• القاهرة

  • الثلاثاء، ٥ مارس ٢٠٢٤ في ٣:١٠ م
    آخر تحديث : الثلاثاء، ٥ مارس ٢٠٢٤ في ٣:١٠ م

تكرار الإعلان عن وقف مفاوضات سد النهضة الإثيوبي يُثير تساؤلات حول خيارات مصر للتعامل مع الأزمة

(وكالة أنباء العالم العربي) - مجددا، عاودت مصر إعلان وقف مُفاوضات سدّ النهضة الإثيوبي؛ جاء ذلك قبل يومين على لسان وزير خارجيتها سامح شكري، بسبب ما وُصف بأنه "نهج متعنّت للجانب الإثيوبي، لا يُراعي مبادئ حُسن الجوار".

لكن بالتزامن مع الوقف المتكرّر لمفاوضات سدّ النهضة والفشل في الوصول إلى حلول لهذه الأزمة على مدار السنوات العشر الماضية، تمضي أديس أبابا قُدما في استكمال إنشاءات السد تمهيدا للملء الخامس في يوليو تموز المقبل.

وأوشكت إثيوبيا على استكمال المشروع العملاق، البالغة تكلفته نحو أربع مليارات دولار، والذي يهدف إلى بناء أكبر سدّ لإنتاج الطاقة الكهرومائية في أفريقيا، حيث أعلن وزير خارجيّتها ديميكي ميكونين في يناير كانون الثاني الماضي دخول السد مرحلته النهائية، وأشار إلى أن معدلات بناءه وصلت حاليا إلى 94.6 في المئة.

تصريحات الوزير الإثيوبي أعقبت إعلان القاهرة في ديسمبر كانون الأول الماضي فشل أحدث جولة محادثات حول سد النهضة الإثيوبي وتأكيدها على أنها ستراقب عن كثب عمليّة ملء السد وتشغيله؛ وذكرت وزارة الريّ المصريّة في بيان في ذلك الشهر أن القاهرة "تحتفظ بحقّها... للدفاع عن أمنها المائي والقومي في حالة تعرضه للضرر".

وفي كلمة أمام اجتماع وزراء خارجيّة دول مجلس التعاون الخليجي مع مصر والأردن والمغرب في العاصمة السعودية الرياض، قال شُكري إن إثيوبيا "لا تلتفت إلّا للمصالح الفرديّة ولا تُراعي الحد الأدنى لمبادئ حسن الجوار"، معتبرا أن هذا هو ما دفع بلاده إلى اتخاذ قرار وقف مشاركتها في تلك المفاوضات.

وتطُالب القاهرة بالتوصّل إلى اتفاق قانوني مُلزِم حول عمليات ملء السد وتشغيله، حيث تقول إن حصّتها من مياه النيل، البالغة نحو 55.5 مليار متر مكعب سنويا تشكّل غالبية مواردها المائية البالغة نحو 60 مليار متر مكعب سنويا.

وكان الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد اجتمعا على هامش قمة دول جوار السودان في 13 يوليو تموز عام 2023، واتفقا على تحديد مهلة أربعة أشهر للتوصّل إلى اتفاق بشأن ملء السد وتشغيله.

وجاءت الجولات الأربع الأخيرة من المفاوضات بعد تجميد استمر لأكثر من عامين، وتحديدا منذ أبريل نيسان 2021، إثر فشل مبادرة للاتحاد الأفريقي في تقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث وفشل جميع الوساطات.

* خيارات القاهرة

التعثّر المتكرر في عملية التفاوض، التي استمرّت لأكثر من عشر سنوات، يُثير تساؤلات حول خيارات القاهرة للتعامل مع هذه الأزمة، والتي يرى السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، أنها خيارات متعددة.

وقال بيومي في حديث لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) إن مصر "قادرة على إنهاء الأزمة ولديها خيارات متعدّدة، لكنّها تصر على الوصول إلى حلٍ من خلال الطرق الدبلوماسية".

