل المشترك في العلاقات السياسية والإنسانية والاقتصادية، مؤكدا الإبقاء على قنوات التواصل مفتوحة بين البلدين "بما يعزز الصداقة بين شعبينا وتطوير الشراكة الاستراتيجية بين البلدين".

كما بحث المبعوث مع عضو مجلس السيادة السوداني ونائب القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن شمس الدين كباشي أمس الأحد العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون سياسيا واقتصاديا وعسكريا وثقافيا.

ونقل إعلام مجلس السيادة عن الكباشي تأكيده انفتاح السودان على كل مبادرات حقن الدماء "ولكن في إطار الشرعية والرؤية السودانية التي تضمن وتحفظ حقوق الشعب السوداني كاملة".

من جانبه أوضح وزير الخارجية السوداني المكلف حسين عوض في تصريح صحفي أن المبعوث الروسي أكد على دعم بلاده للسودان في مواجهة كل ما من شأنه تهديد سيادته ومصالح شعبه.

والتقى بوغدانوف اليوم الاثنين برئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان الذي أعرب عن رغبة السودان في ترقية العلاقات مع روسيا وتعزيزها بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين.

* المصالح المتبادلة

ويرى مراقبون أن الزيارة تخدم مصالح الجانبين، فروسيا تبحث عن موطئ قدم في الأراضي السودانية، خصوصا على شواطئ البحر الأحمر، وتسعى كذلك للاستفادة من موارد البلاد مقابل توفير الدعم العسكري للجيش السوداني الذي يخوض صراعا ضاريا مع قوات الدعم السريع منذ أكثر من عام.

ويعتقد الخبير العسكري عمر أرباب أن روسيا تسعى لتحقيق أكبر قدر من المكاسب في هذه المرحلة مستفيدة من حالة الوهن الناجمة عن الصراع الذي يعصف بالدولة السودانية.

وقال لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "هذه الأوضاع مثالية للاستفادة من الموارد السودانية، ويتضح هذا من خلال الزيارات.. خصوصا قضية المعادن والمواقف الدولية وما إلى ذلك".

وأضاف "قضية التسليح حاضرة في هذه الزيارة، خصوصا أن الحكومة السودانية تعاني من العقوبات". وقال إنه يمكن لروسيا أن توفر السلاح المطلوب للجيش، غير أن هذا ربما يُعقد العلاقات بين السودان وأوكرانيا التي قال إنها "فاعلة في الحرب الدائرة بين الجيش والدعم السريع وتلعب دورا بارزا لصالح الجيش".

وأوضح الخبير العسكري "لا أدري كيف سيستطيع الجيش الموازنة بين هذه العلاقات".

وذكر أرباب أن الحصول على قاعدة عسكرية على ساحل البحر الأحمر شرق السودان من الخيارات الاستراتيجية التي تتشبث بها روسيا بقوة باعتبار أنها ستكون بوابة لأفريقيا وستحفظ مصالحها في القارة.

ولفت إلى أن الدور الغربي الذي بدأ يتحرك تجاه الصراع في السودان دفع روسيا لمحاولة ترسيخ موطئ قدم لها بالمنطقة.

ويرى أرباب أن هذا يعكس "تعقيدا" في العلاقة بين الجانبين، فالجيش لا يستطيع أن يمنح روسيا قاعدة في مثل هذه الأوضاع باعتبار أن هذا يمكن أن يكون له ارتدادات سياسية كبيرة وربما يقود إلى تدخلات دولية تجعل من السودان ساحة صراع كبيرة "تنذر بشرر عظيم".

وأضاف "لا أريد أن أكون متشائما، لكن السيناريوهات يمكن أن تتجه إلى احتمالات أشد كارثية من الوضع الماثل، وأتمنى ألا يحدث ذلك".

* قاعدة عسكرية

أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، صلاح الدين الدومة، قال إن الزيارة تهدف لتوطيد العلاقات بين روسيا والجيش السوداني، وتجيء في وقت تعلم فيه الحكومة الروسية  أن هذه "هي اللحظة الذهبية التي يمكن أن تأخذ فيها أغلى الأشياء بأقل تكلفة. التقى الهدفان في مكان واحد".

