أهالي غزة يتجهون لأعمال بعيدة وظائفهم السابقة بسبب أوضاع الحرب والنزوح
الفلسطيني نضال محمود يترك مهنته القديمة من أجل بيع السجائر في سوق مكتظ بالمارة والمتسوقين الفلسطينيين في دير البلح بوسط قطاع غزة (3 يوليو تموز 2024) - المصدر: AWP
  • غزة

  • السبت، ٦ يوليو ٢٠٢٤ في ٩:٣٣ ص
    آخر تحديث : السبت، ٦ يوليو ٢٠٢٤ في ٩:٣٣ ص

أهالي غزة يتجهون لأعمال بعيدة وظائفهم السابقة بسبب أوضاع الحرب والنزوح

(وكالة أنباء العالم العربي) - تجبر أوضاع الحرب والنزوح المستمر الفلسطينيين في قطاع غزة على العمل بمهن لا تتناسب مع وظائفهم وأعمالهم السابقة ولا مع تخصصاتهم الجامعية، في محاولة لتوفير مصادر رزق لعائلاتهم.

ويضطر الكثير من أهالي غزة إلى طرق أبواب أعمال جديدة بعدما توقفت أعمالهم السابقة بسبب ظروف الحرب التي لم تعد تناسبها الأعمال ذاتها، أو لأن مشاريعهم ومكاتبهم ومتاجرهم دمرت، أو لأن أصحابها في أماكن نزوح بعيدة عن مناطق العمل السابقة التي غالبا ما تكون تعرضت لاجتياح إسرائيلي.

ولم يعد غريبا وجود مهندسين ومحامين ومعلمين ومحاسبين وحتى موظفين حكوميين يبيعون المواد الغذائية أو مستلزمات أخرى في "البسطات" التي يفترشها الباعة في الشوارع، وفي الأكشاك المنتشرة بين مخيمات النزوح، فضلا عن العمل في محال الحلاقة والمطاعم الشعبية التي تبيع الفول والفلافل والفول.

وفي منطقة مواصي خان يونس، لم يترد المحاضر الجامعي في العلوم السياسية عمر سلمان في افتتاح "بسطة" لبيع المواد الغذائية وبعض المستلزمات الأخرى على الطريق الرئيسي الذي يعج بالنازحين، في محاولة للبحث عن مصدر رزق يقوت به عائلته المكونة من خمسة أفراد بعدما توقف عمله السابق بسبب الحرب.

يجلس المحاضر الجامعي (47 عاما) على مقعده خلف "البسطة" الصغيرة ليستقبل زبائنه بابتسامة خفيفة وهو يتفاوض معهم في أسعار بعض أصناف السكر والملح والبقوليات والمعلبات التي تنخفض وترتفع أسعارها بين يوم وآخر حسب توفرها في السوق.

وبينما يحاول الرجل إقناع بعض الزبائن بأن الارتفاعات في الأسعار ناتجة عن شراء السلع من المصدر بسعر أعلى نتيجة إغلاق إسرائيل للمعبر الذي يتم من خلاله إدخال البضائع، يجتهد شريكه في "البسطة" في تجهيز توسعة لها لبيع الخضروات أملا في تحسين الدخل بما يكفي احتياجات عائلتيهما.

وفي حين يرفع سلمان يديه من حين إلى آخر لنازحين يسلمون عليه وهم على الجانب الآخر من الطريق، بعضهم من زملائه والبعض الآخر من طلبته في الجامعة وغيرهم من أقاربه وجيرانه في منطقة سكنه قبل النزوح في خان يونس، فإنه يحاول دوما عرض المساعدة عليهم والإصرار بصوت مرتفع على عدم التردد بالقدوم إليه لأخذ ما يحتاجونه.

يوضح سلمان قائلا إن التدريس الجامعي كان مصدر رزقه الوحيد لكن الجامعات توقفت عن العمل تماما منذ اليوم الأول للحرب في السابع من أكتوبر تشرين الأول، وتوقف معها ما كان ينتظره من مال كونه مرتبط بنظام عمل جزئي وليس بوظيفة شهرية ثابتة.

