• شبوة

  • الثلاثاء، ٢٦ مارس ٢٠٢٤ في ٨:٣٤:٤١ ص
    آخر تحديث : الثلاثاء، ٢٦ مارس ٢٠٢٤ في ٨:٣٤ ص

الألغام في شبوة باليمن.. تقتل الأطفال وتمنع الحرث وتعرقل الرعي

(وكالة أنباء العالم العربي) - بين ربوع وادي بيحان بشمال غرب محافظة شبوة في شرق اليمن، لا يزال الحزن يخيم على عائلة عليان ناجي في الذكرى الثالثة لفقدان ابنها البكر الذي كان ضحية لغم أرضي من مخلفات الحرب في الوديان.

كان عليان (16 عاما) يرعى الأغنام مع أصدقائه في أحد الأودية عندما انفجر به لغم مدفون تحت الأرض. ذهب الفتى وترك وراءه جرحا عميقا يدمي قلوب أفراد عائلته الصغيرة التي تعتمد في معيشتها على الأرض الزراعية وعلى رعي وتربية الأغنام والإبل والنحل.

من تحت لثامها، تقول تقول أمه بصوت يملؤه الحزن والأسى إن عليان خرج كعادته صباحا ذات يوم في مطلع عام 2022 ليرعى الأغنام. وتضيف الأم الثكلى "لم أكن أتوقع ألا أراه مرة أخرى. فقدنا نور حياتنا وسندنا في هذه الدنيا".

تتذكر مرح ابنها وتواصل حديثها لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) قائلة "كان عليان طفلا مرحا وذكيا. كان يحلم بمستقبل أفضل، لكن الحوثيين حطموا أحلامه وسرقوا فرحتنا بعد أن زرعوا اللغم في الوادي بعد تحريره من القوات الحكومية".

فقدت الأسرة أيضا من الأغنام التي كانت ترعى جواره في وادي بيحان. ولم تقتصر المأساة على فقدان الفتى وحسب، بل امتدت لتشمل العائلة بأكملها. فالأب بات يعاني أمراضا نفسية جراء صدمة فقدان نجله البكر والابن الوحيد بين البنات، بينما تعيش أخواته الثلاث حالة من الخوف ويرفضن رعي الأغنام هلعا، ما اضطر الأسرة إلى بيع أغنامها التي كانت تشكل مصدرا مهما لاستمرار عيشها.

تقول علياء التي تصغر أخاها عليان بعام واحد، "كنا نلعب معا ونضحك، لكن الآن كل شيء تغير. أشعر بالخوف والوحدة بعد فقدان أخي وأتساءل لماذا يزرعون الألغام التي تقتل الأطفال؟".

* إحصائيات شحيحة

تناشد الأم الجهات المعنية إزالة الألغام، وتقول "لا نريد أن تتكرر مأساة عليان مع أي طفل آخر. نريد أن يعيش أطفالنا في سلام وأمان، ونعود إلى التنقل دون خوف لنعود إلى تربية الأغنام كما كنا من قبل".

وتقول إن لدى الأسرة أرضا زراعية لا تستطيع دخولها، فهي ملغومة منذ ثلاثة أعوام.

حُرمت العديد من الأسر المزارعة من الرعي في مساحات واسعة من الجبال الغربية والشمالية بسبب مخاطر الألغام، وفقدت أُسر أطفالها في أثناء الرعي بالوادي.

الحقوقية إسلام علي المتخصصة في رصد عدد ضحايا الألغام ومخلفات الحرب في محافظة شبوة قالت في لقاء مع وكالة أنباء العالم العربي إن محافظة شبوة وخاصة في مديرياتها الغربية والشمالية المحاذية لجبهات البيضاء وحريب المشتعلة بالحرب بين القوات الحكومية وجماعة الحوثي تعد مناطق موبوءة بالألغام، ما يشكل خطرا داهما على حياة الأهالي ومصادر رزقهم.

والألغام مشكلة رئيسية تواجه الأسر والمزارعين في شبوة حيث تعيق زراعة الكثير من الأراضي الزراعية وتمنع الرعاة من التنقل بحرية بين الوديان الغربية والشمالية لمديريات عسيلان وبيحان وعين.

