• دمشق

  • الجمعة، ١٥ مارس ٢٠٢٤ في ٤:٥٠:٠٣ ص
    آخر تحديث : الجمعة، ١٥ مارس ٢٠٢٤ في ٤:٥٠ ص

تحويلات السوريين المقيمين خارج البلاد تساعد أسرهم على تأمين احتياجات شهر رمضان

(وكالة أنباء العالم العربي) - "بحصة (حصاة) بتسند جرّة".. بهذه العبارة، وصف السوريّ أبو غدير المبلغ الشهريّ الّذي يُحوّله له ابنه المقيم في إحدى دول الخليج، والذي يصل إلى 250 دولارا؛ فقد مكّنت تلك الحوالة الشهريّة عائلته من تأمين جانب كبير من الاحتياجات الضروريّة لأسرة الرجل الذي يعمل في مصنع للألبان بالعاصمة دمشق.

في حوار أجرته معه وكالة أنباء العالم العربي (AWP)، قال أبو غدير إنه ينتظر هذه الحوالة شهريّا لكيّ يغطّي نفقات أسرته المكوّنة من خمسة أفراد وبالكاد تكفيه في ظل ما وصفه بفوضى الأسعار في الأسواق، خصوصا مع حلول شهر رمضان.

بنبرة خافتة، عبّر أبو غدير عن أسفه لعدم رغبته في عودة ابنه من الغربة، معلّلا ذلك بأن "رزقه ليس هنا، ولا حتى مستقبله؛ ولا إمكانية لاستمرارنا بالعيش من دون تحويلاته الماليّة... كنّا نصف الغربة عن بلادنا بالكربة؛ لكن مع الظروف الصعبة التي نعيشها باتت غربة أبنائنا طوق نجاتنا ومدخلا لحياة آمنة ومورد رزق".

أضاف "لولا الحوالات، لمات النّاس من الجوع؛ لا نستطيع العيش من دونها".

وبحسب عدة شركات تحويل أموال في العاصمة السورية دمشق، فقد ارتفع حجم التحويلات الماليّة الخارجيّة المُرسلة من قبل أقارب المواطنين خارج سوريا إلى المقيمين داخل البلاد مع حلول شهر رمضان المبارك.

* أزمات متشابكة

وأدّت أزمات سياسيّة واقتصاديّة متشابكة في سوريا إلى انهيار قيمة عملة البلاد الوطنيّة وتجاوز معدّل الفقر نسبة 90%، بحسب تقارير الصليب الأحمر؛ كما أفرزت أزمات معيشيّة وصحيّة.

ومع دخول شهر رمضان وارتفاع الأسعار بنسبة كبيرة، تعتمد غالبية العائلات بشكل رئيس على الحوالات الماليّة الواردة من الأبناء والأقارب والأصدقاء المهاجرين لسدّ الاحتياجات اليومية الضرورية.

وباتت التحويلات المالية من الخارج إلى الداخل عصبا لحياة الكثير من العوائل، وفقا لما أشار إليه الأكاديمي المتخصص في الشؤون المالية والاقتصادية شفيق عربش في حديث لوكالة أنباء العالم العربي.

وقال عربش إنّ "70% من السوريين أصبحوا يعتمدون في السنوات الأخيرة على أموال المغتربين التي تُصرف على استهلاكات لأساسيّات معيشيّة ضروريّة فقط، وليس على الرفاهيات".

وعدّ عربش أنّه من الصعب تقدير حجم التحويلات الماليّة الخارجية؛ ويعود ذلك إلى عدد السوريين وتوزيعهم في الخارج، فضلا عن إرسال الكثير من التحويلات خارج القنوات الرسمية، أي عبر ما يُعرف بمكاتب التحويل الأسود.

ومكاتب التحويل الأسود تلك هي عبارة عن مكاتب حوالات منتشرة في كل دول العالم، تحوّل الأموال بشكل غير رسمي وغير مسجّل في تلك الدول ويتم التسليم من قبل أشخاص عاديين في الغالب في سوريا.

وأوضح عربش أن حجم الحوالات تتضاعف خلال رمضان بسبب إرسال العديد من المقيمين في الخارج أموالهم للزكاة ولأغراض خيرية.

* المحتاجون للمساعدات

ووصل عدد المحتاجين للمساعدات الإنسانية في سوريا إلى أعلى مستوياته منذ اندلاع الصراع في البلاد عام 2011، إذ يحتاج ثلاثة من كل أربعة أشخاص للإغاثة، بحسب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

وحتى الربع الأول من عام 2023، بلغ عدد سكّان سوريا 26.7 مليون نسمة، منهم 16.76 مليون داخل البلاد و9.12 مليون سوري خارجها، وفقا لدراسة أعدها مركز (جسور) للدراسات.

ويتعمّق تردّي الأوضاع المعيشية للأغلبية العظمى من السوريين بسبب تدني الدخل الشهري ومواصلة تضخّم تكاليف المعيشة، إذ إنّ الحدّ الأدنى الرسمي للأجور في سوريا، والبالغ 278 ألفا و910 ليرات سوريّة، لا يكفي لتأمين إفطار العائلة ليومين على مدار شهر رمضان لهذا العام بحسب دراسة أجرتها صحيفة (قاسيون) المحليّة.

