سهل البِقاع.. سلّة غذاء لبنان وأرض الفرص الزراعيّة رغم التحديات
بحيرة القرعون في سهل البقاع بلبنان، والتي يجري تخزين المياه المخصصة للأراضي الزراعيّة فيها
  • بيروت

  • الأربعاء، ٥ يونيو ٢٠٢٤ في ٣:١٩ م
    آخر تحديث : الأربعاء، ٥ يونيو ٢٠٢٤ في ٣:١٩ م

سهل البِقاع.. سلّة غذاء لبنان وأرض الفرص الزراعيّة رغم التحديات

(وكالة أنباء العالم العربي) - بمساحات زراعيّة شاسعة وتنوع كبير في المحاصيل التي تعمل معظم عائلاته على إنتاجها منذ عشرات السنين، يُوصف سهل البقاع بأنّه سلّة غذاء لبنان.

ووفقا لبيانات وزارة الزراعة اللبنانيّة، فقد بلغت المساحة الإجماليّة للأراضي الزراعيّة في البلاد عام 2021 نحو 271 ألفا و412 هكتارا، منها 53 ألفا و605 هكتارات في منطقة البقاع وحدها.

وبحسب المركز اللبناني للدراسات، فإنّ الزراعة تُمثّل نحو خمسة في المئة من إجمالي الناتج المحلّي للبنان، وتُشكّل نحو ثمانية في المئة من اليد العاملة في البلاد.

وقد أقرّ مجلس النواب اللبنانيّ الموازنة العامّة لسنة 2024، التي بلغت قيمة نفقاتها الإجماليّة المقدّرة 295 تريليونا و113 مليون ليرة لبنانية (حوالي 3.3 مليار دولار أميركي)، وقُدّرت نفقات وزارة الزراعة وحدها بحواليّ 876 مليار ليرة لبنانيّة.

غير أنّ قطاع الزراعة بشكل عام تأثّر بالأوضاع السياسيّة والاقتصاديّة التي يمرّ بها لبنان، خاصّة بعد الأزمة الماليّة عام 2019 التي أدّت إلى تراجع القُدرة الشرائيّة للمواطنين وصعوبة الوصول إلى ودائعهم في المصارف.

ويُشير المركز اللبناني للدراسات إلى أنّ ما يُقارب 47 ألف هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة، أي ما يمثّل أكثر من 20 في المئة من إجمالي الأراضي الصالحة للزراعة في البلاد، ما زالت متروكة دون استخدام.

البقاع.. فرصة مهمّة

وترى المهندسة الزراعيّة مروى سكافي أنّ الإمكانيّات المتوفّرة في منطقة سهل البقاع تُشكّل "فرصة مهمّة" لقدرة الدولة اللبنانيّة على التعافي من أزمتها الاقتصاديّة هذه، مشيرة إلى أنّ طبيعة الأرض والمناخ في البقاع، الذي يتّسم بالاعتدال في الكثير من أقسامه، يُساهمان في زراعة مختلف أنواع المحاصيل.

وقالت في حديث لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "في البقاع لدينا سهولٌ واسعة يُزرع فيها القمح؛ وتسعى وزارة الزراعة إلى زيادة مساحتها بدعم أنواع الحبوب المخصّصة لصناعة الخبز، والتي زادت أهميّتها مع الحرب الروسيّة الأوكرانيّة والخوف من توقّف وصول بواخر القمح إلى لبنان؛ فتبيّن أهميّة بناء صوامع في منطقة البقاع لتخزينها (الحبوب)".

أضافت "زراعة العنب لها دورٌ مهّمٌ؛ فيُمكن الاستفادة منها لبيع المحصول للاستهلاك اليوميّ أو الاستثمار به لصناعة النبيذ؛ في لبنان، هناك أكثر من 50 مصنعا يُنتج في السنة حواليّ مليون زجاجة نبيذ، تُوزّع بين الاستهلاك الداخليّ والتصدير للأسواق الخارجيّة".