وبينما نقل بيومي عن أحد القادة العسكريين، الذي لم يسمّه، أنه قال له في أحد اللقاءات "لو سابولنا (تركوا لنا) الموضوع هنخلصه (سننهيه) خلال 10 دقائق"، فقد استبعد الحل العسكري وعبّر عن رفضه له، قائلا إنه يفضّل الحلول الدبلوماسية مهما كان الأمر.

وتقدّمت مصر رسميّا بأربع شكاوى إلى مجلس الأمن بسبب ما وصفته باستمرار "انتهاكات إثيوبيا المتكررة" للقانون والاتفاقات الدولية، بما فيها اتفاق إعلان المبادئ لعام 2015 المتعلق بسد النهضة.

وترى مصر أن تصرّفات أديس أبابا بشأن ملء السد وتشغيله، والتي تصفها بالأحادية، تشكّل تهديدا وجوديا لها.

واعتبر مساعد وزير الخارجية الأسبق أن أخطار سدّ النهضة الإثيوبي لا تقتصر على تأثيره في حصة مصر من مياه نهر النيل، والتي يرى أنها لم تتأثر حتى الآن، وإنما ما يشكله السد من تهديد كبير حال انهياره.

وقال "إثيوبيا لم تقم بالدراسات الكافية للمشروع، ما قد يهدّد بانهياره ويُعرّض السودان للغرق... تأثّر حصّة مصر من مياه نهر النيل خط أحمر لا يُمكن قبوله (قبول تجاوزه)".

وأرجع بيومي تأكيد وزير الخارجية المصري على وقف المفاوضات مع إثيوبيا إلى رغبة القاهرة في توضيح ما سمّاه "التعنت الإثيوبي" للرأي العام العربي والعالمي.

وتستعدّ إثيوبيا للتخزين الخامس للمياه في بحيرة سدّ النهضة بعد انتهائها من الأعمال الخرسانية لتعلية الممر الأوسط؛ وكانت قد أعلنت انتهاء عمليّة الملء الرابع في سبتمبر أيلول الماضي، دون التشاور مع دولتي المصب.

* تصريحات لها دلالات

ويتفق الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية، مع هذا الرأي؛ وقال في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إن تصريحات شكري "لها دلالات، أهمّها إطلاع الجانب العربي على موقف إثيوبيا المتعنّت".
 
ويرى شراقي أن دول الخليج يُمكنها القيام بدورٍ كبيرٍ في أزمة سدّ النهضة، نظرا لامتلاكها استثمارات كبيرة في إثيوبيا، ما يجعل لهم صوتا مسموعا لدى الحكومة الإثيوبية.
 
وبينما اعتبر أستاذ الموارِد المائيّة أن الخطاب الدبلوماسيّ المصري يؤكد أن القاهرة ليست ضد التنمية في إثيوبيا لكن شريطة عدم الإضرار بالآخرين، فقد قال إن إثيوبيا في المقابل "تعد نهر النيل نهرا محليا ولها الحرية في فعل ما تشاء به".

أضاف "هذا غير حقيقي ومخالف للأعراف الدولية وكافة الاتفاقات الموقعة بين مصر وإثيوبيا"، مشيرا إلى أنّ البند الخامس في اتفاق إعلان المبادئ الموقّع في 2015 ينصّ على التعاون في ملء السدّ وإدارته.

وعلى الرغم من اعتقاده بأن إثيوبيا انتهجت خلال المراحل الأربع السابقة لملء السد سياسات أحاديّة دون التشاور مع مصر والسودان، فإن شراقي يتوقّع استئناف التفاوض حول السد قبل الملء الخامس في يوليو تموز القادم.

لكنه قال إن إقدام إثيوبيا على الملء الأخير دون التشاور مع مصر يزيد تعقيد الأزمة ويؤدي إلى المزيد من التوتّر في العلاقات بين القاهرة وأديس أبابا.