مصر تُسرع الخطى لتوطين صناعة السيارات عبر شراكات عالمية لكن الطريق لا يخلو من الأشواك
(وكالة أنباء العالم العربي) - تسرع الحكومة المصرية الخطى من أجل توطين صناعة السيارات، عبر توقيع اتفاقيات وشراكات مع شركات عالمية كبرى عاملة في هذا المجال.
كان أحدث التحركات في هذا السياق ما أعلنته وزارة التجارة والصناعة يوم الثلاثاء الماضي بشأن توقيع اتفاقية تصنيع مشترك بين شركة صناعة وسائل النقل، وهي شركة محلية، وشركة فولفو، بهدف تصنيع حافلات كهربائية بنسبة مكون محلي تبلغ 50% وتصديرها للأسواق الأوروبية.
خلال فعاليات توقيع الاتفاق، قال وزير التجارة والصناعة المصري أحمد سمير إن حكومة بلاده لا تدّخر جهدا في توفير أوجه الدعم لشركات السيارات العالمية للإنتاج والتوسع في السوق المصرية، من أجل ضخ استثمارات وتوطين الصناعة وتوفير المزيد من فرص العمل.
أيضا، أشار سمير إلى حرص الدولة على نقل التقنيات والخبرات العالمية للصناعة المحلية والتوجه نحو استخدام الطاقة النظيفة في وسائل النقل الجماعي والخاصة عبر العمل على إحلال السيارات للعمل بالغاز الطبيعي والطاقة الكهربائية.
وقال الوزير إن مصر تمتلك القدرات والمقومات التي تمكّنها من توطين صناعة السيارات والحافلات الكهربائية التي تفي باحتياجات السوق المحلية والتصدير لأسواق إقليمية وأسواق دول القارة الأفريقية.
غير أن خبراء يرون أن هناك عقبات تواجه آمال توطين الصناعة في مصر. وبحسب حسين مصطفى، خبير صناعة السيارات، فإن إحدى هذه العقبات نقص الدولار، الذي تسبب في عدم القدرة على استيراد مدخلات الإنتاج، فضلا عن مشكلات عالمية، منها نقص الرقائق الإلكترونية وزيادة تكلفة النقل.
* تعاون قائم منذ 20 عاما
ويرى مصطفى أن التعاون في تصنيع الحافلات بين الشركات المصرية والأوروبية قائم منذ 20 عاما. وقال لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "مصر تصدّر حافلات للسوق الأوروبية منذ فترة؛ على سبيل المثال، أتوبيس لندن المكون من طابقين يُصنع في مصر".
وأضاف أن "الشركات المصرية تقوم بتصنيع الحافلات الكهربائية، والتي من بينها الحافلات الترددية التي من المقرر أن تعمل على الطريق الدائري في القاهرة".
غير أن سمير علام، عضو شعبة وسائل النقل باتحاد الصناعات المصري، قال إن مصر ما زالت لا تنافس في سوق تصدير السيارات، مرجعا السبب في ذلك إلى عدة عوامل منها اتفاقيات نقل المعرفة التي يتم توقيعها مع الشركات الأم.
وقال إن تلك الاتفاقيات تحظر التصدير خارج البلد، بحسب وصفه، مضيفا أن عدم تطوير صناعة السيارات محليا خلال السنوات الماضية أيضا من الأسباب التي جعلت مصر خارج المنافسة في سوق تصدير السيارات.
وتابع "مصر بدأت تصنيع السيارات منذ عام 1960؛ وعلى الرغم من ذلك، فإننها حتى الآن لا نملك سوى 17 مصنعا لتصنيع السيارات، بسبب البيروقراطية وعدم تقديم أي حوافز للمستثمرين والمصنّعين".
أضاف "لا يمكن لمصر أن توطّن صناعة السيارات وتحقق الاكتفاء للسوق المحلية وتصدر للخارج دون تقديم حوافز حقيقية للمستثمرين وتطبيق ما يتم اتخاذه من قرارات على أرض الواقع".
* حوافز حكومية
إلا أن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي كان قد أكد استعداد الحكومة لتقديم حزمة حوافز بشرط سرعة توطين هذه الصناعة وتشغيل مصانع السيارات المطلوبة في أقرب وقت ممكن.
وقال مدبولي في بيان الأسبوع الماضي إن الحكومة المصرية لديها استعداد تام لتوطين صناعة السيارات في مصر من خلال توفير الأراضي وبناء المصانع ضمن اتفاق مع مستثمرين جادين في مجال صناعة السيارات يتولون بأنفسهم تشغيل هذه المصانع بعد تشييدها.