لكنّها اعتبرت أنه "نتيجة لإهمال الدولة القطاعَ الزراعيّ في السابق، اضطرّ العديد من الفلّاحين (المزارعين) إلى زراعة نبتة الحشيش، التي أصبحت أشبه بتهمة تُلصق بسكّان المنطقة بأنّهم يتاجرون بمواد مخدّرة، بينما المطلوب هو تأمين البديل لها ودعم زراعة القنب الهندي الذي يُستخدم للأغراض الطبيّة".

وتابعت "مجلس النوّاب شرّع زراعة القنب الهندي عام 2020؛ ووزارة الزراعة تضغط حتّى اليوم لإصدار مراسيم تنفيذيّة له، كونها (هذه الزراعة) بحسب ما صرّح به وزير الزراعة (عباس الحاج حسن) تؤمّن مليار دولار سنويّا من الأرباح للدولة اللبنانيّة".

تحديّات متعددة الأوجه

وحول التحديات التي تُواجه القطاع الزراعيّ في منطقة البقاع، قالت سكافي إن المياه "تشكّل الهمّ الأوّل بالنسبة للمزارعين، وخاصة مع تلوّث العديد من مجاري الأنهار نتيجة لإلقاء المعامل والمصانع نفاياتها على ضفاف الأنهار، وعدم تنظيم شبكة الصرف الصحيّ، والتي زاد الضغط عليها مع انتشار مخيّمات النازحين السوريين".

ويمرّ في أراضي البقاع نهران، هما نهر العاصي في شمال المحافظة بمنطقة الهرمل، ونهر الليطاني في الجنوب، والذي بُني عليه سدّ بحيرة القرعون. وتتوسّط المنطقة سلسلةَ جبال مرتفعة بين لبنان وسوريا، فتكون مُحاطة بالثلوج طوال فصل الشتاء.

وقال خالد شمس الدين، عضو نقابة المزارعين، في حديث لوكالة أنباء العالم العربي "موقعنا الجغرافيّ وبيئتنا الطبيعيّة، وكون معظم العائلات تعمل في الزراعة، كلّ تلك مقوّمات لو تمّ استثمارها بطريقة صحيحة لأصبح وضعنا الاجتماعيّ والاقتصاديّ على مستوى أفضل؛ لكن الدولة لا تُعطي أهميّة في موازنتها لحصّة وزارة الزراعة".

ويرى شمس الدين أنّ من بين المشاكل التي يواجهها القطاع الزراعيّ بشكل عام ومنطقة البقاع بشكل خاص "كساد المنتجات نتيجة لصعوبة تصريفها، بسبب منافسة البضائع المستوردة من الخارج وارتفاع تكاليف الكهرباء والماء والمواد الزراعيّةّ".

وقال "تهريب المبيدات الزراعيّة غير الصحيّة، والتي تُسبّب ضررا للمزروعات والمستهلك، الذي قد تؤّدي تلك المبيدات إلى إصابته بالأمراض، يدفع الزبائن إلى تجنّب شراء بعض المنتجات خوفا من تلوّثها".

وأشار أيضا إلى انخفاض عدد العاملين في قطاع الزراعة، مُرجعا السبب في ذلك إلى "عدم حصولهم على ما يستحقّونه... وزيادة تكلفة المحروقات والمواد الزراعيّة، والتي أدّت إلى انخفاض في مردودها (الزراعة) الماليّ".

أضاف "نتيجة للأزمة الماليّة، اضطرّ بعض المزارعين للعمل بمهن إضافية، مما زاد عبء العمل على النساء"، مشيرا إلى أنّ الإناث كان لهن دور في استمرار القطاع الزراعيّ منذ زمن.