نفدت كل مدخرات سلمان خلال تسعة أشهر من الحرب وأصبح لا يستطيع شراء أبسط احتياجات عائلته، فبحث عن مصدر رزق جديد ووجد ضالته في بيع المواد الغذائية على "بسطة" صغيرة باعتباره مشروعا لا يكلف الكثير.

يعتز سلمان بعمله وقدرته على التكيف مع الواقع الجديد، في الوقت الذي أكد فيه أن كثيرا من العاملين في قطاعات مهنية وأكاديمية متعددة قبل الحرب أصبحوا من أشهر الباعة في مجالات أخرى.

وقال لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "نحن بين خيارين: الاستسلام والجوع أو العمل بأي مجال متوفر وتوفير الحد الأدنى لعائلاتنا، فكان خياري الثاني الذي نجح بفضل الله ودون أي حرج أو تردد حالي حال كثيرين".

c0c9a53b-1740-4b28-9aff-3ed4d1f4d250.jpg

سوق مكتظ بالمارة والمتسوقين الفلسطينيين في دير البلح وسط قطاع غزة (3 يوليو تموز 2024) - المصدر: AWP

وأضاف "الحرب طال أمدها ولا يوجد أفق لنهاية قريبة لها، فهل سننتظر حتى تعود الحياة إلى سابق عهدها قبل الحرب؟ الواقع يقول إن ذلك يحتاج إلى سنوات، فكيف سنتدبر حياتنا خلالها هذه السنوات لو لم نعمل".

ويستعرض سلمان بعضا ممن يعرفهم ويعملون على مقربة منه في مجالات عديدة، فيشير إلى بائع البهارات المجاور الذي كان يمتلك مكتبا للمحاماة، وآخر كان نائب مدير مدرسة ويعمل حلاقا، وغير بعيد مدير في إحدى الوزارات أصبح أدوات منزلية.

وفي أكثر الشوارع اكتظاظا بالمتسوقين في دير البلح وسط قطاع غزة، يقف نضال محمود على مقعد حتى يظهر للمشترين وهو ينادي بصوت مرتفع ليبيع بعض السجائر، بعضها قادم من الضفة الغربية والبعض الآخر تم تعبئته محليا.

يبادر الشاب العشريني إلى عرض الأسعار بشكل مستمر على المارة لعله يظفر بمشترين ليبيع بعضا مما عنده ويستطيع العودة إلى زوجته وطفليه بقليل من الخضروات أو المواد الغذائية التي يحتاجونها، بينما لا تغيب الابتسامة عن وجهه وهو يستقبل استهجان بعض المارة من أسعار السجائر التي تصل إلى 100 شيكل للسيجارة الواحدة.

محمود النازح من مدينة غزة بعد شهر من اندلاع الحرب متنقلا لسبع مرات من مكان إلى آخر وصولا إلى دير البلح، يوضح قائلا إن مهنته السابقة قبل الحرب كانت في بيع وتشغيل أدوات الأطفال مثل العربات والسيارات الصغيرة التي كان يشغلها في ساحة الجندي المجهول بمدينة غزة وتدر عليه دخلا مناسبا يوفر لعائلته كل احتياجاتها بسهولة.

وقال إنه اضطر للعمل في هذا المجال كونه الوحيد الذي أتيح أمامه من قبل بعض الأصدقاء الذين يحاولون مساعدته بتوفير عمل يساعد في التخفيف من وطأة احتياجات النزوح المكلفة.

وأضاف "تبديل المهن والوظائف هو الأبرز في مخيمات النزوح، كل الذين أعرفهم يعملون في مجالات بعيدة تماما عما كانوا يعملون فيه قبل الحرب، فالكل يكافح من أجل مصدر رزقه ولا يعبأ بطبيعة العمل بقدر ما يهتم بالدخل المتوقع".

وتابع قائلا وهو يشير بيديه إلى الباعة في محيطه "بائع الخضار المجاور لي محام معروف ولديه مكتب في مدينة غزة وشريكه محاسب، وعلى الجانب الآخر أغلب باعة البسطات ما بين معلمين ومهندسين ومنهم صيدلانية".