وأضاف في حديثه لوكالة أنباء العالم العربي "لكن المهم هو القضايا الاستراتيجية الكبيرة مثل بناء قاعدة عسكرية على ساحل البحر الأحمر"، مشيرا إلى أن مثل هذه الأشياء لا يمكن أن تحدث إلا بتوقيع اتفاقية بين الدولتين يصادق عليها البرلمان، وهو غير موجود منذ سقوط نظام عمر البشير في أبريل نيسان 2019.

ويعتبر الفريق محمد بشير سليمان، المحلل العسكري والضابط المتقاعد بالجيش السوداني، أن السودان بموقعه الاستراتيجي وبعده الجيوسياسي والاقتصادي في المنطقة العربية والقرن الأفريقي وبامتلاكه ساحلا بحريا متميزا على البحر الأحمر يُعتبر "مجالا حيويا للصراع الدولي لأجل تحقيق المصالح الحيوية والاستراتيجية ومتطلبات الأمن القومي، ليس على المستوى الإقليمي فحسب، بل وعلى المستوى الدولي".

وأضاف "ذلك ما يؤكده الواقع الماثل الآن حيث الوجود العسكري المتزايد للولايات المتحدة وحلفائها في سواحل البحر الأحمر من أجل حماية إسرائيل، والذي يهدد السلام والأمن الدوليين في إطار أبعاده الإقليمية المعلومة، ليبرز في ذات الوقت الحضور والمسعى الروسي المتواصل لإيجاد موطئ قدم على شواطئ البحر الأحمر من خلال السودان".

وأردف قائلا لوكالة أنباء العالم العربي "مسعى روسيا للحصول على قاعدة على السواحل السودانية ظل متصلا منذ عهد النظام السابق، ولا شك أنه لن يتوقف في ظل الصراع القائم الآن بين الدولتين الكبيرتين الولايات المتحدة وروسيا اللتين يجري بينهما صراع مباشر وغير مباشر في الحرب الروسية الأوكرانية والتي يمتد أثرها من خلال منظمة فاغنر الروسية ذات الارتباط الوثيق بالحرب التي تدور رحاها الآن بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع"، مؤكدا أن المنظمة تقاتل إلى جانب الدعم السريع.

وقال إن السودان يبحث من جانبه عن مناصرين خصوصا من بين الدول الكبرى، ليس فقط لتأمين متطلبات القتال اللازمة لإدارة هذه الحرب بما يمكنه من الانتصار على قوات الدعم السريع "بل لتفكيكها... ولإسناد السودان في المحافل الدولية حماية له من القرارات الأممية الجائرة"، على حد وصفه.

ومضى قائلا "من المعلوم أن أي دولة من دول العالم الثالث تحتاج لمساندة قوة عظمى قادرة على تأمين مطلوبات الحرب، وإلا فالهزيمة واردة.

"لذلك أحسب أن خطوة السودان في دفعه بذلك الوفد الأمني الرفيع لزيارة موسكو تسير في الاتجاه الصحيح، حيث أعقبتها مباشرة وفي زمن وجيز زيارة الوفد الروسي الرفيع برئاسة نائب وزير الخارجية الروسي، وذلك ما يعني نجاح زيارة الوفد السوداني لموسكو، وتأكيدا على جدية الدولتين في توطيد العلاقات بينهما عبر تحقيق المطلوب من كل طرف تجاه الآخر".

أما عن إمكانية أن تقدم روسيا رؤية في إطار المساعي التصالحية بين الطرفين المتحاربين في السودان، فهو يرى أن ذلك غير وارد الآن، وإن حدث فمجاله ضيق ومحدود باعتبار أن منبر جدة التفاوضي أصبح الجهة الوحيدة التي حددتها الحكومة السودانية للتفاوض، وفي ذات الوقت لم ترفضها قيادة الدعم السريع.