موريتانيا ولعبة التوازن مع القوى.. تحالف مع الناتو ولا تفريط في العلاقات مع موسكو
(وكالة أنباء العالم العربي) - في يناير كانون الثاني من عام 2021 دخل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني مقر حلف شمال الأطلسي (الناتو) كأول رئيس موريتاني يزور المقر منذ استقلال البلاد عام 1960.
أجرى ولد الشيخ الغزواني مباحثات مع الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ، ليدشن الجانبان مرحلة جديدة من الشراكة والتعاون. وكان احتفاء الحلف، الذي يضم 31 دولة بينها قوى عظمى، بالرئيس الموريتاني يشير إلى بدء مرحلة جديدة تعد فيها بلاده "شريكا استراتيجيا" بحسب وصف أمين عام الناتو.
ومنذ ذلك التاريخ، تزايد اهتمام الحلف بموريتانيا؛ فقد أصبحت نواكشوط محطة ثابتة لزيارة قادة عسكريين وحكوميين من الناتو، يتسابقون لتوقيع اتفاقيات عسكرية واقتصادية مع الحليف الوحيد لهم في منطقة الساحل الأفريقي.
فالتحولات التي شهدتها هذه المنطقة في السنوات الأخيرة أدت إلى تغير المشهد الجيوستراتيجي فيها، خاصة مع ظهور روسيا كلاعب جديد في المنطقة عبر بوابة مالي بدعم الانقلاب العسكري هناك، وهو ما جعل الناتو يتجه إلى موريتانيا ليبني شراكة اقتصادية وعسكرية معها.
حسمت روسيا في ظرف وجيز الصراع على النفوذ مع الغرب في منطقة الساحل الأفريقي؛ فقد باتت وبوركينا فاسو والنيجر خارج خارطة النفوذ الغربي، خاصة فرنسا التي كانت حليفا تقليديا لهذه الدول.
وتعاني تلك الدول الأفريقية توترت أمنية، حيث تحارب جماعات مسلحة زادت وتيرة هجماتها بعد انسحاب القوات الفرنسية تحت ضغوط مارسها قادة عسكريون في تلك الدول على باريس.
* الناتو يخطب ود موريتانيا
ومع تآكل نفوذ الناتو وانسحاب قوات برخان الفرنسية، أعلن الحلف عن مقاربة جديدة تجاه منطقة الساحل تتمحور حول الشراكة مع موريتانيا.
ويرى إبراهيم ولد يوسف، الصحفي المتخصص في شؤون منقطة الساحل، أن التعاون بين الناتو ونواكشوط بدأ في عام 1995، بعد نحو عام من انضمام موريتانيا إلى مبادرة الحوار المتوسطي.
وقال إن هذا التعاون مر بمراحل عديدة، لكنه لم يصل إلى مرحلة الشراكة حتى عام 2021، بزيارة ولد الغزواني مقر الناتو.
وفي أبريل نيسان الماضي، أعلن الأمين العام للحلف عن دعم مؤسسات الدفاع في موريتانيا لمواجهة التهديدات الأمنية والإرهابية فيها. ووقعت كلية الدفاع لمجموعة الخمس في الساحل وكلية الدفاع لحلف شمال الأطلسي في ختام أعمال ملتقى رفيع المستوى نظمته نواكشوط في يونيو حزيران الماضي وثيقة للتعاون بينهما.
ويشار إلى أن كليّة الدفاع لمجموعة الساحل الخمس سُمّيت بهذا الاسم نسبة إلى المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل، وهي عبارة عن تحالف تأسس عام 2014 للتعامل مع التحديات الإقليمية من منظور موحد لقضيتي الأمن السياسي والتنمية، ويضم كلا من بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر.
وقال اللواء إبراهيم فال ولد الشيباني، المدير العام لكلية الدفاع لمجموعة الخمس في الساحل، وقتها إن الملتقى سيكون له ما بعده "في إطار الدفع بالعلاقات العسكرية والأمنية والتنموية بين حلف شمال الأطلسي ودول مجموعة الخمس في الساحل من جهة، وأفريقيا من أخرى".
* إغراءات روسية
ومع احتدام الصراع الروسي الغربي، الذي تفاقم مع اندلاع الحرب في أوكرانيا، تعاظمت أهمية موريتانيا في المنطقة؛ فقد تحوّل الساحل إلى منطقة صراع على النفوذ تترجمه الانقلابات العسكرية التي شهدتها المنطقة في الآونة الأخيرة.
لذلك، فقد حاولت روسيا إيجاد موطئ قدم لها في موريتانيا وإبعادها عن حلف الناتو عبر إغراءات، منها ما هو عسكري وما هو اقتصادي. وزار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف العاصمة الموريتانية نواكشوط حاملا معه عرض شراكة عسكرية واقتصادية في فبراير شباط الماضي.
التقى لافروف حينها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وأجرى مباحثات مع نظيره الموريتاني محمد سالم ولد مرزوك؛ لكن تلك الزيارة لم تسفر عن نتائج كانت تتطلع إليها روسيا.
اتفق الجانبان على تعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والصحية والتعليم والثقافة، لكن التعاون العسكري لم يكن مطروحا ضمن الملفات.
* خيارات موريتانيا
حاولت موريتانيا أن تكون حذرة، وألا تقع في فخ الاصطفاف في معسكر دون آخر.. ذلك ما أكده ولد مرزوك في مؤتمر صحفي مع لافروف، إذ قال إن حكومة بلاده "متشبثة بتعدد الشراكات مع الدول" وشدد على أن هذا من ثوابت السياسة الخارجية الموريتانية.
ويرى المحلل السياسي سيدي محمد أن لافروف فشل في إقناع الحكومة الموريتانية بالتحالف معها، على الرغم من العروض التي تلقتها نواكشوط، خاصة في المجال العسكري.
وقال سيدي محمد لوكالة أنباء العام العربي (AWP) إن موريتانيا "حليف تقليدي للغرب، غير أنها لا ترغب في التفريط بالعلاقات مع روسيا، خصوصا وأن قوات فاغنر على حدودها في مالي".
ويرى سيدي محمد أن موريتانيا ستُمارس لعبة "التوزان" في علاقاتها مع الغرب وروسيا، حيث إن هذا يضمن لها مصالحها واستقرارها الأمني.
أما الصحفي ولد يوسف، فيرى أن موريتانيا اختارت التحالف مع معسكر الغرب في ظل احتدام التنافس في المنطقة، معتبرا أن الحكومة الموريتانية تنظر إلى هذه الشراكة على أنها ستضمن لها مصالحها.
غير أنه أشار في الوقت ذاته إلى أن تفضيل الحكومة الموريتانية الشراكة مع الغرب لا يعني أنها ستستضيف قواعدَ عسكرية لحلف الناتو على أراضيها، "فهي ترغب في الحفاظ على علاقاتها مع روسيا".