• نواكشوط

  • الأربعاء، ٥ يونيو ٢٠٢٤ في ٥:٤٠ ص
    آخر تحديث : الأربعاء، ٥ يونيو ٢٠٢٤ في ٥:٤٠ ص

الضغط من أجل الصلح يعيق تحقيق العدالة لضحايا العنف الأُسري في موريتانيا

(وكالة أنباء العالم العربي) - في غرفةٍ هادئةٍ بإحدى المستشفيات المتخصّصة في علاج الأمراض النفسيّة، جلست الموريتانيّة أمّ فاطمة إلى جوار ابنتها الشابة الممددة على السرير، تُلامس يدها وتحثّها على التحلّي بالصبر، مؤكدّة أنّ حقّها لن يضيع.

كانت فاطمة قد حاولت الانتحار بسبب سوء معاملة زوجها؛ سبق ذلك بشهر واحد ظهورها عدة مرّات في تسجيلات مصوّرة بثتها على تطبيق (تيك توك) وتحدثّت فيها عن ذلك العُنف الذي تتهم زوجها بممارسته بحقها، والذي قالت إنه شمل الاضطهاد والتعذيب والتهديد بالقتل.

لم تتلق فاطمة دعما بعد نشرها تلك المقاطع، التي قوبلت بتعليقات ساخرة جعلتها تفقد الأمل في الحياة، حتّى قررت في لحظة يأس الانتحار وبثّت محاولتها تلك مباشرة عبر التطبيق؛ لكن لحسن حظّها أنقذها أهلها في اللحظات الأخيرة.

وقالت والدة فاطمة في حديث لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) إنّ ابنتها كانت دائما فتاةً قويّة "لكنّها لم تستطع تحمّل ما تعرّضت له من تعذيب نفسيّ وجسديّ؛ حاولت أن تكون لها السند والدعم، لكن الألم كان أكبر من قدرتها على التحمّل".

وأشارت إلى أنّ ابنتها تعرّضت للضرب والتعنيف بشكل مستمرّ قبل تدهور حالتها النفسيّة وإقدامها على محاولة الانتحار.

"ظاهرة"

هذه الحادثة بالتحديد فتحت الباب أما نقاش أوسع نطاقا حول ظاهرة العُنف الأسريّ في موريتانيا، إذ تُشير منظّمات حقوقيّة إلى أنّ النساء في موريتانيا يُعانين مستويات مرتفعة من العنف الأسري مع قلّة الدعم القانونيّ والنفسيّ المتاح لهنّ.

وقالت الناشطة الحقوقيّة سهام حمادي في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إنّ ظاهرة العنف الأسري "متجذّرة في المجتمع بسبب الثقافة التقليديّة التي تُعطي الرجال السلطة الكاملة على النساء"، معتبرة أنّ سبب استمرارها ما وصفته بعدم وجود قوانين رادعة "وعدم تطبيق القوانين الموجودة بصرامة".

وترى حمّادي أنّ حادثة فاطمة "تُعدّ مجرّد قمّة جبل الجليد فيما يتعلّق بانتشار العُنف الأسريّ في موريتانيا.... تصل هذه الحالات إلى مستويات خطيرة تدُقّ ناقوس الخطر وتستدعي تحرّكا فوريّا من قبل الحكومة".

وتتّفق الصحفيّة المهتمّة بحقوق المرأة سلطانه بنت خليفة مع هذا الطرح، إِذ ترى أنّ "ثقافة المجتمع التي تجبر النساء على التستر على العنف الممارس ضدّهن خوفا من وصمة العار تعدّ من بين أسباب انتشار العنف في موريتانيا".

وقالت بنت خليفة في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إنّ "ضعف التشريعات بهذا الخصوص، يساهم بشكلٍ كبيرٍ في تصاعده (العنف الأسري)، لمعرفة الجناة بإمكانيّة افلاتهم من العقاب... "النساء يخشين الإبلاغ عن المعنِّف، لمعرفتهن أنّ التشريعات ليست في صفّهن وأنهم قد يُتركن ليواجهن مصيرهن مع الجاني".

مسار ليس بالسهل

الموريتانية منينة، التي تعيش في أحد الأحياء الشعبية بالعاصمة نواكشوط، كانت هي الأخرى من ضحايا العنف الأسري على يدّ زوجها.

وقالت في حوار أجرته معها وكالة أنباء العالم العربي "عِشت حياةً زوجيّةً مليئة بالألم والصبر، فُرض (الزوج) عليّ فيها أعمالا شاقة وكان يوبخنّي بشدة كلما اعترضت على قراراته... كان يكرّر دائما أنّ المرأة يجب أن تكون مُطيعة ولا تُناقش رجلها، ما جعلني أشعر أني مسلوبة الإرادة والكرامة".

أضافت "كُنت أتعرّض للعُنف الجسديّ والنفسيّ بشكل مستمرّ؛ كانت تلك اللحظات تترك جروحا عميقة في نفسي، ولكنّي كُنت أتحمّل كلّ ذلك بصبر، على أمل أن يتغيّر الوضع يوما ما.

بعد سنوات على هذا الحال، قررت منينة أن تسلك المسار القانوني للحصول على الطلاق؛ لكنها قالت "لم يكن الأمر سهلاً؛ كنت أخاف من ردّة فعل زوجي ومن كلام الناس؛ غبر أنّي لم أعد أتحمل وقتها ذلك الظلم".

حصلت منينة على الطلاق بعد معركة قانونية طويلة وشاقّة، بحسب وصفها؛ لكنّ رحلتها لم تنته، فقد كان عليها أن تُقيم دعوى قضائية أخرى تُطالب فيها بنفقة أبنائها الذين كان زوجها يرفض الإنفاق عليهم.

أمّا أسرة فاطمة، التي ما زالت تتلقى العلاج النفسي، فما زالت تُكافح من أجل تطليق الشابة وتعويضها عن الأضرار النفسيّة والماديّة، ومعاقبة الزوج.

الودّ يُفسد القضية

ويجد العديد من النساء أنفسهن في مواجهة طريق طويلة وشاقة للحصول على حقوقهن القانونيّة عندما يتعلّق الأمر بالطلاق؛ لذلك، فإنّ الكثيرين يفضّلون الحلول الوديّة على الإجراءات القانونيّة المطوّلة.

لكنّ هذا النهج قد يعوق أحيانًا تحقيق العدالة للضحايا الذين يعانون من العنف الأسري، بحسب ما يراه حقوقيّون ومدافعون عن المرأة.

وترى حمّادي أنّ التعامل مع قضايا العنف الأسري بهذه الطريقة لا يحلّ المشكلة، بل يعمّقها، معتبرة أنه "يجب أن تكون هناك إجراءات صارمة لحماية الضحايا وتوفير الدعم اللازم لهنّ".

وتنتقد الناشطة الحقوقيّة ما تصفه بتعقيد الإجراءات من قِبل السلطات "وعدم التجاوب مع ضحايا العنف الأسري... هذا التأخير وعدم الجديّة يزيدان معاناة الضحايا ويدفعان البعض إلى اليأس".

أمّا والدة فاطمة، فترفض تماما أيّ محاولة للصلح "مع الرجل الذي تسبب في هذا الكم من الألم" لابنتها. وقالت "نحن مُصرّون على أن تحصل ابنتنا على الطلاق، وأن يُعتقل هذا الزوج ليحاسّب على أفعاله".