وفي إطار دعمها لتوجه توطين صناعة السيارات، أنشأت مصر في أكتوبر تشرين الأول من العام الماضي المجلس الأعلى لصناعة السيارات وصندوق تمويل صناعة السيارات صديقة البيئة.
ويشكّل ذلك المجلس برئاسة رئيس الوزراء وعضوية وزير الصناعة نائبا له، والوزراء المعنيين بالتخطيط والنقل والمالية ووزير الدولة للإنتاج الحربي، بالإضافة إلى أربعة من ذوي الخبرة يرشحهم وزير الصناعة لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة.
أيضا، أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في يوليو تموز الماضي البدء في تصنيع أول سيارة كهربائية محلية الصنع في إطار استراتيجية الحكومة لتعميق التصنيع المحلي وتطوير الصناعة طبقا للمواصفات الوطنية، والاستفادة من مخرجات البحث العلمي عبر دعم تحويل البحوث التطبيقية إلى منتجات صناعية.
* وضع متأزم محليا
في السوق المحلية، سجلت مبيعات السيارات بمصر انخفاضا خلال يوليو تموز الماضي مع استمرار معاناة القطاع جراء أزمة شح العملة الصعبة.
وذكرت بيانات مجلس معلومات سوق السيارات المصرية (أميك) أن الموزعين باعوا نحو 6295 سيارة خلال شهر يوليو تموز الماضي، مقارنة مع نحو 6331 سيارة في الشهر السابق. ويقل هذا بنسبة 51% عن 12.7 ألف سيارة جرى بيعها في يوليو تموز عام 2022.
وقال خبير صناعة السيارات حسين مصطفى إن نقص السيارات المستوردة تجاوز 70%، وإن هذا تسبب في ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق وخروج مستهلكي السيارات الاقتصادية من السوق، مشيرا إلى تراجع حجم استيراد السيارات الكاملة خلال العامين الماضيين بسبب أزمة نقص الدولار.
واعتبر أن تقلص حجم استيراد السيارات من الخارج "كان من الممكن أن يصبح ذا أثر إيجابي في الأوضاع الطبيعية؛ ولكن في ظل الأزمات التي تواجهها البلاد، فالتأثير ليس بالقدر المطلوب".
في هذا الإطار، أشار مصطفى إلى أن حجم إنتاج مصر من السيارات في الأوضاع الطبيعية يبلغ حوالي 150 ألف سيارة سنويا، لكنه قال إنه في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد "لن يتجاوز إنتاج السيارات المحلية هذا العام 100 ألف سيارة".
* توقيت مناسب للبدء في التصنيع
ويرى علام أن حجم إنتاج السيارات في مصر غير مرض، مرجعا ذلك إلى عدة أسباب، منها أزمة نقص الدولار وصعوبة استيراد مستلزمات الإنتاج، فضلا عن ارتفاع الأسعار بشكل كبير في السوق.
وقال في حديثه لوكالة أنباء العالم العربي "ارتفاع الأسعار أخرج شريحة عملاء السيارات الاقتصادية من السوق تماما. الآن، أقل سعر للسيارات يصل إلى 500 ألف جنيه (حوالي 16.18 ألف دولار أميركي) وهذا السعر يفوق إمكانيات هذه الشريحة".
غير أنه اعتبر التوقيت الحالي "هو الأنسب لبدء تصنيع السيارات في مصر".
وقال "المصانع المصرية لها باع طويل في صناعة الحافلات وتصديرها للأسواق الخارجية... في حالة البدء في إنشاء مصنع من اليوم، فإنه قد يستغرق عامين لبدء الإنتاج، ولا أتوقع أن الأزمة الحالية في السوق سوف تستمر أكثر من عامين".
واستطرد قائلا "أتوقع أن تنتهي هذه الأزمة خلال عام أو عامين على الأكثر... ما يعني أنه (أي مصنع بنشأ الآن) سوف يبدأ الإنتاج مع تعافي السوق من الأزمة التي يعاني منها".
أضاف "هناك أربع شركات مصرية درست بالفعل بدء التصنيع خلال الفترة المقبلة، وهناك شركة خليجية كبرى بدأت في إجراءات إقامة مصنع للسيارات الكهربائية"، مشيرا في الوقت ذاته إلى سعي "العديد" من الشركات الصينية واليابانية والكورية للتصنيع داخل مصر من أجل التغلب على صفر جمارك الخاص بالسيارات الأوروبية.
وقال "هناك شركات صينية تتفاوض مع الحكومة للحصول على خطوط إنتاج في مصانع سيارات قائمة أو إنشاء مصانع جديدة في مدينة صناعة السيارات في المنطقة الاقتصادية".
(الدولار الأميركي = 30.9 جنيه مصري)