الألغام المهاجرة.. ظاهرة تسببها السيول والفيضانات في اليمن وتهدد مناطق كانت آمنة
صورة أرشيفية لأحد الألغام التي جرفتها سيول إلى وادٍ في منطقة بيحان بمحافظة شبوة. السبت، (23 ديسمبر كانون الأول 2023)
  • شبوة ومحافظة مأرب

  • السبت، ٨ يونيو ٢٠٢٤ في ٨:٥٧ ص
    آخر تحديث : الاثنين، ١٠ يونيو ٢٠٢٤ في ٦:٣٢ ص

الألغام المهاجرة.. ظاهرة تسببها السيول والفيضانات في اليمن وتهدد مناطق كانت آمنة

(وكالة أنباء العالم العربي) - بعد ليلة ممطرة شهدتها مناطق شرق محافظة البيضاء وغرب محافظة شبوة اليمنيتين مطلع مايو أيار الماضي، وصلت السيول إلى المديريّات الزراعيّة الغربيّة والجنوبيّة لشبوة ومحافظة مأرب الخاضعتين لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليّا وغمرت الوديان والمزارع ومناطق الرعي.

كان ذلك متزامنا مع بداية موسم زراعيّ يعتمد عليه الكثير من الزرّاع ويحتاجون فيه المياه للري؛ لكنّ تلك السيول المحمّلة بالأتربة ومياه الأمطار حملت معها أيضا قاتلا خفيّا إلى وديان الرعي والزراعة في مديريّة حريب جنوب مأرب ومديريتي بيحان وعين التابعتين لمحافظة شبوة.

المُزارع اليمنيّ سلمان عطيّة (40 عاما)، الذي يملك مزارع متعدّدة في وديان بيحان وحريب، قال في لقاء مع وكالة أنباء العالم العربي (AWP) إنّ الفيضانات نقلت إلى مزارعه عشرات الألغام المتنوّعة بأشكال وألوان وأحجام مختلفة.

وأوضح أنّ تلك الألغام، التي جرفتها السيول، لم تقتصر على مزارعه "بل كانت موزّعة بكمّ مخيف في الوادي كاملا وفي ممر السيل والمزارع ووديان الرعي".

أضاف "هذه ليست المرّة الأولى؛ فقد اعتدنا منذ بداية سنوات الحرب أن تجرف إلينا الأمطار ألغاما ومتفجرات مختلفة".

ممنوع الاقتراب

ووفقا لعطيّة، فإنّ الألغام التي تجرفها الأمطار لا تكون جميعها ظاهرة، حيث تجرف السيول الكثير منها وتدفنها في الرمال، بالإضافة إلى أنّ عددا من الألغام ينفجر أثناء انجرافه "ونسمع انفجار الألغام بشكل اعتياديّ خلال نزول سيول الأمطار إلى الوادي".

وقال إنّ المزارعين تلقّوا تعليمات توعويّة من فرق نزع الألغام التّي تزور المنطقة بشكل مستمرّ بعدم الاقتراب من الوديان التي مرّت منها السيول وعدم الاقتراب من المزارع التي تستقر فيها المياه أو توجيه الحيوانات إلى الوديان التي شهدت فيضانات.

أضاف "امتنعنا عن دخول مزارعنا حوالي 10 أيام بعد آخر سيول شهدتها المنطقة قبل شهر، حتّى جاءت فرق نزع الألغام التي أبلغتها بوجود ألغام بعد مشاهدتي ثلاثة ألغام في مزرعتي ثم انفجار لغم بالأغنام ونفوق ستّ منها في انفجار واحد".

وذكر مشروع (مسام) الذي يعمل على نزع الألغام في مناطق متعدّدة بالبلاد منذ سنوات في تقرير أنّ فريقه تلقّى بلاغات في مطلع مايو أيار الماضي من مزارعين في منطقة بيحان بجرف سيول الأمطار ألغاما متعدّدة إلى مناطقهم الزراعيّة ووديان الرعي.

وأشار المشروع إلى أنّ فرق نزع الألغام نجحت في تطهير مجاري المياه من الألغام التي جرفتها الأمطار الغزيرة؛ لكنه أوضح أنّ مديريّة بيحان "ما زالت ملوّثة بشكل كبير بالألغام الأرضيّة التي تشكّل خطرا كبيرا على حياة المدنيين، خاصة خلال موسم الأمطار والفيضانات".

