مكتبات الأندية الاجتماعية في مصر.. "فيها كتب قيّمة" تحتاج من يقرؤها
(وكالة أنباء العالم العربي) - تزخر بالكتب النفيسة من كل صنف ولون، لا ينقصها شيء.. ربما سوى القراء.
إنها مكتبات الأندية الاجتماعية في مصر التي تمتلئ بكتب من متنوعة تغطي آفاق الأدب والفنون والاقتصاد والدين والتاريخ والجغرافيا والعلوم، فضلا عن الروايات.
تفتح المكتبة العامة بنادي الصيد في حي المقطم بجنوب القاهرة أبوابها من التاسعة صباحا إلى العاشرة مساء. وقالت مسؤولة في المكتبة إن أعضاء النادي يأتون كثيرا للمذاكرة أو كتابة الأبحاث في جو من الهدوء، "لكنهم لا يقرؤون" من الكتب المتراصة على الأرفف.
أرجعت المسؤولة الأمر إلى طغيان الإنترنت والوسائل الحديثة وقالت "الإنترنت جعل الناس تنصرف عن قراءة الكتب. فعلا التردد على المكتبة ضعيف".
وقبل انتشار الهواتف الذكية في مصر بقوة في مطلع القرن الحالي، لم تكن أي مكتبة عامة في البلاد تخلو من قراء الكتب المطبوعة ومستعيريها.
وتحاول إدارة النادي تشجيع الأعضاء على مطالعة كتب المكتبة من خلال السماح باستعارتها لقراءتها في البيوت أو المكاتب أو في الأماكن الأخرى بالنادي، بمقابل رمزي 30 جنيها في العام.
والاستعارة بحد أقصى أربعة كتب شهريا، ويدفع المستعير غرامة مقررة عن أي كتاب لا يعيده إلى المكتبة في الفترة المحددة.
وتؤكد إدارة النادي حرصها على الحصول على أحدث الإصدارات من معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي يقام سنويا في العاصمة المصرية. وتقول المسؤولة إن الروايات من أبرز العناوين التي تقتنيها المكتبة.
والمكتبة العامة بنادي الصيد تتبعها مكتبة للأطفال بها أنشطة تلوين ورسم وألعاب ذكاء إلى جانب مشاهدة أفلام الرسوم المتحركة. ومسموح بارتياد تلك المكتبة لمن هم بين الثالثة والتاسعة من العمر.
تاريخ
والحال متكررة في مكتبات العديد من النوادي المصرية.
فالمكتبة العامة في نادي الشمس بحي مصر الجديدة في شرق القاهرة تضم كتبا في مختلف المجالات منها الفلسفة، وعلم النفس، والأدب، والمعارف العامة، والديانات، والعلوم الاجتماعية.
وقالت مسؤولة في المكتبة "بصراحة الإقبال على القراءة ضعيف. بعض كبار السن فقط يأتون بين وقت وآخر ليتصفحوا بعض الكتب... أما الشباب فلا يأتون، وإن جاؤوا ينظرون وينصرفون".
وأشارت إلى أن الشباب يقولون إن بإمكانهم تنزيل الكتب من الإنترنت ولا يحتاجون إلى التردد على المكتبة.
ولمصر باع طويل من الاهتمام بالكتب والمكتبات. وكانت مكتبة الإسكندرية بتلك المدينة المصرية الساحلية التي سُميت (عروس البحر المتوسط) واحدة من أكبر وأهم مكتبات العالم القديم، مما أسهم في وضع الإسكندرية في منزلة عاصمة المعرفة والتعلم في ذلك الوقت. وعمل في المكتبة كثير من الدارسين المهمين والمؤثرين خلال القرنين الثالث والثاني قبل الميلاد.
وفي عام 2002 أعيد بناء المكتبة في موقع قريب من موقعها الأصلي، وأُطلق عليها (مكتبة الإسكندرية الجديدة).
وأنشأت مصر في عام 1870، في عهد الخديوي إسماعيل، دارا للكتب باسم (الكتبخانة الخديوية) وأُطلقت على الدار عدة أسماء رسمية أحدثها كان في عام 1993 وهو (الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية).
ومكتبة الشمس العامة تابعة لوزارة الثقافة، وتمدها دار الكتب والوثائق القومية بالكتب التي تصدر حديثا، وذلك من حصيلة النسخ التي تتلقاها مجانا عن كل كتاب جديد تقدم له ترقيما محليا وآخر دوليا.
وبدورها تتيح المكتبة الاستعارة، لكن يتعين على المستعير إعادة الكتاب في غضون أيام ليتمكن غيره من استعارته.
وكغيرها من مكتبات الأندية الاجتماعية، تنظم المكتبة أنشطة خاصة للأطفال. وقالت المسؤولة إنها تشعر بسعادة بالغة عندما تجد أطفالا يتوقون لمطالعة الكتب المناسبة لهم. وأضافت "أشعر بأن لديهم شغفا بالقراءة".
مكتبة خاوية من القراء بأحد الأندية الاجتماعية في القاهرة (أرشيف AWP)
ثقافة الصور.. شذرات معلومات
تؤكد وفاء أحمد، رئيسة مكتبة نادي القطامية جاردنز بالمقطم، أن المكتبة "فيها كتب قيمة" وأن الفرصة متاحة للأعضاء للتبرع بالكتب ليتاح لآخرين قراءتها بعد تسجيل بيانات المتبرع.
وقالت "حركة الاطلاع خفيفة لأن الإنترنت أكل الجو (هيمن). قليل فعلا من الأعضاء يأتون للقراءة. الحركة مبقتش زي الأول"، في إشارة إلى السنوات التي سبقت انتشار الهواتف الذكية وهيمنة الإنترنت على عادات الاطلاع والمتابعة.
وأضافت أن المكتبة كانت تعمل بنظام الاستعارة لمدة أقلها ثلاثة أيام وأقصاها سبعة، لكن إدارة النادي أوقفت هذا النظام "لأن هناك من استعاروا كتبا وسافروا دون ردها أو قالوا إنها فُقدت". وأردفت "كنا نتقاضى ثمن الكتاب ممن لا يرده لكن بعض هذه الكتب لا يقدر بثمن، وربما يستحيل الحصول مرة أخرى على مثيل لها".
وتفتح مكتبة نادي القطامية جاردنز من العاشرة صباحا حتى السادسة مساء. وتُجري إدارة النادي حاليا تجديدات كبيرة في المكتبة يُنتظر الانتهاء منها في الربيع المقبل.
ويقول حسن مكاوي أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة والخبير بمجمع اللغة العربية إن معظم الشباب لا يقرؤون الكتب في الوقت الحالي.
ويضيف "ثقافة الصورة طغت تماما على ثقافة الكلمة المطبوعة. كل ما هو مطبوع آخذ في التراجع أمام الصور التلفزيونية والصور المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي... الجامعات أيضا أسهمت بدرجة كبيرة في تراجع قُراء الكتب من خلال اعتمادها كثيرا على الإنترنت والكتب الإلكترونية".
وقال مكاوي، العميد السابق لكلية الإعلام في جامعة القاهرة، إن الدراسات العلمية أثبتت أن ثقافة الصور سريعة الذوبان "في حين تحقق الكتب المطبوعة التراكم المعرفي، فمعلومات الكتاب المطبوع ترسخ في الذهن.
"أغلب نشرات وسائل التواصل الاجتماعي ما هي إلا شذرات معلومات متنوعة ومتناثرة ولا تحتفظ بها القريحة في كثير من الأحيان".