• فاس

  • الخميس، ٣٠ مايو ٢٠٢٤ في ٥:٣١ ص
    آخر تحديث : الخميس، ٣٠ مايو ٢٠٢٤ في ٥:٣١ ص

أبواب فاس المغربيّة تبقى شاهدة على تاريخ واحدة من أعرق المدن

(وكالة أنباء العالم العربي) - في أقصى شمال المغرب، تبقى أبواب فاس وأسوارها التاريخيّة شاهدةً على واحدة من أعرق مدن العالمين العربي والإسلامي التي ظلت باقية منذ بنائها قبل أكثر من 12 قرنا.

وبحسب عبد الفتاح دوبلي بناني، أستاذ التاريخ المهتم بتراث مدينة فاس ورئيس جمعية أساتذة الاجتماعيات بالمدينة، فإن أسوار فاس التي بناها الإدريسيون كانت قد هدمت وأعيد بناؤها أكثر من مرة حتّى بنيت أسوار جديدة في عهد الدولة المرينية وتخللها العديد من الأبواب الموجودة حاليا.

من أشهر تلك الأبواب باب بوجلود، وباب الفتوح، وباب المحروق، وباب السمّارين؛ وكانت لأحياء المدينة وأسواقها التجاريّة والحرفيّة هي الأخرى أبواب؛ وما زالت سوق العطّارين بالمدينة العتيقة حتّى اليوم تقفل أبوابها ليلا كما جرت العادة على مدار قرون.

وأوضح بناني في حديث لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) أن هذه الأبواب لعبت العديد من الأدوار، مشيرا إلى أنه في العصر الإدريسي الذي شهد بناء فاس عام 808 كان الأدارسة يحيطون المدينة بسور كبير يتخلله الكثير من البوابات.

وشهدت المدينة تطورات معمارية متلاحقة على مرّ العصور، حيث كانت مقسمة إلى قسمين، فاس البالي (المدينة القديمة) وفاس الجديد؛ وتميّزت المدينة في تلك الفترة بالبنية التقليديّة للمنازل والأزقّة الضيّقة والمساجد المبنيّة بالطوب والحجارة.

وخلال فترة المرابطين، جرى تعزيز التحصينات وبناء الأسوار؛ كما بُني جامع القرويين، الذي يعتبر من أقدم جامعات العالم، بينما أضاف الموحدون العديد من المعالم والآثار البارزة، بما في ذلك المساجد والمدارس التي تعكس الطراز الأندلسي المغربي.

وحول ارتباط الأبواب بالدول التي حكمت المغرب، قال بناني "نجد هناك أبواب الجلديين وياسليطن وعزيفة في عهد المغراويين؛ بينما في عهد الموحدين كان هناك باب الشريعة، والذي أصبح يسمى باب المحروق الآن؛ وفي العهد المرينيين، بُنيت أبواب من قبيل باب الجِياف وباب أكدال والدكاكن والقنطرة والسمَّارين".

أضاف "إذا قمنا بتصنيف الأبواب بأسمائها، فهناك أبواب سُمّيت بأسماء شخصيات، كأبواب أبي سفيان والفتوح وسيدي بوجيدة؛ في حين كانت هناك أبواب ذات بعد دينيّ، كباب الكنيسة والذي تحول اليوم إلى باب الخوخة، وباب الشريعة الذي سمي بهذا الاسم لأنه كانت مكانا تطبق به الحدود الشرعية، وباب الشيبوبة الذي كان عبارة عن بيت نار الديانة المجوسية، وكانت موجودة قبيل بناء مدينة فاس".

وبحسب البناني، فإن بعض الأبواب استمدّت أسماءها من الاتجاهات، مثل باب أفريقيا وباب القِبلة، في حين هناك أبواب سُمّيت بحسب شكلها كأبواب القوس والقلعة.

وبالنظر إلى الجانب المعماري، قال المتحدث إن هناك أبوابا ضخمة، مثل باب الفتوح وباب الشريعة، اللذان يتوافقان مع معايير العمارة الإسلاميّة، حيث كان بوسع الفارس الدخول حاملا رمحه دون انحناء.

أمّا من حيث الجماليّات، فيعتبر باب بوجلود بحسب وصفه من أجمل الأبواب، ويعود إلى عهد الحماية (1912-1956) حيث بناه الجنرال الفرنسي هوبير ليوتي، وكان يسمّى سابقا "باب الأمة" أو "باب النصارى".

وأشار بناني إلى أنّ هناك أبوبا حكم عليها التوسع العمراني بالزوال، وأهمها باب أفريقيا، وكان يقصد بالاسم تونس؛ وقال إن معالم هذا الباب ما زالت حتى اليوم بادية في المدينة العتيقة. في المقابل، بقيت معالم أخرى صامدة منذ تشييدها حتى الآن، مثل باب الكيسة.