ولا تقتصر ما تُسمّى بظاهرة "هجرة الألغام الأرضيّة" على مأرب وشبوة، بل تشمل أيضا مناطق مختلفة في أنحاء البلاد على طول خطّ المواجهات العسكريّة وجبهات الحرب بين جماعة الحوثي المسلّحة وقوّات الحكومة المعترف بها دوليّا.

السيول تُفاقم المخاطر

ويعدّ اليمن من الدول الأكثر عرضة لتغيّرات المناخ والأقلّ تأهّبا لمواجهة تلك الصدمات المناخيّة؛ ويتسبب اضطراب نمط هطول الأمطار باليمن في تشبّع التربة وحدوث فيضانات تؤدّي بدورها إلى زيادة عدد الألغام المهاجرة.

ووفقا لمشروع (مسام)، فإنه نجح في نزع 1406 ألغام خلال الأسبوع الأخير من مايو أيار الماضي في مختلف المحافظات اليمنية على خطوط المواجهات، ومن بينها مأرب وشبوة.

وفي أنحاء اليمن، تمكّن المشروع من نزع 5726 لغما في مايو أيار وحده، ليرتفع عدد الألغام المنزوعة منذ بداية المشروع في البلاد حتّى الآن إلى 444 ألفا 858 لغما من المحافظات الواقعة على خطوط المواجهة، وذلك من أصل أكثر من مليوني لغم تشير التقديرات إلى انتشارها وفقا لبيان نشرته وكالة الأنباء اليمنية أوائل يونيو حزيران الجاري.

ويتوقّع فارس الحميري، المدير التنفيذي للمرصد اليمني للألغام، أن تزداد مخاطر هجرة الألغام الأرضية خلال الفترة المُقبلة، حيث يشير إلى أنّ الأمطار خلال شهري مارس آذار ومايو أيار جرفت الكثير من الألغام الأرضية من المواقع المزروعة فيها إلى المناطق السكنيّة والزراعيّة وأودية رعي الماشية.

وقال في لقاء مع وكالة أنباء العالم العربي إن "جماعة الحوثي هي الجهة الوحيدة التي تعمل على زراعة الألغام بشكل عشوائيّ ونشر العبوات الناسفة في مناطق واسعة من محافظات الحديدة وتعز والبيضاء والجوف وحجّة وأجزاء من محافظات الضالع وشبوة ولحج ومأرب.

وأوضح أن الألغام المهاجرة بفعل السيول عادة ما تستقر في مناطق كانت آمنة أو تم تطهيرها من قبل، وهو ما يعني تكبّد الفرق الهندسيّة أعباء إضافيّة وبذل المزيد من الجهود مجددا للتعامل مع هذه الألغام، مشيرا إلى تسجيل عدد من حوادث انفجار الألغام في محيط مخيمات يقطنها نازحون في محافظة مأرب وغيرها خلال موسم الأمطار هذا العام والأعوام السابقة.

دعم للضحايا

وقالت منظمة (هيومن رايتس ووتش) في تقرير لها نُشر في أواخر مايو أيار الماضي إنّ هناك حاجة ماسة إلى مساعدة دوليّة أكبر لتجهيز ومساعدة العاملين في مجال نزع الألغام على إجراء مسح منهجيّ وإزالة الألغام ومخلّفات الحرب في اليمن.

كما اعتبرت أنّه ينبغي على الحكومة اليمنيّة وجماعة الحوثي المسلّحة والوكالات الدولية تقديم تعويضات مناسبة والمساعدة والدعم وفرص العمل للمصابين وأسر الضحايا.

وذكرت أنّ تلك المساعدة يجب أن تشمل الرعاية الطبية، بما في ذلك الجراحات الترميميّة والدعم النفسي والاجتماعي والأطراف الصناعيّة وغير ذلك من الأجهزة المساعدة وإعادة التأهيل المستمر إذا لزم الأمر.

ووفقا للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، فإن الألغام التي زرعت منذ نشوب الحرب قبل نحو عشر سنوات والذخائر غير المنفجرة المنتشرة في جميع أنحاء البلاد جعلت العديد من الأحياء السكنية والأراضي الزراعيّة غير صالحة للاستخدام أو خطيرة للغاية.