وتقول إسلام علي شير إنه رغم جهود الجهات المختصة لنزع الألغام، فإن زراعتها بكثافة وعشوائية تفاقم من خطورتها على السكان، وتعيق عملية إعادة الإعمار والتنمية في المنطقة، كما تعيق عودة الكثير من الأسر النازحة إلى منازلها، وتحد من حرية تنقل المواطنين ورعي حيواناتهم.

وتشير إلى أن الإحصائيات الخاصة بعدد الضحايا في شبوة شحيحة وغير متوفرة بدقة بسبب ضعف الجهود الرسمية في حصر الضحايا وعدم مبادرة السلطة المحلية في تسهيل مهام الراصدين في تتبع الضحايا ورصدهم بدقة في المديريات الغربية والشمالية لشبوة .

وتؤكد الباحثة أنها رصدت أكثر من خمسين ضحية بين معاقين ومصابين من الأطفال والنساء والرجال خلال السنوات الثلاث الماضية في إطار عملها كراصدة ضمن منظمة حقوقية دولية، وتقول "عدد ضحايا الألغام في شبوة ارتفع بشكل ملحوظ خلال الأعوام الماضية حيث سقط العديد من المدنيين، بينهم نساء وأطفال، ضحايا لهذه الألغام".

* خطر داهم

يشهد اليمن منذ تسعة أعوام حربا بين جماعة الحوثي المسلحة والقوات الحكومية أدت إلى دمار واسع ومجاعة وانقسام جغرافي وإداري بين مناطق سيطرة الحوثيين وتلك الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليا، مما زاد من حدة معاناة المدنيين.

ويقول فارس الحميري، المدير التنفيذي للمرصد اليمني للألغام (مجتمع مدني)، في لقاء مع وكالة أنباء العالم العربي إن جماعة الحوثي تزرع الألغام بكافة أشكالها بما في ذلك الألغام الفردية المحرمة، بالإضافة الى العبوات الناسفة المموهة، في مناطق واسعة من اليمن بما في ذلك الطرقات ومصادر المياه والمناطق الريفية الزراعية والجبلية التي يرتادها الفلاحون والمزارعون والرعاة.

ويضيف "زراعة الألغام في اليمن لم تكن لأغراض عسكرية، حيث تؤكد الوقائع شبه اليومية أن المستهدف هم المدنيون، حيث تشير تقديرات المرصد اليمني للألغام إلى أن مئات الأسر اليمنية فقدت أطفالها نتيجة حوادث انفجارات ألغام أو عبوات قرب منازلهم أو على الطرقات الرئيسية والفرعية أو في المناطق الزراعية ومناطق رعي الماشية".

ومضى قائلا "مهنة رعي الماشية في اليمن تعد مهنة قديمة وتقليدا بالمجتمع اليمني عموما، وينشط في هذه المهنة الأطفال والنساء، ولذلك حياة العاملين في هذه المهنة أصبحت تهددها الكثير من المخاطر بفعل الحرب".

وتعد مناطق عسيلان وبيحان وعين من أكثر المناطق الملوَّثة بالألغام والعبوات الناسفة في محافظة شبوة بحسب الحميري الذي أكد أن الخطر لا يزال يتربص بحياة المدنيين رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الفرق الهندسية في عملية التطهير.

وقالت مديرة دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام، إيلين كوهن، خلال مؤتمر صحفي في ختام زيارتها إلى اليمن في ديسمبر كانون الأول عام 2022، إن الألغام ومخلفات الحرب "تستمر في قتل وجرح اليمنيين الأبرياء وتحرم العديد من العائلات اليمنية من الوصول إلى منازلها ومزارعها ومصادر رزقها الأخرى، مما يؤدي إلى تفاقم الآثار المدمرة للنزاع"، ودعت إلى تسريع جهود مكافحة الألغام.

ووفقا منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، تعرض أكثر من 11 ألف طفل في اليمن للقتل أو التشويه، بمعدل أربعة أطفال في اليوم، منذ تصعيد القتال في اليمن عام 2015. وتوقعت المنظمة في آخر إحصائياتها في أواخر عام 2022 أن يكون العدد أعلى بكثير.