وقال إنّ هذه الأبواب كانت تلعب أدوارا دفاعيّة وأمنيّة؛ فكانت وسيلة لحماية المدينة من هجمات القبائل المجاورة، خاصة أنّ قبائل "حياينة" كانت تهاجم المدينة؛ فكانت الأبواب تغلق ليلا وتفتح نهارا.

وأشار إلى دور اقتصادي كان لتلك الأبواب، حيث كانت نقطة التقاء التجار، التي يستقبلون عندها الإبل المحمّلة بالسلع. وكان على مقربة من تلك الأبواب أماكن لإيواء تلك الإبل والتجار إذا لم يجد هؤلاء بيوتا في المدينة تؤويهم.

ويقدّر الأستاذ المهتم بتاريخ فاس عدد الأبواب التي كانت موجودة في المدينة بنحو 30 بابا، زال منها نحو 18 بابا بفعل عوامل الزمن؛ وقال "مع بناء الأسوار شُيّد العديد من الأبواب، وعُرف العديد من التغيرات عبر مراحل تطور المدينة".

تمتد أسوار فاس لكيلومترات، وتحيط بالمدينة القديمة (فاس البالي)؛ وقد بُنيت في فترات مختلفة من تاريخ المدينة.

وقال محمد جيار، الأستاذ بالجامعة الخاصة في فاس والمهتمّ بتاريخ المدينة، إنه "مند تأسيسها على يد المولى إدريس الأول، تعتدّ مدينة فاس بوجود أسوار مرتفعة محيطة بكامل المدينة، فضلا عن أبراج عالية كانت مهمتها تتجلى في الاستطلاع ورصد تحرّكات العدو عن بعد".

ووفقا لجيّار، فإنّ المدينة تضم أكثر من 13 بابا ضخما وعاليا على شكل حدوة فرس؛ وقال "تؤرخ أبواب المدينة لحنكة العامل المغربي الأصيل، وتحيط بالقصر الملكي أسوار تاريخية تحكي صفحات من ذاكرة فاس الجديد منذ تأسيسها في القرن الثالث عشر ميلادي في عهد المرينيين".

وأضاف في حديث لوكالة أنباء العالم العربي "تتخلل هذه الأسوار أبواب ضخمة تدعمها أبراج مختلفة الأنماط، وتبقى هذه الأسوار شاهدة على طريقة من طرق البناء المعروفة في المغرب باسم الطابية".

وبحسب جيار، فإن أسماء بعض الأبواب ترتبط بأحداث أو شخصيات معينة كانت موجودة في ذلك الوقت.

وقال "باب السمّارين، الذي يفصل حي الملاح وسوق فاس الجديد، مثلا بني عند تأسيس فاس الجديد، وهو باب ضخم ذو قوسين رئيسيين، كان يدعى في بداية الأمر باب عيون صنهاجة؛ وقد استمد اسمه الحالي من حنطة السمّارين، وهم الحرفيون الذين يثبتون بالمسامير صفائح من حديد تحت أظلاف (أظافر) البهائم".

أضاف " يستمد باب الساكمة في فاس الجديد اسمه من امرأة ورعة وتقيّة، وهي آمنة الساكمة التي دفنت بجواره سنة 1737... يلحظ الزائر في الواجهة الخارجية لباب الساكمة كتابة منقوشة على مربعات زليج خضراء تشير إلى مؤسسها بالإضافة إلى نقوش من آيات قرآنية وأبيات شعرية وغيرها".

وتابع "بجوار باب الساكمة، يوجد باب المكينة الشهير... كان هذا الباب مصنعا للأسلحة في عهد الحسن الأول؛ وقد تكلف ببنائه الإيطاليون، وهو الباب الذي تقام به فعاليات مهرجان الموسيقى العريقة بفاس".

وذكر أن الخليفة يحيى بن الناصر الموحدي شيّد باب المحروق، الذي كان يعرف قديما بباب الشريعة، في مستهل القرن الثالث عشر عندما أُعيد تشييد أسوار المدينة؛ وقال "هذا الباب يكاد يكون مستطيلا، ومدخله منعرج ذو زاوية قائمة، ويتميز بقبّة بنيت بالآجور التقليدي، ويبلغ علوّ أسواره الخارجية وأسوار برجه حوالي 12 مترا، وهي مبنية بخليط التراب والجير المدكوك تعلوها شرفات هرميّة".

أَضاف "يظلّ باب بوجلود الأثري مدخلا متميزا إلى المدينة العتيقة، ويعود بناؤه إلى بداية القرن العشرين، ويتميز بزخرفته المتشابكة من الأرابيسك الأزرق على الواجهة الخارجية، والأخضر على الواجهة الداخلية، ويتكون من قوس مركزي وقوسين صغيرين جانبيين".

وأردف قائلا "يسجل باحثون في التراث أن المغرب في أواخر القرن 13 كان ينفرد ببنية دفاعية عصرية على المستوى العالمي، وتجسد ذلك في أعظم معلم عسكري في تاريخ المغرب وهو باب أكدال بفاس الجديد، الذي لم يعد له أثر، وكان يضم مختلف العناصر الدفاعية".