تغليظ العقوبات يحدّ من حوادث السير في الأردن لكن البعض يرون القوانين غير كافية
حطام حافلة دمرها حادث سير في منطقة الأغوار بالأردن، حيث تشير إحصاءات لتعرض معظم عاملات الزراعة لمثل هذه الحوادث، الأمر الذي دفع جمعيات محلية لإطلاق مشروع لنقل العاملات في ظروف آمنة (26 سبتمبر أيلول 2023)
  • عمّان

  • الخميس، ١٨ يوليو ٢٠٢٤ في ١٠:٣٢ م
    آخر تحديث : الخميس، ١٨ يوليو ٢٠٢٤ في ١٠:٣٢ م

تغليظ العقوبات يحدّ من حوادث السير في الأردن لكن البعض يرون القوانين غير كافية

(وكالة أنباء العالم العربي) - قبل نحو عام، تعرّضت زوجة الأربعينيّ الأردنيّ سامر عنانزة لحادثة أثناء قيادتها في أحد شوارع العاصمة عمّان، حيث اصطدمت سيّارتها بأخرى مسرعة تجاوزت الإشارة المرورية بشكل مخالف وفقدت على أثر تلك الحادثة القدرة على المشي.

يقول العنانزة، الذي يعمل مستشارا قانونيا في إحدى الشركات، "انقلبت حياتنا إلى جحيم... الحادثة دمّرت حياة زوجتي التي كانت تعمل لدى إحدى شركات الاتصالات؛ فقد خسرت وظيفتها وأصبح عليّ، إلى جانب عملي، أن أقوم بدور الأب والأم لطفلينا".

لم تقتصر الحادثة على الأثر النفسي الذي ألحقته بعنانزة وأسرته، حيث أضيف إليه عبء تكلفة ماليّة كبيرة كان الرجل وما زال يتحملها لعلاج الزوجة؛ فقد اضطر إلى دفع غالبية نفقات العلاج، التي تجاوزت حتى اليوم 100 ألف دينار (حوالي 141 ألف دولار أميركي)، بسبب عدم قدرة الشاب العشرينيّ المتسبب في الحادثة على دفع تعويض مالي.

قصة عائلة سامر واحدة من عشرات آلاف القصص المؤلمة لحوادث المرور في المملكة؛ ففي العام الماضي، كشف التقرير المروري السنوي الصادر عن مديرية الأمن العام عن تسجيل أكثر من 170 ألف حادثة مرورية نتج عنها وفاة 560 شخصا وإصابة 826 آخرين بإصابات بالغة.

وبعد تزايد أعداد الحوادث المميتة والمخالفات المرورية، جرت تعديلات على قانون السير في البلاد ودخلت حيّز التنفيذ الفعليّ في الربع الأخير من العام الماضي.

تعديلات فعّالة

شملت تلك التعديل 25 مادة، وتضمنت في مجملها تغليظ العقوبات على بعض المخالفات الخطرة التي قد تتسبّب في وقوع حوادث خطيرة، مثل القيادة تحت تأثير الكحول، أو القيادة بسرعة فيها تهوّر.

ومنذ بداية هذا العام، يظهر أثر تلك التعديلات التي اعتبرها مدير المعهد المروري في مديرية الأمن العام رائد العساف "سببا من أسباب انخفاض الخسائر البشرية الناتجة عن حوادث السير خلال الأشهر الماضية".

وأوضح العسّاف في حديث خاص لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) أن حوادث السير التي تسبّبت في إصابات بشرية بالغة انخفضت بنسبة 1.7%، بينما انخفضت الوفيّات الناتجة عن تلك الحوادث بنسبة 16.2%، خلال النصف الأول من العام الجاري مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي.

تحدث العساف أيضا عن إطلاق مديرية الأمن العام مجموعة من حملات التوعيّة الداعية إلى جعل طرق المملكة آمنة، كان أحدثها حملة (معاً نصل آمنين) "التّي تهدف للتوعية المروريّة وحماية المجتمع من المخالفات الخطرة وما تسببه من حوادث مؤلمة، سعيا للوصول إلى بيئة مرورية آمنة والحفاظ على الأرواح والممتلكات".

