روّاد أعمالٍ فلسطينيّون يستأنفون أعمالهم من مواصي خان يونس عن بُعد
مساحة العمل الحرّة التي وفرها رائد الأعمال مهنّد قريق لتمكين روّاد الأعمال الفلسطينيين من استئناف نشاطهم في العمل عن بعد بمواصي خان جنوب قطاع غزّة
  • خان يونس

  • السبت، ٢٠ يوليو ٢٠٢٤ في ٨:٤٧ ص
    آخر تحديث : الاثنين، ٢٢ يوليو ٢٠٢٤ في ٤:٤٣ ص

روّاد أعمالٍ فلسطينيّون يستأنفون أعمالهم من مواصي خان يونس عن بُعد

(وكالة أنباء العالم العربي) - رغم أصوات الانفجارات الناتجة عن قصف إسرائيلي على منطقة في محيط مواصي خان يونس جنوب قطاع غزّة، ظل الفلسطيني أحمد العامودي منهمكا في العمل على حاسوبه، لينجز المهام التي اتفق عليها مع زبائنه من خارج القطاع.

كانت رغبة العامودي في الاحتفاظ بما تبقى له من تعاقدات أقوى من صوت الانفجارات، خاصة أنه خسر الكثير من تلك التعاقدات بعد الشهر الأول من الحرب المستمرة في القطاع منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول الماضي.

نجح العامودي، الذي يدرس تطوير البرمجيّات بكليّة تكنولوجيا المعلومات، في أن يستعيد جزءا من أعماله التي كان ينجزها لجهات أوقفت تعاقداتها معه قبل أشهر نتيجة لتعثّر جهوده في توفير كهرباء والاتصال بالإنترنت طوال فترة الحرب.

وقد تحقق له هذا بعد أن عثر مطلع هذا الشهر على "مساحة عمل حرّة" في المواصي توفّر لروّاد الأعمال والعاملين عن بُعد مكانا مؤهّلا من حيث المقاعد والطاولات والهدوء النسبيّ، والأهم من ذلك خدمات الكهرباء والإنترنت.

وبينما ينهمك الشاب في أعمال البرمجة المتفق على إنجازها لشركة محليّة وشركتين عربيّتين خلال الفترة الحالية، فإنّه يستعدّ أيضا لتنفيذ أعمال أخرى لشركة أوروبيّة كان قد نجح في التعاقد معها عبر وسطاء متخصّصين في البرمجة.

"طوق نجاة"

يرى الشاب الجامعي أنّ هناك أهميّة لفتح مساحات عمل مماثلة، حتّى إن كان ذلك بأجر بسيط، لكي يتمكّن أكبر عدد ممكن من مواصلة العمل عن بعد خلال الحرب.

وقال العامودي في حديث لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "تفهّمت الشركات فكرة انقطاع الكهرباء والإنترنت والنزوح في البداية، وأبدت تعاطفا وتعاونا؛ لكن هذا التفهّم لم يطُل أكثر من بضعة أسابيع قبل أن تفسخ تعاقداتها، كونها تريد إنجاز الأعمال المطلوبة".

الشاب، الذّي نزح إلى رفح لأربعة شهور ثم عاد إلى مكان سكنه بمدينة حمد شمال خان يونس قبل شهرين، أوضح أنّه علِم بافتتاح هذه المساحة الحرّة التي يصفها بأنّها "حبل نجاة لكلّ روّاد الأعمال والعاملين عن بعد" وشارك فيها منذ بداية انطلاقها قبل نحو شهر، حيث توفّر احتياجات مثله بمقابل ماديّ معقول.

وقال "كنّا نعمل من بيوتنا سابقا، ومن بعض الأماكن المخصّصة لذلك؛ لكن الحرب دمّرت كلّ شيء وأعادتنا إلى نُقطة الصفر، حتى جاء بصيص الأمل عبر المساحة الحرةّ. صحيح أنّنا كثيرون بالمكان، ولكن الجميع يتفهّمون الحاجة للعمل وفتح آفاق جديدة توفّر لنا دخلا ماليّا يُساعدنا في ظروف الحرب".

ولا يعبأ الشاب كثيرا باضطراره للسير على الأقدام تارة وركوب العربات التي تجرّها الدواب تارة أخرى للوصول إلى المكان، كونه في الجزء الجنوبي للمواصي بينما مكان سكنه شمالها.

ويعتبر أنّ مساندة الشباب تستدعي التوسّع في مثل هذه المشروعات "ويا حبّذا لو كانت مجانية لروّاد الأعمال الذي يشكّلون جزءا مهما من العمالة الفلسطينية المتعطلة".

