نازحون مرة أخرى من خان يونس: موت الحياة
أهالي خان يونس في قطاع غزة ينزحون مجددا إلى منطقة المواصي بعد أيام قليلة من عودتهم إلى مناطقهم الأصلية عقب أوامر من الجيش الإسرائيلي باعتبار أحيائهم "مناطق قتال خطيرة" (22 يوليو تموز 2024)
  • غزة

  • الثلاثاء، ٢٣ يوليو ٢٠٢٤ في ٤:٤٢ م
    آخر تحديث : الثلاثاء، ٢٣ يوليو ٢٠٢٤ في ٤:٤٢ م

نازحون مرة أخرى من خان يونس: موت الحياة

(وكالة أنباء العالم العربي) - ما زالت الصدمة تسيطر على عائلة الفلسطيني عيسى الحاج سعيد التي أجبرها الجيش الإسرائيلي، كغيرها من سكان أجزاء واسعة من خان يونس في جنوب قطاع غزة، على النزوح إلى منطقة المواصي في غرب المدينة، بعد ثلاثة أيام فقط من عودتها إلى بقايا منزلها المدمر عقب جهود مضنية لتهيئة أجزاء من غرفتين متبقيتين للعيش فيهما.

بدا الحزن والغضب على وجوه الأبوين وأبنائهما السبعة الذين كانوا يحلمون بالاستقرار في بقايا منزلهم بعد رحلة نزوح بدأت منذ مطلع ديسمبر كانون الأول، حتى اضطروا إلى النزوح مجددا تحت وطأة القصف الإسرائيلي العنيف.

حاولت العائلة تأخير نزوحها ليوم إضافي على أمل انتهاء العملية العسكرية للجيش الإسرائيلي، لكن الليلة التي قضوها حيث يسكنون في شمال خان يونس كانت الأكثر رعبا منذ بداية الحرب مع شدة القصف الجوي والمدفعي وإطلاق الرصاص من الطائرات ودوي الانفجارات الذي كان يمكن سماعه في كل مكان.

طلع شمس نهار جديد ولم يكن أمام العائلة سوى الرحيل إلى المواصي بواسطة جرار زراعي يجر مقطورة خلفه وضعت عليها الأسرة بعض المستلزمات الأساسية قبل الفرار عبر طرق زراعية ورملية، وصولا إلى المواصي التي عادوا إلى نصب خيمتهم وملحقاتها فيها بعد أن فككوها قبل أيام فقط.

تعود عائلة الحاج سعيد إلى ما أسمته "موت الحياة" في النزوح مثلما كانت ميتة في خان يونس المدمرة، ولكن بشكل مضاعف مع غياب الحد الأدنى من الاحتياجات الإنسانية فضلا عن التفاصيل اليومية القاسية.

ينهمك الأب مع ولديه الكبيرين أحمد الطبيب بمستشفى ناصر ومحمد الذي يدرس طب الأسنان في جامعة الأزهر بغزة في نصب الخيمة وتجهيز مرحاض ومطبخ صغيرين من النايلون والألواح الخشبية، بينما تحاول الأم مع ابنتها هيا (18 عاما) ترتيب بعض الأمتعة.

يعتبر الأب، الذي دخل منذ عامين العقد السادس من العمر، أن تراجع الجيش الإسرائيلي عن وصف بعض المناطق بأنها "آمنة" وإعادتها إلى تصنيف "مناطق قتال خطيرة" يشكل كارثة كبري لأهالي المدينة الذين عادوا إليها وحاولوا تدبير احتياجاتهم من تنظيف شوارع وتوفير مصادر مياه ومواد غذائية وغيرها.

لذلك، فأهالي خان يونس بحسب الحاج سعيد يعتبرون ما يجري لمدينتهم بمثابة "إعدام لكل ملامح الحياة واستكمال لمسار التدمير والنزوح إلى ما لا نهاية"، لافتا إلى أنهم فقدوا الإحساس بالحياة وقيمتها وتحولت تفاصيل حياتهم اليومية إلى موت مستمر رغم أنهم يتنفسون، على حد قوله.

وقال الحاج سعيد لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "خان يونس تموت رغم أن أهلها ما زالوا على قيد الحياة، أبلغنا الجيش الإسرائيلي بتوسيع المنطقة الآمنة فأعدنا إصلاح ما يمكن إصلاحه لنعيش بعيدا عن الخيام، وعندما عدنا تراجع الجيش وأجبرنا على النزوح مجددا".