ورفعت تعديلات قانون السير الغرامات الماليّة على عدّة مخالفات، أبرزها غرامة قطع الإشارة الحمراء التي أصبحت 300 دينار بدلا من 200 دينار أو الحبس من شهر إلى شهرين أو العقوبتين معا؛ أمّا مخالفة تجاوز السرعة المقررة، فارتفعت من 20 دينارا إلى 100 دينار أو الحبس شهر إلى ثلاثة أشهر أو العقوبتين معا إذا زادت السرعة عن تلك المقررة بأكثر من 50 كيلومترا في الساعة.

وفرضت التعديلات غرامة على عدم ارتداء حزام الأمان على الطرق الخارجية أو داخل المدن بقيمة 20 دينارا بدلا من 15 دينارا؛ كما جرى رفع قيمة غرامة استخدام الهاتف الجوّال أثناء القيادة من 15 إلى 50 دينارا، في حين أصبح ارتكاب مخالفة القيادة المتهورة يستوجب عقوبة الحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن شهرين و/أو غرامة لا تقل عن 200 دينار ولا تزيد عن 300 دينار.

وإلى جانب نحو 200 كاميرا منتشرة في عمّان لمراقبة السرعة وعشرات الكاميرات المنصوبة على الطرُق السريعة في المملكة، بدأت إدارة السير في الآونة الأخيرة تفعيل كاميرات مراقبة ذكيّة لرصد مخالفات استخدام الهاتف الجوال وعدم التقيّد بارتداء حزام الأمان أثناء القيادة في عدد من مناطق العاصمة قبل التوسع في نشرها بمناطق أخرى.

  حطام حافلة دمرها حادث سير في منطقة الأغوار بالأردن، حيث تشير إحصاءات لتعرض معظم عاملات الزراعة لمثل هذه الحوادث، الأمر الذي دفع جمعيات محلية لإطلاق مشروع لنقل العاملات في ظروف آمنة (26 سبتمبر أيلول 2023)

حطام حافلة دمرها حادث سير في منطقة الأغوار بالأردن، حيث تشير إحصاءات لتعرض معظم عاملات الزراعة لمثل هذه الحوادث، الأمر الذي دفع جمعيات محلية لإطلاق مشروع لنقل العاملات في ظروف آمنة (26 سبتمبر أيلول 2023)

القوانين "غير كافية"

لكنّ الدكتور حسين الخزاعي، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية، يرى أن القوانين والتعليمات التي تضعها إدارة السير للحد من الحوادث "هي وسيلة من وسائل التوجيه والضبط، لكنها ليست الوسيلة الوحيدة والفعالة للحد من حوادث السير التي نشهد تزايدها بكثرة خلال السنوات الأخيرة".

ومن وجهة نظر الخزاعي، فإن الحل "يكمن في رفع مستوى النضج الأخلاقي للأفراد في المجتمع، ووجود منظومة ردع أخلاقيّة وقيميّة لدى سائقي المركبات".

وقال في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إنّ "مرتكبي المخالفات ينقسمون إلى ثلاثة أقسام، الأوّل ممن يتفاخرون باختراقهم قوانين السير ويعتبرونه نوعا من إظهار الذات أمام الآخرين، وقسم آخر يعتبرون أنفسهم فوق القانون وأن ما ينطبق على عامة الناس لا ينطبق عليهم. والقسم الثالث هم أشخاص ليست لديهم معرفة بقوانين السير وضوابطه بشكل عام".

أضاف "الكثير من السائقين يلتزمون بالقوانين، حتى وإن كانت مغلّظة، لفترة محدودة؛ لكن سرعان ما يعودون إلى سابق عهدهم بمخالفة قواعد المرور وتهديد حياة الآخرين عبر ارتكاب مخالفات جسيمة قد تودي بحياتهم وحياة من حولهم دون ذنب".

واقترح الخزاعي استحداث مناهج دراسية لجميع المراحل التعليمية في المدارس "تعرّف الطلبة منذ الصغر على قواعد السير وأخلاقيّات القيادة وأهميّة الحفاظ على الأرواح والممتلكات".

وقال "هذا من شأنه أن يصنع جيلا من السائقين المقتنعين فكريّا وعقليّا بخطورة إهمال القوانين أثناء القيادة... وهنا لا يُمكن أن نُغفل دور الأهل في تعريف أنفسهم وأبنائهم بضرورة اتباع أخلاقيّات القيادة وأنّ امتلاك رخصة قيادة لا يعطيهم الحقّ في العبث بأرواحهم وأرواح الأبرياء".

(الدولار الأميركي يُساوي 0.71 دينار أردنيّ)