منفذ محتمل لآلاف الشباب

يظل العامودي منكبا على عمله من التاسعة صباحا حتى الخامسة مساء، وهي الفترة التي تتوفّر فيها الكهرباء، دون إغفال مراجعة محاضراته إلكترونيّا لضمان الاستمرار في دراسته الجامعيّة والتخرّج، حتّى يحقق التوزان الذي كان يحرص عليه بين عمله الحرّ والدراسة.

يمثّل العمل عن بعد مصدرا أساسيّا للدخل، الذي يُنفق منه العامودي على تعليمه ومعيشته ويقدم أيضا مساعدة لأسرته، في ظلّ تضاعف نفقات العيش بعد الحرب والنزوح، شأنه في ذلك شأن الكثيرين ممن يأملون في توفير المساحة ذاتها ليستأنفوا أعمالهم ويستعيدوا مصادر أرزاقهم التي انقطعت بسبب الحرب.

ويشتغل في مجالات العمل عن بعد لصالح شركات وجهات حكوميّة أو أهليّة أو أفراد خارج قطاع غزة، خصوصا في منطقة الخليج أو أوروبا، آلاف الشباب الغزيين؛ ووفقا لتقديرات محليّة، فقد كان الدخل الذي يحققه هؤلاء إجمالا يصل إلى نحو ستة ملايين دولار شهريا قبل الحرب.

وتعكس هذه الأرقام أهميّة قطاع العمل عن بعد في التخفيف من وطأة البطالة المتفشيّة في غزّة، والتّي تجاوزت 50% قبل الحرب ووصلت إلى 75% خلال المرحلة الحالية، وفقا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

وتتصدّر مكان مساحة العمل الجديدة على شاطئ البحر لافتة جلديّة كُتبت عليها عبارة "من تحت الركام ننهض لنبني أملا ومستقبلا واعدا" لتعكس الهدف الأساسيّ الذي من أجله افتُتح المشروع، وهو أن يُتيح لروّاد الأعمال الذين تقطّعت بهم السبل فرصة لاستعادة أعمالهم عن بُعد وبناء مستقبلهم من جديد رغم أوضاع الحرب، وفقا لصاحب المشروع مهنّد قريق.

5872c75c-3cd2-43f6-b5f2-2cec29245fff.jpg

مساحة العمل الحرّة التي وفرها رائد الأعمال مهنّد قريق لتمكين روّاد الأعمال الفلسطينيين من استئناف نشاطهم في العمل عن بعد

مغامرة كبيرة

يصف قريق، المتخصّص في البرمجة، مشروعه بأنه "مغامرة كبيرة، نظرا لحجم المخاطر المحدقة به، سواء لإمكانية تعرضه للقصف كبقيّة المناطق، أو انقطاع الإنترنت، أو تضرّر منظومة الطاقة الشمسيّة التي تشغّله.

لكنّه يعتبر المكان "فرصة لمنح كثير من الشباب أملا باستئناف أعمالهم بدلا من التعطّل عن العمل أو التفكير بالهجرة حال انتهاء الحرب".

وعزا قريق توجهه لإطلاق مشروعه إلى افتقاده شخصيّا في السابق أيّ مكان مؤهّلٍ يُمكّن العاملين عن بعد من تنفيذ وإنجاز متطلبات عملهم للزبائن خارج غزة، مشيرا إلى أنه نفسه قد خسر معظم تعاقدته بالخارج منذ نزوحه من رفح مطلع مايو أيار الماضي، وحتى قبل ذلك عندما كان الإنترنت والكهرباء يتوفّران بشكل محدود.

وقال في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إنه نجح في استعادة جزء من عقوده السابقة التي خسرها جرّاء الحرب والنزوح، وتمكّن من الاتفاق مع شركات جديدة خارج قطاع غزّة لإنجاز أعمال متنوّعة في البرمجة، موضحا أنّ العشرات مثله استأنفوا أعمالهم بشكل تدريجيّ.

وأشار إلى أنه يستقبل يوميا نحو 50 من رواد الأعمال في تخصّصات التصميم والبرمجة والهندسة والإعلام وغيرها ممّن يتعاقدون مع شركات في دول عديدة، معبّرا عن أمله في إتاحة الفرصة لآخرين حال نجاحه في توفير كهرباء وإنترنت بشكل أكبر من المتوفّر حاليا.

وتنتشر في القطاع العشرات من حاضنات ومسرّعات الأعمال التي تديرها مؤسسات أهلية وجامعات وشركات خاصة، وتحتضن الخريجين ورواد الأعمال وتوفّر لهم مقوّمات العمل عن بعد من تدريب وتأهيل من أجل فتح آفاق العمل.

لكن بعض تلك الحاضنات تعرّض للدمار، سواء على صعيد المباني والمرافق أو المستلزمات والاحتياجات، جراء الحرب. وقد حرم هذا الخرّيجين الجامعيّين وروّاد الأعمال من فرص التدريب والتأهيل من جهة والعمل عن بعد من جهة أخرى.