واستطرد قائلا إن "العمّال السوريين لهم دور في القطاع الزراعيّ؛ فحضورهم كان منذ عقود طويلة، حيث يُساهمون في الحصاد والزراعة، وهذا الأمر استمرّ أيضا مع توافُد النازحين السوريين، الذين معظمهم كانوا مُزارعين في بلداتهم... وبحال عودة القسم الأكبر (من هؤلاء المزارعين السوريّين) سنشهد نقصا في اليدّ العاملة لدى العديد من أصحاب الأراضي والمشاريع الزراعيّة".

ea2e2964-4e57-4148-98c8-b898fd749d9d.jpeg

مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية في سهل البقاع بلبنان

الزراعة في مواجهة قطاعات أخرى

محمد سكافي، أستاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية، أشار بدوره إلى تحديات أخرى تُعيق تطور القطاع الزراعي بحسب وصفه.

وقال في حديث لوكالة أنباء العالم "اهتمّت الدولة اللبنانية خلال العقود الماضية بقطاع الخدمات، مثل السياحة والمصارف، وأهملت القطاع الزراعي؛ الأزمة التي نُعاني منها لا تتعلّق بكساد المنتجات أو صعوبة تصريفها، إنما مشكلة في بنية النظام الاقتصاديّ".

أضاف "هذا الإهمال ظهرت نتائجه بعد الأزمة الماليّة عام 2019، وتبيّن أنّ أحد أسبابها اعتمادنا على استيراد البضائع بدلا من دعم الصناعة والزراعة المحليّة؛ فالدورة الاقتصادية ارتبطت بالدولار والشركات الخارجية، لنخسر على أثرها قيمة ليرتنا الوطنيّة".

وتابع "الأوضاع السياسيّة أثّرت على الزراعة؛ فالسوق الخليجيّة مُغلقة أمام البضائع اللبنانيّة بسبب عمليّات تهريب المخدّرات التي كانت تتم داخل شاحنات محمّلة بالخُضَر والفاكهة، وكان آخرها ما تمّ ضبطه في أبريل نيسان 2021 في شاحنة متّجهة إلى السعودية".

وأشار سكافي أيضا إلى أنّ معظم الآلات والمواد الزراعيّة تُستورد من الخارج، قائلا إنّ "الشراء يكون بالدولار، في حين بيع البضائع يكون بالليرة اللبنانيّة، فيكون المزارع والتاجر أمام خيارين، إمّا البيع بقيمة منخفضة مراعاة للقدرة المعيشيّة للمواطن - وحينها قد يؤدّي هذا لخسارته - أو البيع بالقيمة الحقيقيّة التي تُناسب التكلفة، والتي تكون مرتفعة على المواطن".

ويرى الأستاذ والباحث الاقتصاديّ أيضا أنّ هجرة الشباب من الريف إلى المدينة انعكست سلباً على القطاع الزراعيّ، حيث قال إن "الشباب يجدون أنّ العمل في الزراعة قد لا يؤمّن لهم مدخولا شهريّا مناسبا، والدولة لا تعطي أولويةً لمساعدتهم، فيفضلون التوجّه إلى المدن للعمل في المؤسسات".

أضاف "المشكلة الأكبر كانت بالنسبة للعائلات التي قررت بيع أراضيها في الريف، والتي ندمت في مرحلة لاحقة خلال الأزمة الاقتصاديّة؛ فهناك أُسر خسرت وظيفتها، مما اضطرها للعودة إلى بلداتها. فلو كانت تلك الأسر تملك الأرض لاستطاعت العمل فيها".

وأردف قائلا إنه "في بيروت ومعظم الساحل اللبناني، نجد الكثافة السكانية والمباني المتلاصقة، فيما إذا نظرنا إلى منطقة البقاع سيكون المشهد بمساحات واسعة خالية، وهو أحد آثار الهجرة من الريف إلى المدينة".

(الدولار الأميركي يُساوي حوالي 15 ألف ليرة في السوق الرسميّة ونحو 89 ألف ليرة لبنانية في السوق الموازية)