وأوضحت الدراسة أنّ البلاد شهدت تغيّرات معيشية واقتصادية كبيرة بين رمضان 2023 ورمضان هذا العام، حيث ارتفع السعر الإجمالي للسلّة الاستهلاكية من 242 ألف ليرة سورية إلى 610 آلاف و500 ليرة، أي أنها ارتفعت بنحو 152.2 في المئة.

* زيادة في رمضان

وفي حديث لوكالة أنباء العالم العربي، أوضح مسؤول في إحدى شركات الحوالات المالية بدمشق أنّ السوريين المغتربين يلجأون إلى تحويل الأموال إلى عائلاتهم وأقاربهم بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، مشيرا إلى زيادة وتيرة التحويلات الشهريّة خلال رمضان من كل عام من حيث المبالغ المرسلة وحجم الشريحة التي تغطيها.

وقال المسؤول، الذي طلب عدم نشر اسمه، إنه في العادة يتم تحويل مبالغ شهرية أو شبه شهريّة صغيرة تتراوح بين 100 و150 دولارا في المتوسط، مشيرا إلى ارتفاع قيمة الحوالات الخارجية الواردة يوميا للبلاد إلى أكثر من 13 مليون دولار خلال رمضان، من نحو ستة إلى سبعة ملايين دولار في الأشهر الأخرى.

ويُقدَّر عدد المستفيدين من هذه التحويلات بأكثر من خمسة ملايين نسمة متوزعّين على مختلف مناطق البلاد؛ وترتفع نسبة هذه التحويلات لتصل إلى المثليْن بالتزامن مع استعداد الناس لاستقبال رمضان.

وقال مصدر في شركة تحويل أموال أخرى بدمشق إنّه منذ بداية مارس آذار الجاري، بدأت نسبة المبالغ المحوّلة إلى سوريا تتضاعف "ومن كان يرسل مليوني ليرة صار يرسل ضعفها"، بحسب وصفه.

وأوضح أن إجمالي الحوالات الواردة عبر شركته منذ بداية هذا الشهر بلغ نحو 500 مليون ليرة (حوالي 37 ألف دولار أميركي)، متوقعا تضاعف الرقم مع قدوم عيد الفطر المبارك.

وبشأن أكثر الدول التي يتلقى منها السوريون تحويلات مالية، فقد ذكر المصدر أنها دول العراق والإمارات وألمانيا والسويد وتركيا، بالإضافة إلى دول أخرى.

* تدبر المتطلبات

بابتسامة عريضة، تسلمت ربة المنزل سعاد النابلسي حوالة مالية قيمتها 300 دولار من مكتب إحدى شركات تحويل الأموال وسط شارع الزبلطاني بدمشق بمناسبة حلول رمضان من شقيقها المقيم في ألمانيا، والعامل في أحد البنوك منذ سنوات.

توقعت سعاد أن يكون شهر رمضان الحالي هو الأكثر قسوة من حيث تدبير متطلباته مقارنة بأشهر رمضان التي مرت خلال سنوات الحرب، وذلك بسبب صعود بورصة الأسعار وارتفاعها بشكل ملحوظ ويومي.

وأشارت إلى أنّ الحوالة الخارجية بقيمة 100 دولار التي تصلها شهريا من ابنها المقيم في العراق لن تغطّي نفقات الشهر رغم الاقتصاد والتوفير في تلك النفقات؛ لذا، فقد اضطرّت للاستعانة بشقيقها المغترب كي تستطيع تدبّر تكاليف الشهر.

الشاب رياض بصلة، الذي خرج من سوريا عام 2015 وأقام في هولندا، قال بدوره لوكالة أنباء العالم العربي إن الحياة في سوريا أصبحت "كالمعجزة" من دون وجود معيل في الخارج، مشيرا إلى أنه يرسل ما يقرب من 300 يورو لعائلته المؤلفة من ستة أشخاص؛ كما يُرسل مبلغا صغيرا لعمّته التي ليس لديها من يعولها من الخارج.

واعتبر رياض أنّ المبلغ الذي يرسله لعائلته لا يعدّ كبيرا بالنسبة للبلد الذي يقيم فيه؛ لكنّه بات يساوي من وجهة نظره رقما جيدا في سوريا. ومع ذلك، فإنّ عائلته تحتاج أحيانا ضعف هذا المبلغ لإجراءات معينة.

بدوره، أكد ماهر خير بيك، وهو أب لأسرة مؤلفة من أربعة أفراد، أن الراتب الذي يتلقاه في عمله يبلغ 350 ألف ليرة سورية، وأنّه يعتمد بشكل كبير على الحوالة التي تصل إليه شهريا من ابنته التي تعمل طبيبة في العراق.

وقال "لو اعتمدت على راتبي في العيش، لمت جوعا؛ فهو بالكاد يساوي سعر كيلوغرام واحد من اللحم".

وأوضح ماهر أنّ المبلغ الذي يصله ينفقه وعائلته على الطعام والأدوية؛ كما يعملون على شراء الأساسيات، كجرة الغاز وبعض ليترات المازوت للتدفئة ثم ينتظرون المبلغ القادم، مشيرا إلى أن جيرانهم ليس لديهم من يرسل لهم من خارج البلاد ويعيشون معاناة مضاعفة فيضطر جميع من في المنزل للعمل لجمع قوت يومهم.

(الدولار الأميركي يُساوي 13400 ليرة سورية في السوق الرسمية)
(الدولار الأميركي يُساوي 14000 ليرة سورية في السوق السوداء)