وأضاف "مدينتنا الوحيدة في القطاع التي جرى فيها هذا الإجراء، توسيع منطقة آمنة ثم التراجع عنها، الرسالة واضحة: لن نسمح لكم بالعودة إلى الحياة مطلقا".

وتابع قائلا بصوت مرتفع "يقتلونا ويخلصونا من هذه الحياة المميتة، بدلا من كل هذا الموت الذي نعيشه يوميا طيلة أشهر الحرب".

08205817-364d-4cfb-9b19-0650200b3e73.jpg

منطقة مواصي خان يونس تكتظ بخيام النازحين الفلسطينيين بعد اضطرارهم إلى أن يعودوا أدراجهم عقب عودتهم إلى مناطقهم الأصلية إثر أوامر من الجيش الإسرائيلي

كان الجيش الإسرائيلي قد أجبر سكان بلدات وأحياء عديدة في خان يونس على إخلائها والنزوح إلى المواصي عبر اتصالات مسجلة ومنشورات ألقيت من الجو، بدعوى بدء عملية عسكرية في المناطق المحددة.

وبات الآلاف من نازحي خان يونس في شوارع المناطق الواقعة في غرب المدينة وهم في طريقهم إلى المواصي بعد حلول الظلام خشية تعرضهم للقصف، ليكملوا مشوارهم في الصباح مشيا على الأقدام مع عدم قدرة الكثيرين على دفع قيمة استئجار سيارات أو عربات تجرها حيوانات.

وتفيض أحاديث الفلسطينيين الذين استأنفوا رحلة نزوحهم من جديد باليأس والإحباط، مع عودة معظمهم إلى بقايا أحيائهم السكنية المدمرة في الآونة الأخيرة فقط قبل أن يجبروا على مغادرتها، فضلا عن عدم مقدرتهم على حمل أي من أمتعتهم وفرارهم بالقليل من ملابسهم واحتياجاتهم من المواد الغذائية التي تركوها خلفهم.

عائلة عبد الله القرا كانت من العائلات التي خرجت من منزلها في شرق خان يونس دون أن يسعفها الوقت لحمل بعض الأمتعة أو المواد الغذائية التي تحتاجها، لتجد نفسها على قارعة الطريق وتبدأ عملية البحث عن مستلزمات خيمة أو عريشة لنزوحها المتجدد.

ألقى القرا، الأب لخمسة أطفال، بصغاره وبعض الحقائب الصغيرة التي استطاع حملها على الشارع الرئيسي في المواصي منذ غروب الشمس أمس الاثنين، دون طعام أو ماء ودون حتى مكان لقضاء الحاجة سوى في خيام بعض النازحين القريبة.

انهار الرجل وزوجته وهما يحاولان الصمود أمام ظروف النزوح والحرب القاسية التي تلاحقهم منذ بداية القتال دون هوادة، لكنهما لا يستطيعان الاستسلام للحفاظ على أبنائهما من الهلاك قصفا أو جوعا، على حد قول الأب.

وتساءل القرا في حسرة قائلا "خان يونس تموت ونحن نموت ولا معني للحياة بعد كل هذا الجحيم".

يواصل الرجل حديثه بكلمات مليئة باليأس والحزن حيال ما آلت إليه ظروف عائلته بعد أن كان يعيش في منزل وحديقة ولديه دخل مناسب، لتقاطعه زوجته مطالبة إياه بالتماسك أمام أطفاله للحفاظ على رباطة جأشهم.

وأضاف القرا "عدت إلى خان يونس وأصلحت غرفة وأقمت عريشة بجوارها ورتبت أموري منذ شهر، وبدأنا نتأقلم مع حياتنا بين الدمار وقبلنا بذلك على أمل تغير الحال، لكن الجيش الإسرائيلي يأبى إلا أن يعيدنا إلى نقطة الصفر من جديد".

وأضاف مستشهدا بأحد الأمثال الشعبية "رضينا بالبين والبين ما رضي فينا".

وأردف بالقول وهو يبكي "انتهى كل شيء. نحن خان يونس أموات لا محالة".

وتوغلت دبابات وآليات الجيش الإسرائيلي في بلدة بني سهيلا في شرق خان يونس على مقربة من مدخل المدينة الرئيسي في الساعات القليلة الماضية، بينما أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة مقتل 89 فلسطينيا وإصابة 263 آخرين خلال 24 ساعة من بدء العملية العسكرية الإسرائيلية في المدينة.