الذهب ملاذ اللبنانيين الآمن بعد فقدهم الثقة في المصارف المحلية
صورة أرشيفية - معتصمون أمام مصرف لبنان المركزي في بيروت تلبية لدعوة "اتحاد المودعين في مصارف لبنان" للمطالبة باستعادة أموالهم التي تحتجزها المصارف منذ بداية الأزمة المالية عام 2019 (4 أبريل نيسان 2024)
  • بيروت

  • السبت، ٨ يونيو ٢٠٢٤ في ٨:٥٧ ص
    آخر تحديث : الاثنين، ١٠ يونيو ٢٠٢٤ في ٦:١٥ ص

الذهب ملاذ اللبنانيين الآمن بعد فقدهم الثقة في المصارف المحلية

(وكالة أنباء العالم العربي) - مع استمرار الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان منذ عام 2019، زاد إقبال اللبنانيين على شراء الذهب، ليس لوفرة في المال أو سعة في الرزق وإنما لحفظ قيمة أموالهم، كون المعدن الأصفر هو الملاذ الآمن للتحوّط من مخاطر التضخم وتراجع قيمة العملة المحلية.

ووفقا لتقرير (أنماط الطلب على الذهب) الصادر عن مجلس الذهب العالمي، فقد احتل لبنان المرتبة 19 عالميا والثانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث قيمة احتياطي الذهب للعام الماضي بنحو 286 طنّا وفق تقديرات المجلس.

وتشير الأرقام الصادرة عن المؤسسة (الدولية للمعلومات)، وهي شركة دراسات وأبحاث وإحصاءات علميّة مستقلّة تأسّست في بيروت عام 1995، إلى أن حجم ما استورده لبنان من سبائك الذهب في العام الماضي بلغت قيمته نحو 1.49 مليار دولار أميركي، بينما بلغت قيمة صادراته من هذه السبائك نحو 291 مليون دولار فقط.

نعيم رزق، رئيس نقابة تجّار الذهب والمجوهرات في لبنان، قال في حديث لوكالة أنباء العالم العربيّ (AWP) إن الأزمة الاقتصاديّة دفعت المواطنين لشراء الذهب بشكل أكبر خلال السنوات الثلاث الماضية "كون المعدن الأصفر ملاذا آمنا للمواطنين في كلّ دول العالم".

أضاف "نتيجة للأزمة الماليّة التي حلّت بالمصارف اللبنانيّة، وصعوبة حصول المواطنين على ودائعهم، من استطاع سحب جزء من أمواله اشترى بها ذهبا، بدلا من الاحتفاظ بالنقود أو إيداعها مرّة أخرى في البنوك".

ويشهد لبنان أزمة اقتصادية وماليّة منذ عام 2019، أدّت إلى انهيار سعر صرف العملة الوطنيّة إلى نحو 15 ألف ليرة للدولار الواحد في السوق الرسميّة وحوالي 89 ألف ليرة في السوق الموازية، فضلا عن تراجع قدرة المواطنين على سحب ودائعهم من المصارف.

منحنى صعوديّ

وقال رزق "المعدن الأصفر يستطيع كلّ الناس شراءه، وهو ليس مثل العقارات والأسهم بالشركات؛ فالعقار الذي يبلغ سعره 150 ألف دولار قد لا يملك المواطن حقّه، بينما قد يتمكّن من تأمين ألفي دولار لشراء أونصة الذهب، وإن أراد بيعها لاحقا فأسواق الذهب موجودة ويُمكنه الاستثمار بها أيضا".

أضاف "الطلب الكبير على الذهب، كون كل سنة تمضي ترتفع قيمته... سنة 1970، كانت أونصة الذهب قيمتها 75 دولارا في لبنان؛ وفي عام 2010 وصلت إلى ألف دولار؛ وفي عام 2022 بلغت 1600 دولار؛ أمّا هذا العام، فقد بلغت قيمتها 2350 دولارا".

وتابع "في عام 2019، بلغ الاستيراد 476 مليون دولار والتصدير 1.2 مليار؛ وفي عام 2023، بلغ الاستيراد حوالي 1.2 مليار والتصدير 150 مليونا. هذا الفرق بين التصدير والاستيراد في العام الماضي، كون الكمية الأكبر احتفظ بها اللبنانيون في بيوتهم".

وأشار إلى أن بعض اللبنانيين المغتربين في الخارج يرسلون أموالا إلى أسرهم، التي بدورها تشتري الذهب، قائلا إن "من اشترى عشر أونصات ذهب قبل سنة وشهرين كان سعرها 16 ألفا و250 دولارا (الأونصة 1625 دولارا)؛ أمّا اليوم، فالسعر 2350 دولارا للأونصة الواحدة؛ فأصبح سعر عشر أونصات نحو 23.5 ألف دولار".

وقال "بالذهب، أحافظ على قيمة أموالي وهي قابلة للزيادة في ملاذ آمن... منذ بداية العام، يُقال إن الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي الأميركي) سيخفّض أسعار الفائدة على الدولار، وبمجرد انخفاضها سيرتفع سعر الذهب".

قلق مستمر

وأشار رزق أيضا إلى أنّ الأوضاع الإقليميّة والدوليّة عزّزت رغبة الناس في شراء الذهب "خوفا من التداعيات الأمنيّة، كما هو الحال في الحرب الروسيّة على أوكرانيا والصراع بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي".

أمّا ريتا المُرّ، أستاذة الاقتصاد في الجامعة اللبنانية، التي أشارت إلى أنّ اللبنانيين "فقدوا الثقة بالمصارف، فقرروا البحث عن البديل، وكان شراء الذهب أحد الحلول السريعة والآمنة"، فترى بدورها أن هناك مبعث قلق آخر لدى اللبنانيين في الفترة القادمة حتى في ظل الاحتفاظ بالذهب.

وقالت في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إنّ "الخوف الأكبر لدى اللبنانيين خلال السنوات الماضية كان من قيام السلطة بتقديم جزء من احتياطي الذهب (لدى البنك المركزي) كضمانة أو بيعه بحجّة الأزمة الاقتصادية وتأمين المبالغ المطلوبة للحصول على قروض صندوق النقد الدولي".

وأشارت إلى أنّ من احتفظوا بالذهب خلال السنوات الطويلة، سواء في صورة حُليّ أو سبائك "استطاعوا أن يكون لهم سند في مواجهة التحديات الماليّة وانخفاض القدرة الشرائية.

وأوضحت أنّ "بعض العائلات اللبنانية، ونتيجة تقاليد اجتماعيّة متوارثة، كانت تخصص جزءا من راتبها لشراء الأساور والخواتم الذهبية وتحتفظ بها في المنازل... كانت العائلات أيضا تُهدي بعضها عند ولادة الطفل أو الأعراس ليرة ذهبيّة أو قطعة مجوهرات ثمينة، وذلك قبل التوجّه في مرحلة لاحقة إلى المصارف لإيداع قيمة الهديّة في حساب المودع".

وقالت في حديث لوكالة أنباء العالم العربي "لو اتّجهت الحكومة إلى هذا الخيار (تقديم جزء من احتياطي الذهب كضمان) فسنكون في هذه الحالة قد خسرنا آخر أوراقنا التي تُساهم بالمحافظة على ما تبقّى من مؤسّسات الدولة، كونه (الذهب) يشكّل حماية للعملة الوطنيّة".