فلسطينيون في غزة يعبرون عن آلامهم وآمالهم بالكتابة على أنقاض المباني
عبارات كتبها فلسطينيون في قطاع غزة على ركام المباني المدمرة تعبيرا عن آلامهم بعد تسعة أشهر من الحرب الإسرائيلية (27 يونيو حزيران 2024)
  • غزة

  • الجمعة، ٢٨ يونيو ٢٠٢٤ في ١٠:٢٩ م
    آخر تحديث : السبت، ٢٩ يونيو ٢٠٢٤ في ٨:٥٣ ص

فلسطينيون في غزة يعبرون عن آلامهم وآمالهم بالكتابة على أنقاض المباني

(وكالة أنباء العالم العربي) - "سلام لأرض خلقت للسلام ولم تر السلام يوما".. عبارة كتبت على قطعة كبيرة من حطام منزل الفلسطيني يحيى شموط الذي دمره الجيش الإسرائيلي في خان يونس بجنوب قطاع غزة، وذيلت بعبارة أخرى بلون مختلف تقول "حنعمرها بإذن الله".

يتنقل الرجل، الذي دخل العقد السادس من العمر قبل أيام، بصعوبة بالغة بين ركام منزله والمنازل المدمرة المجاورة له بعدما أصر على الإقامة تحت جزء من السقف المهدم لدى عودته من نزوحه الطويل في رفح قبيل الاجتياح الإسرائيلي للمدينة في مطلع الشهر الماضي.

يسيطر الحزن على شموط وهو يجول بناظريه في تفاصيل بيته الذي تحول إلى كومة من الركام، بعدما وضع في تكاليف تشييده كل مدخرات عمره على أمل أن يوفر مكانا مناسبا لعائلته وعائلات أبنائه، قبل أن يدمره الجيش الإسرائيلي في لحظات.

يطل الرجل على العبارة التي كتبها مع أبنائه على كتلة أسمنتية كبيرة للتعبير غضبه وحزنه تجاه آلت إليه ظروف عائلته، التي أصبحت تعيش بين الركام بعد أن كان لها حياة مستقرة، بينما تجلس زوجته بعيدا والدموع لم تغادر عينيها حسرة على أوضاعهم البائسة.

وبينما يتأمل شموط كل كلمة كتبت ويعود بذاكراته لما قبل السابع من أكتوبر تشرين الأول عندما كان يعيش في حياة ميسورة، يتابع ابنيه اليافعين وأجسادهما تتمايل من ثقل جالونات المياه التي يحملونها من مسافة بعيدة.

يزيد ضنك الحياة وتفاصيلها اليومية القاسية من الحالة النفسية السيئة المسيطرة على الرجل وعائلته التي وجدت نفسها تبيت في الشارع بين الركام ولا أفق لنهاية قريبة لمعاناتها.

يصف الرجل فلسطين بأنها "أرض السلام ومهد السلام وشعبها شعب يحب السلام والحياة، لكنها رغم ذلك لم تعش أبدا إلا في حروب واعتداءات واضطهاد مستمر لشعبها المغلوب على أمره".

وقال شموط لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "مللنا من الحديث قبل الحرب وخلالها عن كل التفاصيل وآثرنا أن نختصر مشاعرنا وأفكارنا في بضع كلمات لعل الناظر إليها يشعر بنكبتنا".

وأضاف "لكل حرف وكلمة تأثير في نفوسنا وتعبير عن مشاعرنا الكثيرة وفي كافة الاتجاهات: للاحتلال الذي دمرنا وللعالم الصامت على موتنا ولقادة شعبنا الذين يجب أن يكونوا على قدر المسؤولية ويوقفوا الإبادة بأي ثمن".

ويلجأ الفلسطينيون الذين دمرت منازلهم وممتلكاتهم في قطاع غزة خلال الحرب المستمرة منذ تسعة أشهر إلى كتابة كلمات وعبارات وحتى رسومات في بعض الأحيان على ركام المباني المدمرة للتعبير عما ما يدور في نفوسهم من حزن وغضب وإحباط تارة، ومن إرادة ورغبة في تجاوز الصعاب واستئناف الحياة وعدم الاستسلام تارة أخرى.

عبارات كتبها فلسطينيون في قطاع غزة على ركام المباني المدمرة تعبيرا عن آلامهم بعد تسعة أشهر من الحرب الإسرائيلية (27 يونيو حزيران 2024)

"حسبي الله ونعم الوكيل".. عبارة أخرى يمكن رؤيتها بكثرة على بقايا المباني المدمرة، في رسالة تعكس حجم الغضب الذي ينتاب من فقدوا كل ما يملكون في هذه الحرب، ولسان حالهم يقول إن كل أسباب البشر عجزت عن وقف الموت والدمار ولم يبق إلا اللجوء إلى الله.

وتلخص الكلمات الأربع الكثير مما يشعر به أصحاب المنازل والمزارع والممتلكات المدمرة من حالة ضياع تجعلهم يلجؤون إلى ربهم لأخذ حقهم ممن ظلمهم، على حد قول محمود براوي الذي دمر الجيش الإسرائيلي منزله وورشة الحدادة التي يملكها ليفقد مأواه ومصدر رزقه الوحيد.

يوضح براوي (48 عاما) قائلا إنه كان يدعو الله ألا يفقد المنزل والورشة معا، وأن يبقى أحدهما حتى لا يشعر بأن ثلاثة عقود من العمل ضاعت هباء، لكن الواقع خالف الأمنيات، مشيرا إلى أن عبارة "حسبي الله ونعم الوكيل" هي تعبير عن يأس وهم ثقيلين على الصدور لن يزيحهما سوى الله.

وقال الرجل الذي يتنقل بين عريشته التي أقامها في منطقة المواصي وركام منزله المدمر في وسط خان يونس "يكفينا أن كل شخص يمر بجانب الدمار يكرر هذه الكلمات، لعل الله يستجيب ويرفع الظلم عنا".

وأضاف "لا تستغرب أن بعض أصحاب البيوت المدمرة سجلوا كل ذكرياتهم على الحوائط المهدمة وليس مجرد كلمات أو عبارات، صدورنا تنتفض من الوجع ونحن بحاجة لكل ما يخفف عنا لو بمجرد الكتابة".

وفي مكان آخر، يتحرك رجب أبو شعيب داخل شقته المدمرة ويشير بيده إلى دمار هائل على امتداد البصر، ويتحدث بحزن وتوتر عن إحساسه بالعجز بعدما دمر الجيش الإسرائيلي منزله الذي انتهى قبل أشهر قليلة من تشييده.

على الحوائط المدمرة المتبقية كتب أبو شعيب وزوجته التي تحمل رضيعها بفحم الأخشاب المحترقة عبارات منها "هنا دفن حلمنا، وأصبحنا في الشارع، ويا رب صبرنا".

وقال أبو شعيب "كل الكلمات المكتوبة بسيطة أمام الصدمة التي نشعر بها، لا توجد وسائل أخرى للحديث عن أحزاننا سوى هذه العبارات والجدران المحطمة".