موريتانيّون يعيشون عزلةً شبه تامّةٍ بسبب قطع الإنترنت عن هواتفهم وأصحاب أعمال يتكبّدون خسائر
(وكالة أنباء العالم العربي) - منذ ثلاثة أيام، تترقّب الموريتانيّة الساجدة عودة إشارة الاتصال بشبكة الإنترنت إلى هاتفها الجوّال لتستأنف نشاطها في البيع عبر الشبكة العنكبوتية وتتواصل مع عملائها، بعد أن انقطع الاتصال في أعقاب الاحتجاجات التي اندلعت بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسيّة في البلاد.
تسبب انقطاع الاتصال بالإنترنت في أضرار كبيرة لتجارة ساجدة، حيث لم تبع أيّ شيء طوال تلك الأيّام؛ وقالت السيّدة الموريتانيّة في حديث لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "الإنترنت هو شريان حياتي المهنيّة الذي أعتمد عليه في كلّ شيء، من الترويج لمنتجاتي إلى التواصل مع الزبائن وتنفيذ الطلبات".
كانت السلطات الموريتانيّة قد قطعت خدمات الإنترنت عن الهواتف الجوالة بالتزامن مع تلك الاحتجاجات التي أسفرت عن مقتل ثلاثة متظاهرين وإصابة عدد من أفراد الأمن.
وهذه ليست المرة الأولى التي تنقطع فيها خدمات الإنترنت في موريتانيا؛ فقد تكرّر هذا الإجراء في السنوات الأخيرة بالتزامن مع احتجاجات أخرى.
وتبرر السلطات هذا الأمر بأنه استراتيجيّة لإخماد الاحتجاجات والحدّ من ما تسمّيه "التحريض" وقطع الطريق أمام الشائعات من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار في البلاد.
"قطع للأرزاق"
لكنّ قطع الإنترنت هذا في نظر الساجدة بمثابة "قطع أرزاق لآلاف الموريتانيّين" حيث تشير إلى أنّ هناك الكثير من المواطنين الذين يعتمدون على الإنترنت في إدارة أعمالهم اليوميّة.
وترى الساجدة أنّ هناك طرقا أخرى للتعامل مع الاحتجاجات والمظاهرات "بدلا من اللجوء إلى قطع الإنترنت، الذي يؤثر سلبًا على المواطنين العاديين أكثر من أيّ شيء آخر".
ولا يختلف حال الساجدة عن الموريتاني ممادو، الذي يعمل في خدمات توصيل الطلبات، حيث لم يعد هاتفه يُرسل تنبيهات التطبيقات التي اعتاد العمل من خلالها مع زبنائه وأدخله هذا الانقطاع في بطالة مؤقتة بحسب وصفه.
وبعد انقطاع خدمات الإنترنت، وجد بعض الموريتانيين أنفسهم مضطرين أيضا إلى العودة لمشاهدة التلفزيون والاعتماد على وسائل الإعلام التقليديّ للحصول على المعلومات.
من بين هؤلاء الموريتاني محمدن، الذي أصبح وأسرته يجلسون لساعات طويلة أمام شاشة التلفزيون، يتنقّلون بين القنوات الإخباريّة لمعرفة التطوّرات الأخيرة المتعلّقة بالاحتجاجات على الانتخابات الرئاسيّة.
شاشة هاتف جوّال تظهر انقطاع الاتصال بشبكة الإنترنت في العاصمة الموريتانيّة نواكشوط - الخميس، 4 يوليو تموز 2024
عزلة شبة تامة
وقال محمدن في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إنّ قطع الإنترنت جعل الوصول إلى المعلومة صعبا؛ "فالإعلام التقليديّ لا يُواكب التطوّرات أو يغطّيها مثلما تغطّيها المنصّات الرقميّة والإعلام الرقميّ المحلّي".
أضاف "نعتمد على الإنترنت للحصول على الأخبار الحقيقيّة والتواصل مع الأصدقاء والعائلة؛ نشعر بالعزلة وعدم القدرة على فهم ما يحدث حولنا".
أمّا مدن الداخل والمناطق الريفيّة، التي تعتمد بشكل أساسيّ على شبكات الهاتف المحمول للوصول إلى الإنترنت، فقد أدخلها انقطاع خدمات الإنترنت في عزلة شبه تامّة، وفقا لما قاله عيسى، الذي يسكن في مدينة بوتلميت على بعد نحو 140 كيلومترا من العاصمة نواكشوط.
هذه العزلة أصبح يعيشها أيضا بعض الموريتانيّين المقيمين في الخارج، والذين يعتمدون بشكل أساسي على الإنترنت للتواصل مع عائلاتهم وأصدقائهم.
من بين هؤلاء حبيبة، التي تدرس في المغرب، والتي قالت في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إنها تعتمد على الإنترنت يوميّا للحفاظ على تواصل وثيق مع أمّها وأبيها في موريتانيا، وأصبحت لا تعرف كيف يُمكنها الاطمئنان عليهما إلا من خلال أحد أفراد العائلة المقيمين في نواكشوط.
إجراء متكرّر
في السنوات الخمس الأخيرة، قطعت الحكومة الموريتانيّة خدمات الإنترنت أربع مرات؛ كانت الأولى عام 2019، بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسيّة، والثانية بعد هروب مسجونين في مارس آذار من العام الماضي، والثالثة بعد وفاة مدنّي إثر توقيفه في مخفر للشرطة.
هذا التكرار جعل الموريتانيين يتوقّعون دائما أن تتّخذ الحكومة الإجراء ذاته مع كلّ حراك أو أزمة.
ولم تحدد السلطات الموريتانية موعدا لعودة خدمة الإنترنت للهواتف الجوّالة؛ لكن على الرغم من استمرار الانقطاع، فقد سمحت السلطات أمس الأربعاء لشركات الاتصالات بإتاحة الوصول إلى تطبيقات المحافظ الرقميّة التابعة للبنوك. كما سمحت بالوصول إلى تطبيقات النقل التشاركي التي تُسهم في تسهيل تنقّل المواطنين داخل المدن.
وتُعدّ المحافظ الرقميّة جزءا أساسيّا من حياة الموريتانيّين اليوميّة، حيث يعتمد معظمهم على هذه التطبيقات لإيداع الأموال وتدبير شؤونهم الماليّة.
وكان المرشح الرئاسي السابق بيرام الداه ولد اعبيد، الذي حلّ ثانيا في الانتخابات الرئاسيّة بحصوله على 22.10% من أصوات الناخبين، قد عبّر عن رفضه نتائج تلك الانتخابات ودعا أنصاره إلى العصيان المدنيّ للاحتجاج على ما وصفها بأنّها "مهزلة انتخابيّة".
ويرفض ولد اعبيد الاعتراف بنتائج الانتخابات، التي فاز فيها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بولاية ثانية بعد حصوله على 56.12% من أصوات الناخبين، حيث يقول إنها شابتها خروقات وعمليّات تزوير أدّت إلى التلاعب في نتائجها.
كما يتّهم المرشّحُ الرئاسيّ السابق اللجنةَ الوطنيّةَ المستقلّة للانتخابات بسرقة أصوات الناخبين ويعتبرها لا تعبّر عن إرادة الشعب.
وتوقّفت الاحتجاجات بعد أن أوقفت السلطات مئات المتظاهرين في نواكشوط وعدد من المدن، وفقا لما ذكرته وسائل إعلام محليّة.